الأحد 5 مايو 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري

عندما يكون «الخبير الاستراتيجى».. مجرد أداة

عندما يكون «الخبير الاستراتيجى».. مجرد أداة
عندما يكون «الخبير الاستراتيجى».. مجرد أداة


قد يكون الخبير الاستراتيجى، والمحلل السياسى، الأكثر تصديقاً بين جميع أشكال كتاب السياسة، نظراً لسنوات الدراسة والخبرة التى يتمتع بها هؤلاء، لذلك تكون الأزمة حقيقية، عندما يصبح هذا الخبير، أو المحلل، هو مجرد «أداة» فى يد شبكة سرية تتحكم فى عقله، أو تغريه بالمال، أو غيرهما من وسائل الضغط والتحكم.


الوثائق المسربة كشفت عن عدد من المنظمات، والمراكز البحثية فى «بريطانيا»، «الولايات المتحدة»، وغيرهما من الدول، التى تلعب دوراً مهماً مع «مبادرة النزاهة»، سواء كانت منظمات مموِلة، أو مشاركة فى تزييف الحقائق، أو ناشرة لمقالات، وتقارير تحتوى على معلومات مغلوطة ولكنها مدروسة بدقة، وذلك من أجل تغيير الرأى العام، وفقاً لمصالحهم الخاصة. هذا بجانب تجنيد «المبادرة» لأفراد داخل مؤسسات أخرى، لم تستطع الاستحواذ عليها بعد.
«سميث ريتشاردسون»
يأتى على رأس المنظمات المموِلة، وفقاً للوثائق، مؤسسة «سميث ريتشاردسون»، وهى مؤسسة مقرها «الولايات المتحدة»، تأسست عام 1935، على يد الملياردير «سميث ريتشاردسون»، ثم ورثها عنه ابنه اليمينى المتطرف «راندولف ريتشاردسون»، الداعم الأكبر «للمحافظين الجدد»، (وهى مجموعة سياسية أمريكية يمينية، تؤمن بقوة أمريكا وهيمنتها على العالم).
ومن  جانبها، كتبت «كيلى فلاهوس»، أن «ريتشاردسون»، كانت متورطة فى عمليات ضغط متنوعة المجالات، من أجل صياغة، ما يسمى بـ«الحرب العالمية على الإرهاب»، بعد أحداث 11 سبتمبر، ولديها روابط قديمة مع مجتمع المخابرات الأمريكية.
وحسب الوثائق، تقوم مؤسسة «ريتشاردسون»، بتمويل «مبادرة النزاهة»، فى الوقت الحالى.. حيث توفر لها 45 ألف جنيه استرلينى، (حوالى 56 ألفًا و600 دولار أمريكى) لأنشطة الدعاية السرية داخل «الاتحاد الأوروبى»، و«الولايات المتحدة».
«المجلس الأطلنطى»
تأسس عام 1961 كمؤسسة فكرية، بهدف التركيز على العلاقات المعادية للشيوعية، كما ظل يعمل لعقود على تغطية أعمال التخريب، والتلاعب السياسى، التى ترعاها «وكالة الاستخبارات المركزية «CIA فى جميع أنحاء العالم.
كشفت الوثائق عما يدور من تعاون بين «المجلس الأطلنطى»، و«مبادرة النزاهة» فى «النرويج» تحديداً.. حيث أوضحت أن «المجلس» يعتبر موطنًا لـ«مختبر البحث الرقمى»، الذى يضم البريطانى «بن نيمو»، وهو مشرف «مبادرة النزاهة» داخل «المجلس»، وحلقة الوصل الأساسية بينهما إلى جانب متابعته لعملية اختيار شخصيات نرويجية وتجنيدها، كأساس لشبكة جديدة، تصبح جزءاً من «مبادرة النزاهة».
كان «بن نيمو» نفسه، قد كتب العديد من المزاعم الزائفة، حول تأثير «روسيا» على قرار خروج «بريطانيا» من الاتحاد الأوروبى من خلال إعلانات نشرتها «موسكو» على موقع التواصل «فيس بوك»، لكن دون دليل.
أما «المبادرة» فقد اختارت «بن نيمو» تحديداً، نظراً لحاجتها إلى منسق يمكنه كتابة أوراق ومقالات تخدم مصالحها، وتُنشر محلياً فى «أوسلو»، خاصة أن قائمة أعمال «المبادرة»، شملت الضغط على الهيئات الحكومية هناك لتبادل المعلومات، والتعريف بتأثير النفوذ الشيوعى خاصة فى «النرويج». ومن هنا جاء قرار «المبادرة»، بضرورة تواصل الصحفيين الرئيسيين هناك، مع بعض الأكاديميين فى «المركز الأطلنطى»، لتشويه صورة «روسيا»، من خلال سلسلة من المقالات، التى تشعل الفتنة فى «النرويج».
واستهدفت «المبادرة» الشعب النرويجى، بسبب كونهم عقبة فى نظر الغرب.. حيث يميل النرويجيون بوجه عام إلى «روسيا» كجار قريب فى الشمال، لوجود صداقة تقليدية، وعلاقة عمل جيدة.
الوثائق تضمنت أيضاً، تقريرًا عن زيارة قام بها «كريس دونيلى» رئيس معهد «ستيتكرافت» للنرويج فى عام 2016..حيث شرحت تفاصيل بداية مشروع «المبادرة» فى «النرويج» أثناء زيارة «دونيلى»، ومشاركة أغلب أعضاء «المبادرة» بنشاط فى طرح «خطط للمستقبل».
كما ناقشت اجتماعات «المبادرة» أيضاً، الوضع فى «أوسلو»، وشددت على عرض أفكار «الحرب الروسية»، و«من الحرب الباردة إلى السلام الساخن»، وأدوات «موسكو» فى التأثير، خلال حرب المعلومات، وقد تبع ذلك مناقشة عامة حول «كيفية توليد تلك الأفكار، وإشعالها فى «النرويج»، كما نوقش أيضاً بشكل خاص، «كيف يمكن أن ينتشر هذا إلى دول الشمال، عبر (النرويج) كمنصة». ويمكن النظر إلى الجملة الأخيرة من الاجتماع على أنها تلخص «الفكرة، والهدف»، التى تسعى إليها «مبادرة النزاهة»، سواء فى منطقة الشمال، أو على مستوى العالم.
كان عدد من الصحفيين التابعين «للمبادرة»  قد قاموا بعملهم بالفعل..حيث نشروا اتهامات سياسية متعلقة بدور التدخل الأجنبى فى الشئون النرويجية، بجانب نشر معلومات مغلوطة عن «روسيا» بنفس حجم المعلومات الغربية. وساعد فى انتشار المزاعم التى قدمها «المجلس الأطلنطى» فى «النرويج»، ضعف المعارضة من تيار اليسار بشكل عام، لذلك أيدت جميع الأحزاب البرلمانية فى البلاد -نتيجة للمعلومات المغلوطة- قصف «ليبيا». كما صارت معارضتهم بسيطة فيما يتعلق بسياسات الغرب والناتو، ضد «روسيا».
«جمعية هنرى جاكسون»
وهى مؤسسة فكرية بريطانية يمينية، تأسست عام 2005، وتعمل فى مجال السياسة الخارجية البريطانية. وتعد «الصين» هدف النقاد فى «هنرى جاكسون»، رغم أنها خالية من المتخصصين فى «الصين» و«آسيا»، وليست لديهم خبرة ودراية عميقة فى هذا المجال بشكل عام، وفقاً لأقوال «ماثيو جاميسون»، وهو باحث برلمانى كبير فى «مجلس العموم البريطانى»، كما أكد «جاميسون» أن أعضاء «الجمعية» لم يقوموا بزيارة «الصين»، أو حتى درسوا التاريخ، والثقافة، والسياسة الصينية، بل يتحدثون اللغة فقط.
ثم اتهم الحكومة اليابانية، بأنها هى من تمول قسم الدراسات الآسيوية فى «جمعية  هنرى جاكسون» للقيام بحملة خبيثة مهينة وتشويهية.
وأوضح أنه من الضرورى على «جمعية هنرى جاكسون»، والدولة البريطانية، أن يفهما خطورة إثارة الروايات الكاذبة والمضحكة، والافتراء على ثانى أكبر اقتصاد فى العالم، لأنه لن يؤدى إلا إلى مزيد من العزلة، وإضعاف «المملكة المتحدة».
وذكر فى الوثائق أيضاً، «مركز تحليل السياسة الأوروبية»، هو مركز تأسس عام 2005، لدراسة «وسط أوروبا»، ومقره «واشنطن». وتعد مهمته، هى تعزيز فكرة «أوروبا اقتصادية»، طالما توجد روابط وثيقة ودائمة مع «الولايات المتحدة»، لذلك ليس من المستغرب أن تنشئ «آن آبلباوم» من صحيفة «واشنطن بوست»، بالتعاون مع «المركز»، وحدة تسمى «مبادرة حرب المعلومات» فى عام 2015، بهدف تركيز الهجمات على وسائل الإعلام الروسية، مثل: «RT»، و«Sputnik»، فى نفس الوقت تقريبًا، الذى قام فيه البريطانيون بإعداد «مبادرة النزاهة» كمشروع مركزى لمؤسسة «ستيتكرافت».
معهد القيم الأوروبية وبرنامجه «كرملين ووتش»
هو معهد سياسى غير حكومى فى دولة «التشيك»، يرأسه «جاكوب جاندا»، وقد ورد اسمه فى الوثائق. قدم المعهد رسالة لرئيس «المفوضية الأوروبية» «جان كلود يونكر»، كان قد كتبها عدد من خبراء الأمن الأوروبيين، بهدف تغيير رأيه والوقوف ضد «الكرملين». ملخص ما جاء فيها هو: «هذه هى فرصتك لإرسال رسالة قوية إلى «روسيا»، بأن «الاتحاد الأوروبى» لن يتسامح مع «موسكو».. يجب تحديد «روسيا» بوضوح باعتبارها المصدر الأجنبى الرئيسى للمعلومات المضللة المعادية ضد الاتحاد الأوروبى»، ثم طالبوه فى الرسالة بتوفير ميزانية سنوية، لا تقل عن 5 ملايين يورو، لإجراء بحوث خاصة وعمليات رصد وحملات، بجانب السماح لهم بإضافة 30 خبيراً، بمهارات لغوية متنوعة، حتى يتمكنوا من البدء فى تحقيق أهدافهم.
يعد ما سبق مجرد، مجرد أمثلة بسيطة حول تحركات المراكز البحثية المتعاونة مع «مبادرة النزاهة» فقد شملت الوثائق أيضاً، كلًا من مراكز: «مركز  برشلونة للشئون الدولية»، وهو واحد من أكثر المؤسسات الفكرية الإسبانية تأثيرًا فى مجالها، بالإضافة إلى «المعهد الملكى للشئون الدولية»، وهو منظمة مقرها «لندن»، مهمته تحليل القضايا الدولية الرئيسية والشئون الجارية، كما يضم عددًا من برامج إقليمية تخص «الشرق الأوسط»، و«شمال أفريقيا»، و«الأمريكتين»، و«آسيا»، و«المحيط الهادئ»، و«أوروبا»، و«منطقة أوراسيا». وأخيراً «معهد بحوث السياسات الأمنية والاستشارات السياسية» بـ «المجر»، و«وحدة بحوث الرأى العام فى جامعة مقدونيا».
وفى النهاية، يعد ما ذكر هو مجرد عرض ملخص لما ذكر فى الوثائق عن بعض الدول التى تتحرك فيها «مبادرة النزاهة»، وغير معروف - حتى الآن- إلى أى مدى وصلت يدها، ولكن على الأقل معروف كيف تفكر، وتتحرك «المبادرة» من خلف الستار مع أعوانها.>