الجمعة 10 أكتوبر 2025
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد إمبابي
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد إمبابي

«ڤيساك» عندما يستيقظ بوذا!

«ڤيساك» عندما يستيقظ بوذا!
«ڤيساك» عندما يستيقظ بوذا!


دول شرق آسيا من أكثر دول العالم الغنية بالمتناقضات الثقافية والاجتماعية، حيث تحتضن أغرب العادات والتقاليد فى العالم، ويعتمد تاريخها بشكل كبير على الأساطير الخرافية والمعتقدات الشعبية والموروثات القديمة، وتعود معظم أعيادها ومهرجاناتها إلى أساطير قديمة، غالبها مرتبط بشخصيات وأحداث تاريخية ربما لم يكن لها وجود على أرض الواقع.
البلدان التى تتبع تقليد ثيراﭬﺎدا أو «البوذيّة القديمة» تحض خلال شهر مايو من كل عام على الاحتفال بولادة ويقظة بوذا ووصوله إلى اﻟﭘﺎرانيرﭬﺎنا أو «النيرفانا الكاملة» خلال عيد ﭬﻴﺴﺎك، حيث يلتقى المجتمع البوذى فى هذا اليوم للتأمل فى الجواهر الثلاثة: البوذا، الدارما (تعاليمه) والسانجا (مجتمع الممارسين)، ورغم اختلاف العادات من بلد إلى آخر، يلعب الضوء دورًا مركزيًا فى الاحتفال، حيث تضاء الفوانيس فى جميع المنازل فى سريلانكا لتمثيل يقظة بوذا، بينما يتم وضعها فى كوريا على الأشجار، فى تايلاند، ينظم المحتفلون مواكب الفوانيس ويطوفون بها حول المعابد ثلاث مرّات.

عيد ڤيساك واحد من أكبر المهرجانات الدينية فى آسيا، وتحتفل به الدول ذات الأغلبية البوذية، ويشتق اسم المهرجان من Pali vesākha وهو الشهر القمرى المستخدم فى الهند القديمة ويصادف أواخر شهر مايو، ويطلق عليه مهرجان الضوء، حيث جميع الزخارف فى شكل إضاءات، وتعد العائلات ديكورات قبل موعد المهرجان بأسابيع فى منازلهم، وغالبًا تكون الزينة من فوانيس ورقية ومصابيح زيتية صغيرة من الطين، ويجرى خلال فعالياته تنظيم مسابقات بين الجيران لاختيار أفضل «كدو» فوانيس معقدة فى تصاميمها.
يتجمع البوذيون خلال أيام المهرجان فى المعابد قبل الفجر لرفع العلم وغناء التراتيل فى مدح ما يسمونه الجواهر الثلاثية المقدسة «بوذا» و«دارما» (تعاليمه) وسانجا (تلاميذه)، ويحرص المحتفلون على إحضار عناقيد من الزهور وبعض الشموع وعصا الجوس -نوع من البخور المقدس- لوضعها عند أقدام معلمهم، حيث ترمز هذه الطقوس لتذكير المحتفلين بفناء الحياة وانطفائها.
ويمتنع المحتفلون عن القتل من أى نوع ويحرصون على تناول الطعام النباتى، ففى سريلانكا تخصص الحكومة يومين للاحتفال بمهرجان فيساك، يتم خلالها إغلاق جميع محلات بيع الخمور ودور الذبح بموجب مرسوم حكومى، وإطلاق الطيور والحيوانات من قبل الآلاف، وهو تقليد بمثابة تحرير رمزى لمنح الحرية للمسجونين أو المعذبين، وهذه الممارسة محظورة فى سنغافورة، حيث يعتقد أن الحيوانات المفرج عنها غير قادرة على البقاء على المدى الطويل وقد تؤثر سلبًا على النظام البيئى.
يرتدى البوذيون المتدينون فى هذا اليوم ثوبًا أبيض بسيطًا ويقضون اليوم فى المعابد ويتعهدون بممارسة الأخلاق والبساطة والتواضع، وتعرض بعض المعابد تمثالًا صغيرًا لبوذا أمام المذبح فى حوض صغير مملوء بالماء ومزين بالورود ويسمح للمصلين بصب الماء فوق التمثال كرمز لتطهير الذنوب والخطايا والنوايا السيئة، إلى جانب الاستماع للمحادثات التى يجريها الرهبان فى هذا اليوم، وترديد عبارات نطق بها بوذا قبل 25 قرنًا لاستدعاء السلام والسعادة للشعب، حيث يتم تذكير البوذيين بالعيش فى وئام مع أتباع الديانات الأخرى واحترام معتقدات الآخرين، والحرص على مساعدة المسنين والمعاقين والمرضى وتوزيع الهدايا النقدية والعينية على مختلف المنازل الخيرية فى جميع أنحاء البلاد.
يعد مهرجان Vesak وقتا للفرح والسعادة، من خلال تزيين المعابد وإلقاء الضوء عليها والرسم وإنشاء مشاهد رائعة من حياة بوذا لنشرها على الملأ، حيث يتنافس البوذيون مع بعضهم البعض لتوفير المرطبات والطعام النباتى للأتباع الذين يزورون المعبد والسياح.
حظى المهرجان بالطابع الرسمى كعيد ميلاد بوذا فى المؤتمر الأول للزمالة العالمية للبوذيين الذى عُقد فى سريلانكا عام 1950، رغم  أن المهرجان كان يقام منذ عدة قرون، إلا أن المؤتمر طالب رؤساء حكومات الدول التى بها أغلبية بوذية باعتبار اليوم عطلة رسمية فى يوم اكتمال القمر أواخر شهر مايو ليتحول بعد ذلك إلى إجازة رسمية على شرف بوذا.
الاحتفال بمهرجان ﭬيساك يجرى فى عدة دول ولكن فى أوقات مختلفة وبطرق خاصة، ففى اليابان تشمل الاحتفالات صب (الأماشا) الشاى الحلو على التماثيل كنوع من التبرُّك، وفى المواقع الدينية البوذية مثل المعابد تجرى العديد من الاحتفالات بمشاركة الشعب البوذى والكهنة والرهبان والراهبات، وفى نيبال، يعرف الاحتفال باسم «بوذا جايانتى» والذى يشهد مشاركة واسعة خاصة فى لومبينى مسقط رأس بوذا وفى سويامبو المعبدالمقدس للبوذيين المعروف باسم «معبد القرد»، حيث يتم فتح باب المعبدالرئيسى فى هذا اليوم فقط ويتجمع آلاف الحجاج من مختلف أنحاء العالم للاحتفال بعيد ميلاد بوذا فى مسقط رأسه.
وفى سريلانكا، يعتبر عيد ﭬيساك مهرجانًا دينًيا وثقافيًا يقام يوم اكتمال القمر لمدة أسبوع، ويجرى الاحتفال من قبل المتدينين، وخلال الأسبوع يحظر بيع المشروبات الكحولية واللحوم الطازجة مع إغلاق المقاصب، وتشمل الاحتفالات أنشطة دينية واجتماعية، حيث يتم إنشاء أماكن خاصة للعبادة مضاءة بالكهرباء فى الشوارع تسمى ثوراناس، وأماكن أخرى تحت إشراف الجمعيات الدينية وجماعات الرعاية الاجتماعية، مع تعليق الفوانيس الملونة المسماة Vesak kuudu فى الشوارع وأمام المنازل فى إشارة إلى ضوء بوذا دارما وسانجا، وتوفر أكشاك الطعام الطعام المجانى والآيس كريم والمشروبات للمارة، مع ترديد الأغانى البوذية التعبدية.
وتقيم كوريا الجنوبية، عيد ﭬيساك بشكل منتظم كل عام ويعتبر عطلة رسمية ويسمى (Seokga tansinil) «عيد ميلاد بوذا» أو (Bucheonim osin nal) بمعنى «اليوم الذى جاء فيه بوذا» ويعتبر المهرجان واحدًا من أكبر المهرجانات الثقافية وخلاله تغطى فوانيس اللوتس المعابد على مدار شهر مايو، وتقدم المعابد وجبات مجانية لجميع الزوار، وغالبًا ما تكون «سانشاى بيبمباب» وهى أكلة شعببة معروفة لدى الكوريين الجنوبيين.
أما فى فيتنام فقبل عام 1975 كان عيد ميلاد بوذا عطلة وطنية فى فيتنام الجنوبية وكان مهرجانًا عامًا مع عرض عائم وفاعليات أخرى، وبعد سقوط سايجون لم يعد اليوم عطلة عامة، ومنذ عام 2000 يجرى إحياء المهرجان فى جميع أنحاء البلاد، حيث سعى النظام الشيوعى إلى الوقوف إلى جانب البوذية خوفًا من اتهامه بالاضطهاد الدينى من قبل الأقلية المسيحية.
وفى ماليزيا ذات الأغلبية المسلمة يقام مهرجان ضخم ويسمى ويساك احتفاءً ببوذا يذهب خلاله الناس إلى معبد فيهارا البوذى فى كوالا لامبور ويحتفل البوذيون بثلاثة أحداث فى حياة بوذا ولادته والتنوير ورحيله عن العالم البشرى،حيث يبدأ احتفال بويساك عند الفجر بتجمع المصلين فى المعابد فى جميع أنحاء البلاد للتأمل فى المبادئ الثمانية وجمع التبرعات وإعطاء الطعام للمحتاجين وعروض البخور وعصى الجوس وتنفيذ الصلوات.
 كما يقام فى بنجلاديش المهرجان باسم بودهو بورنيما ويعتبر عطلة عامة، وفى إندونيسيا يتم الاحتفال بيوم ﭬيساك فى معبدبوروبودور، ويعتبر يومًا مقدسًا كبيرًا وتقليديًا ويعرف باسم يوم ويساك ويحتفل به الآلاف من الرهبان البوذيين ويقومون بالتغنى والتأمل فى المعابد فى طقوس تسمى «براداكسينا»، كما يقوم الرهبان بتعبئة المياه المقدسة (التى تمثل التواضع) ونقل النيران (التى ترمز إلى الضوء والتنوير) من موقع إلى آخر، ويعتبر المهرجان عيدًا وطنيًا منذ عام 1983.
وفى عام 1999 اعتمدت الجمعية العامة للأمم المتحدة  القرار رقم 54/115 للاعتراف الدولى بيوم ﭬيساك، حيث يتم الاحتفال السنوى باليوم فى مقر الأمم المتحدة فى نيويورك وفى مكاتب الأمم المتحدة الأخرى بجميع أنحاء العالم، ويعد عطلة رسمية لمكاتب الأمم المتحدة فى العديد من بلدان جنوب شرق آسيا.