الخميس 2 مايو 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري

التحليل النفسى لـ«العائدين من داعش»!

التحليل النفسى لـ«العائدين من داعش»!
التحليل النفسى لـ«العائدين من داعش»!


وسط  صراعات النفوذ «الغربية» داخل منطقة الشرق الأوسط، ربما يصلح منطق «اختبر دواءك بنفسك»، هو الأقرب لتوصيف الأوضاع التى يعانى  منها عديد من الدول الغربية الآن، فى أعقاب تنامى الخطر الذى يمثله «العائدون من داعش».. إذا كانت السياسات الغربية «فى حد ذاتها»، هى المسئول الأول عن وصول الأوضاع لتلك الحال.
 وبمرور الوقت.. أضحى  الغرب أمام أكثر أزماته إزعاجًا.. ونقصد بذلك، ما يعرف حاليا باسم (الإرهابيين الأجانب) «FTFS»، أو FOREIGN TERRORIST FIGHTERS .. وهم المواطنون الأجانب الذين تركوا بلادهم وانضموا إلى  التنظيمات الإرهابية بمنطقة الشرق الأوسط..  إذ تحولت  تلك الأزمة إلى تهديد أمام الدول الغربية، بعد أن عاد عدد من الإرهابيين من مواطنيهم إلى بلدانهم، أو مقر إقامتهم مرة أخرى، ومنذ ذلك الحين، بدأت قضية «العائدين» تشغل اهتمام صناع القرار السياسى، نتيجة خوف الجهات الأمنية من التهديد الذى يمكن أن يشكله هؤلاء «العائدون» داخليًا للإرهاب المحلى.. أى أن يصبحوا مجرد خلايا نائمة لحين الحاجة إلى تحركهم.

رغم أنَّ مفهوم الـ«مقاتلين الأجانب» ليس أمراً جديدًا فى حد ذاته داخل تنظيمات الإرهاب إلا أن عددهم الكبير هذه المرة، هو ما يعد سبباً قوياً للقلق.. لهذا  أوضح معهد «الاقتصاد والسلام» منذ عامين، أنه يوجد أكثر من 40 ألف مقاتل من 120 دولة، قد سافروا إلى «سوريا، والعراق» منذ عام 2011، .. كما سافر ما يقرب من 4294 مقاتلا أجنبيًا من 26 دولة فى الاتحاد الأوروبى للانضمام إلى التنظيم عام 2016، وكان معظمهم قادمًا من دول: «بلجيكا، وألمانيا، وفرنسا، والمملكة المتحدة».
ولكن الأسوأ فى الأمر  بالنسبة لتلك الدول، هو ما أفادت به «الأمم المتحدة»،  من أنه بحلول أواخر عام 2017، فإن 33 دولة   استقبلت أكثر من 5600 عائد، مما دفع بعض الحكومات إلى سن تشريع يجرد المسافرين إلى مناطق الحرب التى تسيطر عليها داعش من المواطنة، بينما اعتقلت بعض الدول مواطنيها كمقاتلين غير قانونيين و معادين لمدة تقرب من عشرين عامًا، فيما رفض آخرون ترحيل مواطنيهم من الأساس.

تشريحا  لتلك الأوضاع، طرح عدد من الخبراء  الغربيين عديدًا من الأسئلة حول «قضية العائدين، منها : ما هو متوسط الإطار الزمنى بين عودة الإرهابيين وبين تنفيذهم لعملية إرهابية شرسة داخل دولتهم أو مقر إقامتهم؟، وهل العائدون هم الذين يخططون لهجمات إرهابية، ويتحكمون فى أناس آخرين «الخلايا النائمة»؟، أم هم الخلايا النائمة نفسها؟، وما هو تأثير السجن -إن وجد- فى الفترة الزمنية الفاصلة بين عودتهم والعملية الإرهابية التى ينفذونها، بجانب تأثير السجن بشكل عام على حالتهم النفسية؟.
«توماس هيجهامر»، وهو باحث كبير فى مؤسسة أبحاث الدفاع النرويجية «FFI»، درس قضية المقاتلين الغربيين، الذين عادوا إلى بلدانهم الأصلية، بعد انضمامهم إلى الجماعات الجهادية فى دولتى «الصومال»، و«أفغانستان» على مدى 20 عامًا، وجد أن نسبة صغيرة فقط من الذين عادوا كانوا متورطين فى أنشطة عنيفة، وشكلت تهديدًا أمنيًا لبلدانهم، لذلك، رأى أن نسبة صغيرة فقط من  المقاتلين الأجانب فى تنظيم «داعش» الكبير، يمكن أن تكون أشد خطورة لأنهم سيكون عددهم أكثر.
ويقترب متوسط معدل العائدين إلى الدول الغربية نحو ٪30، مما يشكل تحديًا كبيرًا لأجهزة المخابرات ووكالات إنفاذ القانون للدول المعنية وفقًا لتقارير الخبراء. فعلى سبيل المثال –لا الحصر-: شهدت دولة «بلجيكا» حوالى 110 من العائدين «٪20 من المقاتلين الأجانب فى الإرهاب».
لذلك اضطرت بعض الدول الأوروبية، وعلى رأسها: «المملكة المتحدة، وهولندا، وألمانيا، والنمسا، وفرنسا» إلى سن تشريعات شديدة، لمكافحة التطرف، منها إلغاء وثائق السفر، وتجريم السفر إلى مناطق النزاع، وتوسيع نطاق المراقبة، وتسليم المجرمين، وغيرهم، وذلك، نتيجة لجذب تنظيم «داعش» -تحديداً- للمقاتلين الأجانب، واعتماده عليهم، واهتمامه بهم بشكل خاص، وعليه يصبح هؤلاء «العائدون» بمثابة تهديد أمنى جثيم بالنسبة للدول الغربية.


1 - المدة الزمنية للقيام بعملية إرهابية محلية

فيما يخص المدة الزمنية بين رجوع «العائدين»، وتنفيذهم لعملية إرهابية، قام الخبراء الغرببون ببناء مجموعة بيانات لـ«230» جهاديًا أجنبيًا بين عامى 1980 و2016، وكانت نتائج متوسط الفترة الزمنية، هى فترة أقل من ستة أشهر بالنسبة لمعظمهم. وبشكل عام حدثت كل المحاولات الإرهابية تقريبًا فى غضون ثلاث سنوات.
فى تلك الجزئية، وجد «هيجهامر»، أن %11 من الجهاديين العائدين ما بين عامى 1980 و2010، تورطوا فى مؤامرات إرهابية محلية، وأن احتمال نجاح هجماتهم كان أكبر..  ومن المرجح -بشكل كبير- أن تؤدى إلى عدد كبير من الوفيات. محذراً من أن نسبة «واحد من تسعة» للعائدين، يصبحون إرهابيين محليين، وهو الحد الأقصى لتقدير الاحتمالية على أساس العائدين المسجلين.. أى نحو %11.


2 - تأثير السجون على «العائدين».

ينظر الخبراء إلى السجون على أنها أرض خصبة للتطرف.. حيث تعمل السجون فى كثير من الأحيان كحاضنات، ومواقع للتطرف للجماعات المتشددة، لتجنيد وتدريب نشطاء فى الداخل. على سبيل المثال، فى «الولايات المتحدة»، أشارت البيانات باستمرار إلى أن أكثر من %60 من السجناء يعاد اعتقالهم فى غضون ثلاث سنوات من إطلاق سراحهم من السجن.
ورأى الخبراء، أنه يمكن للسجن أن يدفع «العائدين» إلى المشاركة فى أعمال عنف إضافية.. إذ أكد بعض «العائدين» المعتقلين أثناء إجراء مقابلات معهم، أنهم يفضلون أداء مهمة انتحارية بدلاً من سجنهم.. وقد قال آخرون إن وضعهم يجعلهم يشعرون بالحنين إلى «داعش»، ويرغبون فى العودة إليه، رغم انشقاقهم.
كما أوضحوا، أنه يُنظر إلى المدنيين، الذين أُطلق سراحهم، على أنهم عرضة لخطر الانتكاس أكثر، لأنهم يميلون إلى العودة إلى شبكاتهم الاجتماعية السابقة. وقد يستسلم المقاتلون الإرهابيون الأجانب، الذين يرغبون فى العودة للإغراءات لإحداث الفوضى فى أماكن أخرى، مما يزيد من استمرار وتوسع التطرف العنيف.


3 -   بديل السجن لأبناء الغرب فقط

أوضح الخبراء أيضا أن المنظمات الدولية تستثمر فى بناء السلام مع الأشخاص الذين مزقهم الصراع، من خلال برامج «نزع السلاح، والتسريح، وإعادة الدمج» «DDR». فيظنون أن برامج إعادة التأهيل، وإعادة الإدماج تظهر كبدائل ممكنة للمقاضاة، وكحاجز ضد خطر التطرف فى السجون.
ونصح الخبراء بضرورة أن تكون برمجة إعادة التأهيل كل على حدة، أى مصممة لكل عائد، تعالج العوامل التى دفعت ذلك الشخص لمغادرة البلاد فى المقام الأول. وأنه يجب أن تتضمن البرامج نهجاً متعدد التخصصات، يحدد بوضوح أدوار إنفاذ القانون، والمجتمع المدنى، والحكومات. مؤكدين أن العائلات والمجتمعات تقع فى قلب أى برنامج لإعادة التأهيل وإعادة الإدماج. بجانب توفير بيئة شاملة لا تنبذ «العائدين»، بل تحتويهم، وتشجعهم على المشاركة فى الحياة اليومية. وأشاروا إلى أنه يمكن أن يوفر العلاج السلوكى، ومشاركة علماء النفس  رؤية بالغة الأهمية، لفهم الدوافع وراء قرار الفرد، بالانضمام إلى مجموعة متطرفة. كما طالبوا بمساعدة رجال الدين على دحض الأقاويل الجهادية، الذى يساء تفسيرها، وتستخدم فى عملية تجنيد الإرهابيين.
وفى النهاية شددوا على ضرورة المساعدة فى إبقاء «العائدين» على المسار الصحيح، وتوفير نظام دعم قوى فى جميع مراحل عملية إعادة الإدماج، عن طريق تعزيز الاستقرار، والحد من الاغتراب، وتوفير الفرص للنشاط الاقتصادى، وهى متطلبات ضرورية للعناية، وإن كانت باهظة التكاليف، بالنسبة إلى الدول الضعيفة مالياً.
ومع ذلك، واجه الخبراء تحديًا صعبا، وهو رغم استثمار مئات الملايين من الدولارات فى برامج «DDR» فى جميع أنحاء العالم لعقود مضت، إلا أنه من العسير تحديد متى يكون من المرجح أن يكون هذا البرنامج فعالاً، لأن «هناك القليل من الأدلة حول من يقرر الذهاب؟. كما أن نجاح البرامج يعتمد على السمات النفسية، والاجتماعية للمشاركين فيه. لذلك عندما تجذب منظمات مثل داعش المجندين الأصغر سنًا من دون سجلات مسبقة، تصبح هذه المؤشرات التنبؤية أقل فائدة.