الأحد 5 مايو 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري

الشيخ حسن النازى!

الشيخ حسن النازى!
الشيخ حسن النازى!


يرى بعض المراقبين أن حسن البنا مؤسس جماعة الإخوان كان رجلًا صاحب نوايا طيبة وأن أتباعه من قيادات الجماعة هم من انحرفوا بها عن هدفها الأساسى «نشر الدعوة» إلى أهدافهم السياسية.. ولسنا هنا بصدد التفتيش فى النوايا (التى يمكن تأويلها كل على هواه) لذلك يكون رصد الحقائق دون تحيز هو الفيصل، وحتى لو شكك بعض الناس فى دقة ما سجله التاريخ (على طريقة أن الرابح هو من يكسب تعاطف الجمهور) لا يمكن إنكار ما خطته يد مرشدهم وأثبتوه فى سردياتهم متفاخرين بها.
فى كتاب «الفاشية الإسلامية» لـ«حامد عبدالصمد»، الباحث فى التاريخ الإسلامى بجامعة ميونخ الألمانية، والصادر مؤخرًا عن دار ميريت للنشر، يرصد الباحث فى تاريخ حركات الإسلام السياسى فى الشرق الأوسط، وعلى رأسها جماعة الإخوان باعتبارها أكثر الجماعات تنظيمًا ونفوذًا فى المنطقة.
التطهر من كل ما هو غير إسلامى، واستعادة الخلافة؛ كانت  هذه الكلمات المطاطة التى تتضمن معانى كثيرة هى أهم أهداف البنا عام 1928 عندما قرر إنشاء جماعة الإخوان، لكن بمجرد أن تكلم باسم السماء كان ذلك مفتاحًا لقلوب الكثيرين ليتبعوه ويصبحوا مريدين لدعوته.
«الله غايتنا، والقرآن دستورنا، والرسول قائدنا، والجهاد طريقنا، والموت فى سبيل الله أسمى أمانينا» شعار ظل يداعب خيال الكثيرين وبه يتم تكفير كل من تسول له نفسه معارضة أفكار الجماعة إذ صار الاختلاف معهم اختلافًا مع الدين ذاته، لكن أركان الجماعة الخمسة (ربما من قبيل الصدفة) تكشف بوضوح وجلاء عن أهدافها وفاشيتها، فالموت والجهاد عندهم هدف لا وسيلة، لكن يمكن أن يكون ذلك التفسير فيه كثير من الافتراء على الجماعة، لذلك من الأفضل أن نرصد كيف فسرت أفعالهم الشعار.
يرصد الصحفى الأمريكى Johanson   Ian  فى كتابه «مسجد ميونخ: النازيون، وكالة الاسخبارات المركزية، والإخوان فى الغرب»، العلاقة المشتركة بين حسن البنا وهتلر.. للوهلة الأولى قد تظن أن هذا محض افتراء ومبالغة.. فما هو المشترك بين البنا وهتلر وما السبيل من الأساس لوجود تقارب بين المشروع النازى وبين مشروع البنا الإسلامى كما يدعي؟!
لكن لا مجال فى التشكيك فى العلاقة الوطيدة بين الشيخ أمين الحسينى، مفتى القدس وقتها، وهتلر، إذ كان الحسينى يجند المسلمين ليشاركوا فى صفوف الجيش النازى ضد الاتحاد السوفييتى، كما ناقش الحل النهائى للمسألة اليهودية مع «يواقيم فون» و«أدولف إيخمان»، وقد كافأه هتلر على مجهوده وتعاونه بتخصيص مكان لإنشاء مسجد كبير فى مدينة ميونخ الألمانية.
لكن يبقى السؤال: ما علاقة كل ذلك بحسن البنا وجماعته؟.. ببساطة كان الشيخ أمين الحسينى صديقًا مقربًا من حسن البنا بل كان بمثابة الأب الروحى له، حتى إن البنا أرسل للحسينى فى عام 1927 أى قبل تأسيس الجماعة بعام واحد يعرب له فيه عن نيته فى تأسيس «الإخوان المسلمين» وهو ما يقطع الطريق على من يقول إن علاقة البنا بالحسينى كانت مجرد علاقة سياسية بحثًا عن هدف حالم وخلافة وهمية! أيضًا أثبتت وثائق الاستخبارات البريطانية وجود مراسلات بين المخابرات النازية وقتها وجماعة الإخوان فى مصر.
وربما من قبيل الصدفة أيضا أن يكون المسجد الذى خصصه هتلر للحسينى هو نفسه الذى جعله سعيد رمضان، زوج بنت البنا وسكرتيره، مركزًا لجماعة الإخوان فى أوروبا بعد نهاية الحرب العالمية الثانية، وهو المسجد الذى استغلته المخابرات الأمريكية فيما بعد بالتعاون مع رمضان لمحاربة الشيوعية فى أوروبا.  
كتاب «التاريخ السرى لجماعة الإخوان المسلمين» لـ«على عشماوى»، أحد قادة الجهاز السرى للجماعة (الذى انقلب عليهم بعد ذلك)، يكشف عن جانب مهم، إذ يقول عشماوى أن البنا قام بدراسة هياكل النازية للخدمات الأمنية قبل إنشاء الجهاز السرى، وهو ما يظهر النية الواضحة فى بناء ميليشيا منظمة.
التشابه بين حسن البنا وحسن الصباح، مؤسس جماعة الحشاشين (وهى من أوائل الجماعات الإرهابية فى تاريخ الإسلام)، كان أكبر من اسم مشترك، فكلاهما فعله قبيح، إذ استخدم الصباح مخدر «الحشيش والأفيون» فى إغراء أتباعه للقيام بمهامهم السرية، بينما استبدل البنا ذلك المخدر ببيع وهمه بامتلاك الحقيقة الكاملة وتحدثه باسم السماء ليقنع أتباعه بالتضحية من أجل الفردوس المبتغى والحور التى تنتظر شهداء جماعته فقط.
الغريب أن البنا الذى ادعى مقاومة بريطانيا واتهم الملك الفاروق بالعمالة بعد ذلك، هو نفسه من كتب رسالة للملك عند تتويجه عام 1936 بعنوان «نحو النور» يصفه فيها بـ«أمير المؤمنين» ويطالب فيها بمطالب كثيرة تظهر بما لايدع مجالًا للشك عقلية مؤسس الجماعة الفاشية (أو الجامدة إن أردت تخفيف حدة الكلمة)، «القضاء على الحزبية وتوجيه قوى الأمة السياسية فى وجهة واحدة وصف واحد» كانت هذه أهم أولويات البنا فى خطواته التى يرجوها من الخليفة/الملك فى طريق النور.
« توحيد الأزياء بين الأمة تدريجيًا» كانت هذه الجملة التى تدعو إلى السخرية إحدى طلبات البنا الـ50 إلى الملك، لكنها تكشف الكثير من فكر المرشد الأول، فرغبته لا تقنع بتوحيد العقول والأفكار فقط بل طمح إلى أكثر من ذلك بكثير، رغبة فى استنساخ بشر من فكر واحد.. ومحاولة لتنميط الناس ليصبحوا مسوخًا من شخصية المرشد الملهمة وعقله الفذ.
«السينيور موسولينى يشرح مبدأ من مبادئ الإسلام» لا تتعجب فهذا  العنوان لم يكتبه صحفى أو كاتب من اليساريين حتى تهاجمه، بل كان عنوان مقال حسن البنا عام 1935 يمدح فيه موسولينى لإلزامه إيطاليا بحرب أبدية بقوله «إن إيطاليا يجب أن تصبح منذ الآن دولة حربية مشبعة بروح النضال» وهو ما أعجب به البنا، لكن بتعديل بسيط إذ رأى أن «عسكرة المجتمع بأكمله لم تبدأ تحت ظل الفاشية، لكن كانت قبل ذلك بـ13 قرنًا فى زمن النبى» وأخذ البنا يوظف آيات الجهاد فى القرآن الكريم ويلوى عنقها لتلائم طموحه الفاشى. 
ويبدو جليًا فى كتاب «مذكرات الدعوة والداعية» لحسن البنا، محاولته للتلون إذ أن الظرف السياسى والاجتماعى لم يعد يسمح بذلك الخطاب المباشر والحاد، لذلك أكد على ضرورة امتلاك الجماعة أنشطة اقتصادية متعددة لتحقق استقلالاً ماديًا يمكنها من تمهيد الطريق أمام دعوتها الجديدة، فكانت المعسكرات والندوات لتربية النشئ (من الشباب والزهراوات) وأيضًا كانت الدروس فى المساجد بجداول تحدد موضوعها وصل الأمر إلى إنشاء مساجد باسم الإخوان، إلى جانب عديد من النشاطات (من عيادات خيرية ومسابقات لحفظ القرآن الكريم) والتى حاولت الجماعة من خلالها أن تملأ الفراغ الاجتماعى الذى تركته الدولة.
جاء سيد قطب ليكمل مشوار مرشده بفكر أكثر حدة، الذى انتقل من أقصى اليسار إلى أقصى اليمين لمجرد اختلافه مع توجهات السلطة وقتها، فبدأ مؤيدًا لسياسة ناصر الاشتراكية، ثم انقلب عليها بعد حظره الإخوان المسلمين، وأعلن قطب أن حكم عبدالناصر غير إسلامى ولا يجب طاعته أو الاعتراف به كحاكم، ليخلفه جيل جديد فى الجماعة يتخذون من أفكاره شعارات لجهادهم المزيف.
فيما بعد تغيرت الظروف ورأت جماعة الإخوان أنه لابد من استخدام الديمقراطية (الكافرة) للوصول إلى سدة الحكم، لكن ذلك لا يغير من أفكارهم، وكالعادة إذ نفدت بضاعتهم وأصابها العطب يصلبون أنفسهم على صليب الحريات، طلبًا واستجداء لمشاعر الناس.