السوشى للجميع!

أصبحت عربات الأطعمة المتنقلة من أهم سِمات الشارع المصرى، فلا يكاد شارع أو منطقة يخلو من وجودها، فالكثير من المصريين لا يَحْلو لهم الإفطار إلّا على عربات الفول، وإذا ما أحسّوا بالجوع فى المساء فدائمًا ما يجدون ملاذهم فى الكبدة أو المكرونة، وغيرهما من الأكلات الشعبية التى تجد زبائنها من مختلف الفئات والطبقات لسرعة إعدادها ورُخص أسعارها.
فى الآونة الأخيرة، بدأتْ عربات الأطعمة الجاهزة والفاست فوود تَجِدُ لها مكانًا على الرصيف بجوار عربات الفول والكبدة والأكلات الشعبية المختلفة؛ وكان أبرزها عربات السوشى؛ حيث حمل ثلاثة طهاة على عاتقهم نشر «السوشى» داخل المجتمع المصرى مستغلين فى ذلك مهاراتهم الخاصة فى المطبخ، ونظرًا لعدم مقدرتهم على افتتاح مطعم خاص للسوشى؛ لجأوا للشارع المصرى بأفكار بسيطة ميزانيتها بسيطة.
السوشى أكلة أسيوية انتشرت فى اليابان وتغزو حاليًا العالم.. وتتكون من الأسماك والطحالب، وفى مصر تصنع القطعة من أعشاب بحرية وأرز وكابوريا وسمك السالمون.
«Sushi Gate»
أمير دوح وعبد الله السعيد، صديقان فَكَّرا فى عمل مشروع خاص بهما، بافتتاح مطعم للسوشى؛ حيث كان «أمير» يعمل طاهيًا بأحد المطاعم، ولكن ميزانيتهما لم تسمح لهما بتحقيق حلمهما، لذا قررا غزو أحد الشوارع بدرّاجة للسوشى.
فمنذ عامَين بدأ أمير وعبدالله بصُنع دراجة لبيع السوشى، وأستقرّا على أن تكون دراجة متجولة فى جميع شوارع القاهرة، وكانت البداية فى حى الزمالك، ومن داخل مطبخهما الخاص بالمنزل، بدأ الثنائى فى تجهيز أصناف دراجة السوشى يوميّا صباحًا، واستعدّا لمنافسة عربات الكبدة.
أمام كلية تربية موسيقية بالزمالك، فوجئ الطلاب بوجود دراجة سوشى أمام كليتهم، بعضهم لم يرغب فى خوض مغامرة أكل السوشى والبعض رَحّبَ بوجودهما، إلى أن أصبحت «سوشى جيت» من أشهر درّاجات السوشى فى مصر، يقول أمير: «الهدف من وجود دراجة سوشى ليس فقط بغرض زيادة الدخل المادى، ولكن لنشر نوع جديد من الأطعمة داخل السوق المحلية».
زادت فروع «سوشى جيت» إلى درّاجتين إحداهما بالمهندسين والأخرى بالزمالك، بالإضافة إلى فرعين لمطاعم صغيرة فى كل من الزمالك والدقى، وزاد عدد الفريق ليصل حاليًا إلى 6 أفراد، ويحرص أمير وشريكه على تقديم جميع أنواع السوشى على دراجته، المقلى والمُدخن وغير المطهو، إضافة إلى أصناف أخرى مثل السوشى الصيامى والسوشى النباتى، إلّا أن الأنواع المقلية هى الأكثر طلبًا.
دراجة السوشى صححتْ لدَى الكثير من زبائنها العديد من المعتقدات والأفكار حول أشهر الأكلات الآسيوية، فبعضهم كان يعتقد أن السوشى سَمَك غير مطهو أو أنه طعام يُصنَع من «الطحالب»، إلّا أن دراجة أمير أظهرت أن السوشى يُصنَع من خلال أعشاب بحرية وأرز وكابوريا أو سَمك السالمون.
«سوشى جيت» نافست أسعار مطاعم السوشى الفخمة والشهيرة، فسعر القطعة 10 جنيهات: «إحنا كنا عايزين كل الناس تاكل سوشى مش لازم يروحوا ياكلوا سوشى فى مطعم بـ 500 جنيه»، وتختلف مواعيد الدرّاجات أثناء المواسم، ففى فترة الدراسة تبدأ الدراجة عملها 12 ظهرًا، أمّا فى الإجازات فتتواجد من الـ 6 مساءً.
أعتمد مُلّاك «سوشى جيت» على الدراجات باعتبارها مصدر دخلهم الوحيد. ورُغْمَ امتلاكهما لمطعم صغير للسوشى؛ فإن «أمير» يرفض فكرة التخلى عن دراجة للسوشى «طول ما أنا عايش هيفضل فيه عجلة للسوشى، عشان دى كانت أول باب رزق لِيّا، ودى وبسببها فتحتلى كذا شغلانة»؛ حيث يأمل «أمير» امتلاك دراجة باليابان للسوشى «أنا عايز يبقى عندى عَجلة فى اليابان عشان أوريهم أن المصريين بيعرفوا يعملوا سوشى».
«Sushi Planet»
أمّا «وسام علاء» الفتاة العشرينية، فقد وقفتْ أمام دراجة تتحدّى بعض عادات وتقاليد المجتمع؛ لمساعدة أخيها «عمرو علاء» وخطيبها «على» الذى يُعِدُّ السوشى؛ خصوصًا أنه كان يعمل طاهى سوشى بأحد مطاعم السوشى الشهيرة، إلّا أنه قرر عمل مشروع لزيادة دخله المادى، فساعدته هى وأخوها لتحقيق حلمه.. فكرة افتتاح مطعم، كانت صعبة على «على» وشريكيه بسبب الميزانية الضخمة التى يحتاجها، لذا فكروا فى البداية بدراجة صغيرة فى حى المعادى؛ لتكون «سوشى بلانت» أولى درّاجاتهم بالمعادى، ولم يكن الطريق أمامهم ورديّا؛ حيث قابل الفريق فى أول ثلاثة أشهر عدة مشاكل، أهمها عدم دراية الشعب المصرى بفكرة وجود سوشى على الدراجات؛ للخوف من عدم نظافة الأطعمة، ولكنهم استطاعوا كسب ثقة محبى السوشى.
امتلك الفريق ثلاث دراجات بالمعادى، بالإضافة لمطبخ صغير لتحضير الأصناف به، وحددوا مواعيد تواجد الدراجات من الساعة الثانية عصرًا إلى الواحدة بعد منتصف الليل، وكان سعر السوشى الأرخص فى سعر سوق السوشى، فالقطعة بـ 8 جنيهات، وهو ما جعل «وسام» تنجح فى بيع ما يزيد على 250 قطعة يوميّا.
تتبايَن أعمار محبى السوشى، بداية من عُمْر 14 عامًا إلى كبار السن، إلّا أن أكثر زبائن «وسام» من السيدات، ولم تقابل «وسام» أى مشاكل سوى تعريف المارة بأطعمة السوشى، وجعلهم يتقبلون فكرة وجود أطعمة جديدة فى السوق المحلية.
«Sushi in the box»
ومن دراجات السوشى إلى صناديق السوشى بمصر الجديدة؛ حيث وقف شاب بالعقد الثالث، يحمل صندوقًا مغلقًا، داعيًا كل مَن يَمُرُّ أمامَه بتذوُّق طعامه مناديًا «سوشى، سوشى يا فندم»، بعضهم وقفَ لخوض التجربة وبعضُهم استنكر ما يبعه، ولكنه وقفَ لساعات لم يشعر بكَلل أو مَلل للوصول إلى حلمه.
«فادى جميل»، أحد طهاة السوشى، بدأ مشواره فى مجال السوشى منذ أكثر من 14 عامًا، ولكنه منذ عامين طرأت فى ذهنة فكرة جديدة تخص السوشى: «كنت عايز أفتح مطعم سوشى ولاقيت أن السوشى مقتصر على طبقة معينة، فكنت عايز أخلى كل الناس تجرَّب وتعرف يعنى إيه سوشى»، فبَعد أن وجد دراجات الطعام انتشرت فكّرَ فى مشروع جديد، بالتجوُّل فى كل مكان، ووَجَدَ أن الدراجة قد تعوقه فى تحقيق حلمه؛ لذا صَنع صندوقًا بغطاء وقرر أن يبدأ طريقه الجديد.
بدأ «فادى» مشروعه بـ 400 جنيه ثمَن الصندوق، قاصدًا منطقة مصر الجديدة، التَفَّ حوْله الكثير لمعرفة ما السوشى، حتى أصبح «فادى» الأشهر فى منطقة مصر الجديدة فى السوشى. ويبدأ «فادى» بتجهيز أصنافه فى منزله من الساعة 12 ظهرًا لبدءِ مهمته ببيع أصنافه بعد غروب الشمس حتى لا تُفسِد حرارةُ الجَوّ أصنافَه، ويسع صندوقه من 50 لـ 80 قطعة فى كل يوم؛ ليكون خفيفًا فى الحَمل ويساعده على التحرُّك، محددًا سعر القطعة بـ10 جنيهات، إلّا أنه أحيانًا يُقدم بعضَ العروض على القِطَع لترويج أصنافه.
كان الصندوق «فتحة خير»، فبَعد تحقيقه صدًى جيدًا فى المنطقة، استطاع العمل فى أحد أكبر أماكن مخصصة للسوشى، ورُغْمَ عمله؛ فإنه لم يتخلَّ عن الصندوق وكَلّفَ شخصًا آخر ليتولى مسئولية البيع بالصندوق فى منطقة مصرالجديدة.
كانت ردود أفعال زبائنه الحافز بالنسبة له: «إحنا حاسّينا أننا فى أمريكا، وواحد بيبيع سوشى فى الشارع»، ودفعه تحفيز كبار السن فى إكمال عمله بالصندوق، وحُفر فى ذاكرة «فادى» أحد المواقف التى لم يستطع نسياناها : «مرّة جالى بياع دُرَة وطلب منّى يدوق ولمّا داق السوشى عجبه وبقى كل فترة يجى يشترى من عندى، ساعتها حسيت إنى حققت هدفى، وخليت الناس اللى مش عارفة الفكرة تتعرف أكتر وأديتهم فرصة يدوقوا الحاجات إللى فى المطاعم الغالية ومَكنوش عارفين يروحوها».>