الخميس 2 مايو 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري

من القاهرة.. هنا دمشق

من القاهرة.. هنا دمشق
من القاهرة.. هنا دمشق


بحكم حدودها مع الكيان الإسرائيلى فهى طرف فى صراع وجودى، وبحكم موقعها الجغرافى وامتداد ساحلها على البحر المتوسط فهى مركز استراتيجى ومطمع للقوى الإقليمية والدولية، وبحكم اتصالها بشبه الجزيرة العربية حيث موارد النفط فهى تحت بصر المصالح الغربية والأمريكية.. وبحكم التاريخ والجغرافيا فهى أحد أهم أركان الأمن القومى المصرى.

التاريخ يثبت أن القاهرة تتألم إذا نزفت دمشق، وتبكى دمشق إذا جُرحت القاهرة..شاركنا بعضنا فى السراء والضراء، واختلطت الدماء عبر كل الحروب وأثناء انتصار أكتوبر العظيم 1973، وفى كل أوقات المِحن سمعنا من سوريا «هنا القاهرة»، وفى كل أوقات الشدائد سمعنا من القاهرة «هنا دمشق».. أما الجغرافيا فتؤكد أن الشام هو الأمن القومى الشمالى لمصر، فلسطين وسوريا والأردن ولبنان، هى حدود مصر الشمالية.. أدرك ذلك ملوك الفراعنة فقاموا بتأمينها وظل ذلك النهج مرورًا بالفتوحات الإسلامية، وصلاح الدين ومحمد على حتى توحيد عبدالناصر لمصر وسوريا فى «الجمهورية العربية المتحدة»، فى 22 فبراير من العام 1958.
ووفقًا لمفهوم الأمن القومى الذى يشير فى أشهر تعريفاته إلى «القدرة التى تتمكن بها الدولة من تأمين منظومة قوتها الشاملة فى الداخل والخارج لمواجهة الأخطار التى تهددها فى شتى المجالات، وفى حالة الحرب والسلم على حدٍّ سواء»، فإن سوريا التى يحل بعد أيام ذكرى وحدتها مع مصر، قد اكتسبت رؤية استراتيجية فى العقل المصرى، خاصة إذا كان لديك على رأس السلطة قائد يدرك بشكل جيد حجم المصالح المصرية وأبعادها وطبيعة دور مصر فى محيطها العربى والإقليمى.
 من الوحدة إلى الانفصال
فى 22 فبراير 1958 وقّع الرئيس الراحل جمال عبدالناصر مع الرئيس السورى شكرى القواتلى ميثاق الجمهورية العربية المتحدة، وتم اختيار عبدالناصر رئيسًا والقاهرة عاصمة للجمهورية الجديدة، وفى عام 1960 تم توحيد برلمانى البلدين بمجلس الأمة بالقاهرة، وألغيت الوزارات الإقليمية لصالح وزارة موحدة فى القاهرة أيضًا، واتفقت مصر وسوريا على إنشاء قيادة عسكرية موحدة يكون مركزها فى دمشق.
وكشفت الوحدة بين سوريا ومصر وقيام الجمهورية العربية المتحدة عن جوهر مشروع عبدالناصر الساعى لتحقيق الوحدة العربية، وكشفت فى ذات الوقت عن أعداء هذا المشروع، حيث لعبت المخابرات الأمريكية بالتعاون مع نظيرتها البريطانية والإسرائيلية دورًا فى ضرب تلك الوحدة، حيث اعتبرت الدول الثلاث أن وجود السيطرة على مسارات نقل بترول الشرق الأوسط إلى أوروبا سواء عن طريق قناة السويس، أو عن طريق أنابيب البترول المتجهة إلى البحر الأبيض عبر الأراضى السورية تحت السيطرة الفعلية للقاهرة، يعرض المصالح الأمريكية فى المنطقة لخطر أكيد، كما أن ذلك يجعل الجمهورية العربية المتحدة فى وضع يمكنها من ممارسة ضغط على الولايات المتحدة وغيرها من القوى الغربية، وهذا الاحتمال يمكن أن يتحول إلى سلاح مخيف فى يد الرئيس عبدالناصر.
جاء يوم 28 سبتمبر عام 1961، عندما قامت مجموعة من الضباط السوريين بقيادة المقدم عبدالكريم النحلاوى، وبمؤازرة من رجال الأعمال السوريين الساخطين بسبب قرارات التأميم، بانقلاب عسكرى.
غادر عبدالحكيم عامر نائب الرئيس لشئون الدفاع والقوات المسلحة دمشق بعد ظهر يوم الانقلاب إلى القاهرة، وكان صلاح البيطار وأكرم الحورانى أعلنا تأييدهما للانفصال وكانا من بين السياسيين السوريين الموقعين على الوثيقة الانفصالية فى 2 أكتوبر 1961.
ورفض ناصر إطلاق النار على الشعب السورى وقت الانفصال وأمر الطائرات المصرية المحملة بالقوات بالعودة من اللاذقية دون الهبوط والاشتباك مع قوات الانفصال بالرغم من أن القوات الوحدوية فى اللاذقية كانت مازالت مع الوحدة. فالدم العربى لا يريق دمًا عربيًا.
 أمن مصر القومي
عقب أحداث 25 يناير 2011 بلغت الخطورة على الأمن القومى المصرى ذروتها، حين نجح تنظيم الإخوان المسلمين فى السطو على السلطة وإعادة هندسة علاقات مصر العربية والإقليمية فانتعشت أحلام الخلافة العثمانية الأردوغانية، وعاد الحديث عن إنهاء القضية الفلسطينية بترحيل الفلسطينيين خارج بلادهم، وتفكيك الدولة الوطنية فى ليبيا، وسوريا، وتغيير الخريطة السياسية للمنطقة على أساس دينى ومذهبى وطائفى.
ولعل ذلك ما يفسر الفرق الكبير بين موقف كل من مندوب تنظيم الإخوان فى قصر الاتحادية محمد مرسى، وبين الرئيس عبدالفتاح السيسى من الأزمة السورية، مرسى أراد أن يفكك الدولة السورية، لإضعاف مصر لمصلحة مخطط تفكيكى أكبر، بينما الرئيس السيسى يبذل قصارى جهده للحفاظ على بقاء الدولة السورية متماسكة موحدة، حماية للأمن القومى المصرى بالأساس والعربى أيضًا، فأى حاكم وطنى مخلص لمصر يدرك أن لمصر مصلحة أصيلة فى الحفاظ على وحدة وبقاء الدولة السورية، كما لها ذات المصلحة فى ليبيا، واليمن، وكل قطر عربى يتعرض لمؤامرة التقسيم وتهديد بقاء الدولة.
ولذلك حفلت عضوية مصر غير الدائمة بمجلس الأمن الدولى، وعلى مدى عامين بالعديد من الإنجازات التى جسدت مواقف مصر الثابتة وبالرغم من التحديات الصعبة خلال هذين العامين - (2016 – 2017) إلا أنه فيما يخص سوريا، سعت مصر إلى تأييد كافة الجهود الهادفة إلى وقف مأساة الشعب السورى، ووضع نهاية للإرهاب والعنف فى البلاد، والذى أدى إلى مقتل ونزوح الآلاف من أبناء الشعب السورى الشقيق، إذ نجحت الدبلوماسية المصرية فى تمرير قرار يمدد العمل بالقرار 2165 المعنى بإيصال المساعدات العابرة للحدود إلى سوريا، وبما يتسق مع الاهتمام المصرى الثابت والدائم بالتجاوب مع الاحتياجات الإنسانية للشعب السورى الشقيق، خاصة فى ضوء نجاح الوساطة المصرية أكثر من مرة خلال الفترة الأخيرة فى إدخال المساعدات الإنسانية إلى سوريا، فضلًا عن دورها فى دعم وتوسيع نطاق مناطق خفض التوتر فى سوريا.
وبرعاية مصرية وضمانة روسية، وقع يوم الاثنين 16 يوليو 2018، فى القاهرة، عدد من فصائل المعارضة السورية المسلحة فى الساحل السورى، على اتفاق لوقف إطلاق النار، وشمل الاتفاق المشاركة فى جهود مكافحة الإرهاب والعمل على تسوية سياسة للأزمة السورية وعودة اللاجئين والنازحين لمناطقهم والإفراج عن المعتقلين.
ووقعت الفصائل المسلحة فى ريف حمص الشمالى، وعلى رأسها جيش التوحيد، على اتفاق مماثل للانضمام لجهود مكافحة الإرهاب فى سوريا، وإنشاء قوى لحفظ الأمن والسلام فى المنطقة. ووجه قادة الفصائل المشاركة فى اجتماعات القاهرة، الشكر إلى الرئيس عبدالفتاح السيسى، للجهود التى تبذلها مصر لحل الأزمة السورية، ورفع المعاناة عن أبناء الشعب السورى.
لقد بدا للجميع إن مصر تقوم بدور كبير فى الوصول إلى تسوية للأزمة السورية من خلال حماية مؤسسات الدولة وتسليم الأسلحة من الجماعات الإرهابية للدولة السورية. كما أن مصر تعد طرفًا مقبولًا من جانب طرفى الصراع فى سوريا، خاصة أن القاهرة لا أطماع لها أو مصالح خاصة، وتهدف إلى الحل السياسى السلمى لصالح الدولة السورية.