الأربعاء 1 مايو 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري

«يادوب الاسم متغير»

«يادوب الاسم متغير»
«يادوب الاسم متغير»


كتبت: أمانى أسامة
وبحتاجلك وتحتاجلى.. ما بينا ألف حلقة وصل
وبشبهلك وتشبهلى.. فى حب الخير وطيبة الأصل
مليش غيرك أكيد لكن.. محدش فينا مختار حد
أنا وأنت حكاية ناس.. مقاسمين الحياة مع بعض
وكأن الشاعر نصر الدين ناجى كان يصف بدقة تلك الحالة الإنسانية النادرة وهو يكتب كلمات أغنيته الشهيرة. فى مارس من العام 2011، تجمع عدد من الشباب بقطاع غزة، تحديًدا شارع النزاز، بالقرب من شركة الألبان، للعب الكرة والاستمتاع بوقتهم بعض الشىء، لكن القدر لم يكن حليفهم هذا اليوم، فبغدر معتاد من جيش الاحتلال الإسرائيلى، فوجئ الشباب وسكان المنطقة بقصف إسرائيلى من جميع الجهات، ففر الجميع هاربين، وكان من بينهم عدلى  أبوحسن، الشاب ذو العشرين عامًا تقريبًا حينها، والذى أُصيب إصابة طفيفة بسبب القصف وفر هاربًا لأحد الأراضى الزراعية، ومع تكرر القصف، أُصيبت قدمه هى الأخرى، حتى فقد الوعى تمامًا.
عثر الأهالى على جثة الشاب العشرينى ملقاة على الأرض، وتجاوب الجميع مع فكرة وفاة الشاب، وبالفعل تم وضعه بثلاجة ضمن عداد الموتى، حصيلة القصف على شارع النزاز، لكن مع اقتراب والد «عدلى»، من جثة صغيره، وجد به رعشة طفيفة وحركة، فأيقن أن ابنه على قيد الحياة، وأمر فورًا باستخراج جثته، وبعد الفحص، فاق «عدلى» من غيبوبته، مبتور القدم إثر سقوط القذيفة عليها، وكانت فداءً لروحه.
قبل الواقعة بخمسة أشهر تقريبًا، عطل كبير، أصاب سيارة والد «عدلى»، الذى كان يعمل بمحل لبيع الملابس الحريمى بقطاع غزة فى فلسطين، فذهب لإصلاحها بأحد محال المنطقة، وهناك قابل منصور أبو تيسير، الكهربائى،والمسئول وقتها عن إصلاح السيارة، لم يمكثا دقائق من الحديث حتى أصبحا على قدر بسيط من المعرفة والصداقة المحدودة، وبعد أن علم «منصور» بإصابة صديقه الجديد بمارس 2011، عزم على الفور على زيارته، وتقديم واجب زيارة المريض، وتشجيعه على المكوث فى وجه الظروف الجديدة بحياته، لكنه لم يكن يعلم أن القدر يخبئ له شيئا لا يختلف كثيرًا عما أصاب صديقه.
بعد الزيارة بحوالى 5 شهور، كان «منصور» كهربائى غزة جالسًا كالمعتاد بمنزله بصحبة والدته، شاعرًا بأن شيئا غريبًا سيحدث، لا يعلم إن كان خيرًا أم غير ذلك، لكن الإحساس كان يزداد شيئًا فشىء، فطلب العفو من أميرته التى أنجبته للحياة وانصرف ليمارس عمله كالمعتاد، بعد ساعات قليلة، وصل خبر وفاة «منصور» لأمه، والتى رفضت تصديق الخبر، وبالفعل صدق قلبها وكذب الجميع، كان نجلها فقط بغيبوبة، وفاق على جملة طبيبه «قدمك سبقتك إلى الجنة»، وعلم عندها أن مصيره بات قرين مصير صديق الخمسة شهور الماضية.
«ساقى المبتور أصبح يسير بجانبى»، جملة بسيطة، تصف العلاقة التى توطدت بعد الحادث الثانى بغزة، فطبيعة الإصابة المشابهة خلقت علاقة لا يمكن أن تنكسر، بين منصور 26 عامًا، وعدلى 27 عامًا، بعد خروج «منصور» من المستشفى عقب حادثه، ذهب عدلى ليؤازره بمنزله، واصطحب معه الزوج الآخر من حذائه الجديد، ليرتديه صديق الإصابة والرحلة الجديد، ومن هنا، بدأ الرفيقان دعم بعضهما البعض لتقبل فكرة حياتهما الجديد جنبًا إلى جنب، وبدءا اقتسام كل شىء بالحياة سويًا، بالإضافة إلى تقوية أجسامهما رياضيًا، حتى سافر «عدلى» الأردن لقضاء بعض الأعمال، وجاء موعد زوج قرينه، والذى رفض إقامة حفل الزفاف دون المسافر، فعاد «عدلى» بصحبة «بدلة الزفاف» الخاصة برفيقه وأقام الحفل بالفعل، وحظى كل من الشابين بأسرة بسيطة أصبحوا لا يفترقون حتى الموت.
لا يعكر صفو حياة الشابين،  إلا بعض الأزمات التى تواجههما، فبالنسبة لعدلى،حلمه الأول الذى يسعى لتحقيقه، هو التمكن من تركيب طرف صناعى،ليتمكن من السير وحمل طفلته بين الجميع بفخر واعتزاز، وبالنسبة لمنصور، فبعد القصف، أُصيب إصابة بالغة فى رأسه، تجعله فى حاجة لعملية جراحية لا يمكن تنفيذها إلا خارج فلسطين، وهو الأمل الذى يعيش عليه، حيث يأمل أن يساعده فاعلو الخير على السفر لإجراء عملية رأسه، وعيش حياة طبيعية، دون قلق أو مرض.