
طارق الشناوي
كلمة و 1 / 2.. بليغ.. عناق الأرقام والإبداع
بعد رحيل « أحمد زكى» حاول كاتب سيناريو شهير تسويق سيناريو له وإقناع عادل إمام ببطولته، وكتب عدة مقالات يشيد فيها بعادل، مؤكدًا أنه يتفوق على أحمد زكى والدليل أن أفلامه تحقق فى دور العرض إيرادات أكبر، وكتبت مقالاً ردًا عليه فى جريدة القاهرة عنوانه (عادل نجم الأرقام وذكى نجم الإبداع).
منذ أن بدأت مشوارى الصحفى وأنا مولع بمتابعة الأرقام، وأرى أنها فى العادة تحمل دلالة ما ينبغى أن نقرأها بعناية، نعم لا نرتكن فقط للرقم، إلا أننا أيضًا لا يمكن أن نغض الطرف عنه. ومن أشهر الأرقام تلك التي تعلنها جمعية المؤلفين والملحنين مرة كل أربعة أشهر فى تقييمها للأداء العلنى الذي يشير إلى كثافة تداول الأغنيات فى الإذاعة والتليفزيون والقنوات الفضائية والأشرطة والسى دى.
حتى مطلع التسعينيات فى حياة «محمد عبدالوهاب» كان هناك حرج ما يطل برأسه مع كل إعلان عن قيمة الأداء العلنى، بسبب أن «محمد عبدالوهاب» موسيقار الأجيال وعنوان النغم المصري فى القرن العشرين يأتى ترتيبه فى المركز الثانى بعد «بليغ حمدى» والصحافة كانت، وبنسبة ما لا تزال تضع «عبدالوهاب» فى مكانة لا تسمح لأحد أن يرنو إليها.
الرقم الذي حققه ولا يزال بليغ يدل على شيئين الأول هو غزارة إنتاجه والثانى انتشار أغنياته، و«بليغ حمدى» كان دائمًا لديه دفقات موسيقية تضعه فى المركز الأول، حتى إن «عبدالوهاب» كان يقول إن ثراء «بليغ حمدى» الموسيقى يخصم الكثير من قيمة إبداعه، فهو يقدم عشرات من الجمل اللحنية ولو أنه اكتفى بواحدة منها فقط وأعاد تهذيبها وتلميعها موسيقيًا لتضاعف نجاحه، «عبدالوهاب» لديه منطقه العقلى يضع إطارًا لأفكاره اللا شعورية بينما «بليغ» حتى فى حياته الخاصة، لا يعنيه كثيرًا هذه القيود العقلانية، كان بوهيميًا فنيًا وإنسانيًا، إلا أن دائرة إبداعه تتسع لتشمل كل أطياف الغناء، وكانت مصر خلال السبعينيات تبدو وكأنها لا تغنى إلا لبليغ حمدى.
أتذكر أننى سألت الشاعر الغنائى «مأمون الشناوى» عن رأيه فى ألحان «بليغ حمدى» لأم كلثوم؟ فقال لى: «بليغ» عندما يلحن لأم كلثوم يشبه مهندس الديكور الذي يعيد تأثيث فيللا على المحارة، الآخرون يحتفظون بالألوان والأثاث القديم ويعيدون فقط ترتيبه، الموسيقار «كمال الطويل» كان رأيه أن «بليغ حمدى» هو الوحيد الذي حملت أنغامه إضافة لصوت «أم كلثوم» بعد «القصبجى» و«زكريا» و«السنباطى»، «عبدالحليم حافظ» قال عنه أنه أمل مصر فى الموسيقى.
«بليغ» لم يتوقف حتى رحيله عن المغامرات الإبداعية ولهذا على مدى أكثر من 35 عامًا وحتى الآن يأتى اسمه سابقًا الجميع.
فى مجال السينما احتل عادل القمة الرقمية وذكى القمة الإبداعية، بينما فى الموسيقى احتفظ بليغ بالقمتين معًا أرقامًا وإبداعًا!.