الإثنين 29 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري

عمر الشقى

عمر الشقى
عمر الشقى


الخيبة ثقيلة.. ولا أعرف إن كانت التجربة تستحق أن تروى.. ونحن نخطو بسرعة نحو الشيخوخة الشاملة.. والطب فى خطر.. وحضرة الدكتور الكبير والمحترم يصف لى مضادا حيويا يؤدى إلى انهيار تام لوظائف الجسم.. وقد ذهبت إليه أشكو ضيق التنفس والأنفلونزا الحادة.. فأعطانى العلاج الذى قضى جزئيًا على الأنفلونزا.. لكنه أدى إلى مضاعفات غير محسوبة.. أولها احتباس البول وتضخم البروستاتا وارتشاح بالكلى وارتشاح فى آخر غشاء القلب مع أنيميا حادة ونقص هائل فى فيتامين أ.

الحمد لله قد تجاوزت معظمها.. وأنا الآن فى مرحلة النقاهة وترميم الأجهزة المنهكة.. والمهم أننى قد عبرت مرحلة الخطر فشكرا لله وشكرا لأصدقائى وبقية أهلى.. الذين انتهزوا الفرصة فتعاملوا معى كما يتعاملون مع الأسرى ومجرمى الحرب.. وقد اعتقلتنى المدام.. على اعتبار أن الحالة جيم.. تستدعى تدخلها شخصيا.!
كنت أظن والحالة كذلك.. أن تعلن حالة الطوارئ فى منزلنا العامر.. وأن يبلغ نبأ مرض كبير العيلة لأصدقائى ومعارفى.. وأن ينشر الخبر فى المواقع الإلكترونية.. وأن تقطع الإذاعة والتليفزيون إرسالها العادى لتنقل لملايين القراء النبأ الحزين.
كنت أتصور أن مرضى المفاجئ يعنى أن تهل قوافل الزائرين بعلب الملبس والشيكولاته وباقات الزهور.. وأطنان الهدايا والفاكهة.
لكن شيئا من هذا لم يحدث.. وحتى زوجتى لم تهتم ولم تحرك الأحداث الجسام فيها ساكنا.!
زعقت من تحت اللحاف وأنا أتصبب عرقا فى عز البرد.. وجاءت زوجتى من المطبخ غاضبة.. قلت لها إننى أشعر بأنى فى النزع الأخير.. وأننى سوف أغادر الدنيا الفانية.. وأن لدى وصية مهمة وتقسيمة عبقرية لثروتى المتواضعة ومعاشى المحدود.. فشخطت زوجتى وهى تضع كفها فوق جبينى الملتهب.. مؤكدة أن  عمر الشقى باق.
أغلقت علىّ المدام باب الحجرة.. بعد أن أحكمت إغلاق النوافذ.. وعاملتنى كما المريض بالجرب.. ممنوع الاقتراب.. ممنوع التصوير.!
الخيبة أننى كنت أسمع خارج الحجرة صخب تصرفات العائلة الكريمة.. زوجتى وبناتها.. وكأن حدثا جللا لم يحدث.. يضحكن ويسمعن الموسيقى ويشاهدن التليفزيون.. ويستقبلن الأصدقاء والجيران.. ويبدو أن غزالة زوجتى كانت زائفة لأنها رفعت صوتها السوبرانو بالغناء الفرايحى..
حاجة غريبة يا أخى.. وزوجتى التى كانت تنام من المغرب.. صارت تشاهد برامج التليفزيون كلها.
وهى التى لا تحب الطبيخ.. صارت تطبخ فى اليوم الواحد.. لحما وفراخا وسلاطة وكنافة وتشترى فاكهة أيضا.. من فلوسى ومرتبى المتواضع.!
ولأننى زوج حمش.. لا يعجبنى الحال المائل.. فقد قررت أن أعيد الأمور إلى نصابها.. فتحاملت على نفسى.. وغادرت السرير لأصحح الأوضاع.. وأعيد الانضباط المفقود إلى العائلة المنفلتة.. التى لا تراعى الأصول.. ولا تعرف العيب.. والتى لم تقف حزنا على قدم واحدة.. مشاركة لكبير العائلة فى مرضه الطارئ.
تحركت خطوة واحدة.. فدارت بى الدنيا.. ووقعت من طولى.. نخ الجمل.. وانهار الجبل.. وسقط عمود الخيمة.. ولا حول ولا قوة إلا بالله.!!