الأربعاء 1 مايو 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري

جامعة تل أبيب.. الماجيستير مقابل السُخرة

جامعة تل أبيب.. الماجيستير مقابل السُخرة
جامعة تل أبيب.. الماجيستير مقابل السُخرة


على خلاف ما تدعى - يقينًا - فإن إسرائيل هى دولة الظلم والانتهاكات، وكل الأكاذيب والادعاءات.
هذا ينطبق على الفضيحة الأخيرة لأكبر جامعة إسرائيلية وهى «تل أبيب»، إذ كشف عدد من الطلاب الأفارقة والآسيويين تعرضهم للاستغلال والانتهاكات من إدارة الجامعة، وذلك بعد استقطابهم للدراسة فيها، بادعاءات أنها قادرة على منافسة نظيراتها العالمية ليكتشف الطلاب فيما بعد أن حلم التفوق والنبوغ ما هو إلا فخ وقعوا فيه.

الطلاب فوجئوا بالأسوأ وهو تحويلهم من طلاب عِلم إلى عبيد فى نظام أشبه بالسُّخرة فهم مجبرون فيه على العمل فى المزارع والمصانع الإسرائيلية لمدة تصل إلى 16 ساعة يوميّا، وذلك بعد تسديد تكاليف الدراسة وقيمتها 22 ألف شيكل، أى ما يعادل 6 آلاف دولار، وتوقيع عَقد يلزمهم بالالتزام فى برنامج لنَيل درجة الماجيستير فى علوم النبات ومدته 15 شهرًا وإلا تكبّدوا المبالغ التى سددوها دون الحصول على الشهادة العلمية.

الترويج للتفوق العلمى الإسرائيلى ولمخرجات تعليمية عالية المستوى مع مؤشرات عالمية تؤكد تصدر جامعات إسرائيل قائمة الشرق الأوسط فى ترتيب الجامعات مقابل تواجد عربى محدود بالقائمة، أدى إلى هرولة آلاف الطلاب من دول إفريقية وآسيوية نحو الجامعات الإسرائيلية للالتحاق والتسجيل بها، وحتى ممن يحملون جنسيات عربية، وذلك رغم العقبات والتحديات التى من المحتمل أن تواجههم فى الداخل الإسرائيلى.
ما نشرته صحيفة «هاآرتس» الإسرائيلية، مؤخرًا يكشف حقيقة الخرافات الإسرائيلية المتكررة، إذ أجرت تحقيقًا استقصائيًا حول عمل الطلاب الأفارقة والآسيويين فى جامعة تل أبيب فى المزارع للحصول على شهادات علمية، وعبر الطلاب عن شعورهم بالاستغلال بعدما وجدوا أنفسهم مجبرين خلال برنامجهم التدريبى على العمل 12 ساعة على الأقل فى وظائف كثيفة العمالة ليس لها علاقة بمجال دراستهم الأكاديمية ولا تسهم بأى شىء فى معرفتهم المهنية، مقابل قضاء شهر واحد فقط من الدورة البالغة 15 شهرًا فى الدراسة بجامعة تل أبيب، إذ كانوا يعملون طوال الوقت تحت سلطة شركة التطوير والبناء فى أرافا، والتى تدير منظمة فى جنوب إسرائيل هى مركز أرافا الدولى للتدريب الزراعى والتى تعقد شراكة مع الجامعة.
الصحيفة نشرت شكاوى عدد كبير من الطلاب الأفارقة والآسيويين الذين رأوا أنهم تحولوا إلى عبيد بدون أجر بمجرد الوصول إلى تل أبيب من أجل الدراسة مرتفعة التكاليف.
طالب إفريقى من نيجيريا يدعى إيمانويل سامسون 25 سنة، حاصل على بكالوريوس فى علم الأحياء المجهرية من جامعة كالابار فى نيجيريا أقام دعوى أمام محكمة العمل الإسرائيلية فى بئر السبع.
الطالب النيجيرى جاء إلى إسرائيل لنيل درجة الماجيستير، لكنه قرر الخروج عن صمته بعد أشهر كثيرة من الاستغلال، واتهم جامعة تل أبيب باستغلاله وتوظيفه بشكل غير قانونى.
وأمام المحكمة الإسرائيلية روى الطالب تفاصيل الفخ الذى وقع فيه مع الكثير من أقرانه، وجميعهم خريجو جامعات فى أفريقيا وآسيا فقال: «بمجرد وصولى إلى إسرائيل، نقلت من المطار إلى عين ياهف مع اثنين من الطلاب الآخرين من نيجيريا وكينيا وفى اليوم التالى بدأنا العمل، فعملت فى زراعة البطيخ بعد أن تم إدراجى فى مواعيد عمل للتعبئة، واستغرق العمل هناك من 11 إلى 12 ساعة يوميًا.
وأضاف: «فى بعض الأيام عملت لمدة 16 ساعة ولم أتلق أى دراسة أكاديمية وكان يشرف علينا عمال من تايلاند يرشدوننا إلى ما يجب القيام به وفى كل مرة كان يتم فيها سحب مبالغ كبيرة منى».
 كما أخبر الطالب النيجيرى المحكمة أنه لم يتم تعويضه عن العمل الإضافى والنفقات فى المزارع كما لم يتم إبلاغه بشروط عمله مسبقًا، ووصف سامسون ما تعرض له هو وزملاؤه الطلاب قائلًا: لقد تم استغلالنا ببساطة تعاملوا معنا كعمال مزارع مثل العمال التايلانديين الذى يعملون بالمزارع لديهم بل أقل شأنا منهم، كنا فى نظرهم مجرد عبيد، لم نتلق أى دراسة، نحن لا نستحق هذا لمجرد أننا أتينا من آسيا وإفريقيا».
وعندما سٌئل الطالب النيجيرى فى جلسة المحكمة، عما إذا كان تعلم شيئًا فى «مركز التدريب» أجاب بأن درجة الماجيستير التى يعدها كانت فى الأمن الغذائى، وكل ما قام به ليس له علاقة بذلك، فكانت مهامه رفع صناديق ثقيلة الوزن بدءًا من الساعة السادسة صباحا وحتى السابعة مساءً.

طالب آخر من آسيا وبالتحديد من فيتنام حاصل على بكالوريوس فى التكنولوجيا الحيوية، جاء إلى تل أبيب أملًا فى الحصول على درجة الماجيستير من أرقى الجامعات - كما كان يعتقد.
الطالب الفيتنامى قال للصحيفة إنه فى البداية كان سعيدًا بالمشاركة فى برنامج الماجيستير فى جامعة تل أبيب الذى دفع لها 22 ألف شيكل بما يُعادل 6 آلاف دولار كرسوم دراسية، وهو مبلغ ضخم بالنسبة له إلا أنه بدلا من الدراسة تعرض للإهانة، وتم استغلاله، ووجد نفسه يعمل فى الحصاد والزراعة مع عمال من تايلاند، ووصل الحال به أن يعمل لمدة 16 ساعة فى اليوم ولم يحاول أحد أن يعلمه شيئًا.
تحدثت الصحيفة مع 7 من الطلاب الـ16 فى نفس البرنامج، والذى أطلق فى 2014، الطلاب ذكروا أنهم اكتشفوا اختلافا كبيرا بين ما قيل لهم حول البرنامج قبل الوصول إلى إسرائيل، وما حدث معهم بالفعل بعد أن جاءوا وسجلوا فى جامعة تل أبيب وسددوا الرسوم الدراسية بها، والمفارقة فى الأمر أنه تم منح هؤلاء الطلاب تأشيرات طلابية بما يعنى أنهم ممنوعون من العمل، لكن كان الفخ هو استغلالهم من قبل الشركة التجارية التى تتعاقد مع الجامعة للعمل فى نظام سخرة فى موشافيم وهى إحدى المستوطنات الإسرائيلية التى تضم العديد من المزارع.. وأجبروا على المضى فى ذلك حتى لا تذهب الرسوم الدراسية هباءً.

كان معظم الطلاب خائفين من خرق القواعد كما أشارت الصحيفة، لكن الطالب النيجيرى صاحب الدعوى القضائية قرر فضح الأمر وبينما كان أصدقاؤه يحصلون على شهادات الماجيستير فى حفل التخرج، كان هو يدلى بشهادته فى محكمة بئر سبع حول الظروف القاسية لـ «فترة تدريبه».
وتلقت جامعة تل أبيب شكاوى من مصادر مختلفة، لإعادة النظر فى هذا البرنامج، لكنها  لم تتخذ أى إجراء حيال ذلك، كما تقول الصحيفة وتضيف: إن عددا من المحامين خاطبوا المسئولين فى الجامعة أن البرنامج يُعرض على الطلاب كبرنامج رفيع المستوى للحصول على درجة الماجيستير، لكنه يستخدم فى الواقع لتوظيف الطلاب بشكل غير قانونى فى المزارع فى أرافا فى ظل ظروف مهينة للغاية، لكن لم ترد الجامعة عليهم.
وذكرت الصحيفة أن رد الجامعة حول هذا الموضوع: بأنه تم إنشاء البرنامج وتشرف عليه لجنة الجامعة للحصول على درجة الماجيستير، وحتى أكتوبر 2018 كانت تحت إشراف لجنة إشرافية تماشيًا مع مطالب الجامعة وإنها تلقت خطابًا يتضمن «ادعاءات حول قضايا ليست أكاديمية»، وبما أن لجنة درجة الماجيستير تتعامل «مع القضايا الأكاديمية فقط، فتقرر عدم مناقشة الأمر فى اللجنة».
وفى حفل التخرج، قال أحد مسئولى الجامعة للطلاب: «نحن نعلم أن حلم كثير من الطلاب كان هو المجىء إلى (تل أبيب)، وهذا الحلم أصبح حقيقة واقعة بالنسبة لكم بأن تقفوا هنا اليوم».
وأشارت الصحيفة العبرية إلى أن البرنامج بدأ بهدف تدريب الطلاب من البلدان النامية والجمع بين الشهادة الأكاديمية من إحدى الجامعات الرائدة إلى جانب التعرض للزراعة التطبيقية المتقدمة فى أرافا.
وقام البرنامج حتى الآن بتخريج 64 طالبًا، عاد جميعهم إلى بلدانهم الأصلية وحصلوا على وظائف جيدة فى الوزارات الحكومية والجامعات والشركات التجارية.
وأشارت الصحيفة الإسرائيلية إلى تصريح جامعة تل أبيب بأن المؤسسة «تدير برنامجا للحصول على درجة الماجيستير الدولية فى علوم النبات، بالتوازى مع البرنامج الإسرائيلى، والذى يتوافق مع المعايير الأكاديمية العالية.
وبغض النظر عن العنصرية التى تم التعامل بها مع الطلاب من قبل جامعة تل أبيب التى تفتخر بأنها أكبر مؤسسة يهودية للأبحاث فى العالم، وبأنها تضم ضمن كادرها باحثين وأساتذة على المستوى العالمى، حاز بعضهم على جوائز نوبل وجوائز مهمة أخرى، وكان برنامجها فخًا للكثير من الطلاب الأفارقة والآسيويين، ليثبت أن الاستغلال سمة اشتهرت بها الجامعات الإسرائيلية منذ عقود، كما أن الوقائع المتصلة ببرنامجها والتى حدثت مع هؤلاء الطلاب ليست بجديدة فقد لجأت الجامعات الإسرائيلية منذ نشأتها إلى برامج بهدف الربح واستغلال الطلاب الأجانب، وأشهرها برامج التعريف بدولة إسرائيل والتى كان يتم الإعلان عنها بطريقة جذابة وكانت بمثابة مصيدة للطلاب الأجانب والبعض منهم عرب لاستقطابهم حيث كانت الإعلانات عن تجربة مميزة للسفر بسعر زهيد يعيش من خلالها الطلاب ما كانوا يطلقون عليه بالتجربة الإسرائيلية ليكتشف الطالب أنه وقع فى فخ الاستغلال بمجرد وصوله للمطار ويتم نقله إلى معسكرات عمل والنوم فى خيام ليستيقظ فجرا للعمل فى مزارع المستعمرات أو التنقيب فى الحفريات على أمل العثور على آثار تثبت يهودية المكان كل ذلك مقابل طعام رخيص ويجد الطالب نفسه مجبرا على استكمال التجربة القاسية وإلا واجهته الجامعة بالعقد الذى وقع عليه وبالغرامة التى يتكبدها والتى يشار إليها فى نهاية العقد ببنط صغير.>