الثلاثاء 30 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري

المسكوت عنه فى لقاء ماكرون والبابا

المسكوت عنه فى لقاء ماكرون والبابا
المسكوت عنه فى لقاء ماكرون والبابا


انتهت زيارة الرئيس الفرنسى إيمانويل ماكرون لمصر، لكن تداعياتها لم تنتهِ بعد، تلك الزيارة التى بدا من الواضح من تفاصيلها أن الرئيس الفرنسى جاء يحمل أهدافا معينة يسعى لتحقيقها بأى شكل كان، ظهر هذا جليا فى لقائه بالبابا تواضروس الثانى، بابا الإسكندرية وبطريرك الكرازة المرقسية، حيث سعى ماكرون لانتزاع تصريح واضح أو خفى أو حتى إشارة ولو من بعيد عن وجود اضطهاد أو تمييز ضد الأقباط فى مصر.

تقمص الرئيس الفرنسى دور الصحفى وأخذ يوجه أسئلة مباشرة وغير مباشرة لبابا الإسكندرية حول كيفية المساعدات التى من الممكن أن تقدمها فرنسا لأقباط مصر لمواجهة التمييز أو الاضطهاد الموجه لهم، ولكن البابا كجميع بطاركة مصر الذين رفضوا التدخل الأجنبى بكل صوره كان يجيب على الرئيس الفرنسى بمنتهى الهدوء والابتسامة لا تفارق وجهه قائلا: «لا نعانى من التمييز، بل لا يستطيع أحد أن يفرق بين ملامحنا».
وجه البابا تواضروس الرئيس الفرنسى لكيفية تقديم المساعدة الحقيقية للمصريين، ألا وهى عن طريق التعليم والثقافة وهو الشىء الذى دائما ما يؤكد عليه بابا الكرازة المرقسية فى كثير من لقاءاته وحواراته عن مدى احتياج المجتمع المصرى لتعليم جيد ونشر وعى وثقافة مختلفة حتى نقضى على كل أشكال التطرف.
رغم انتهاء اللقاء مع البابا دون الوصول إلى نتيجة يبدو أنها كانت محددة مسبقا، فإنه كان من الواضح أن هناك إصرارا فرنسيا على تصدير مشهد معاناة الأقباط للعالم كله، متغافلا عن عمد ما تعانيه فرنسا تحديدا من هجمات إرهابية تقتل الفرنسيين على أساس الدين، فبعد انتهاء اللقاء تعمدت الصفحة الرسمية لقصر الإليزيه على تويتر نشر صورتين لا ثالث لهما عن لقاء الرئيس بالبابا تواضروس، الأولى منهما ليد ماكرون وهى تتلمس آثار الهجمة الإرهابية على الكنيسة البطرسية ويبدو على وجهه التأثر والوجع رغم مرور عامين كاملين على الحادث، والأغرب أنه خلال هذين العامين لم يظهر ذلك التأثر على وجه ماكرون خلال أى حادث فرنسى.
الصورة الثانية ظهر فيها ماكرون وهو يسلم على البابا تواضروس أثناء استقباله، ولكن يتضح أن هناك من غيَّر فى درجة إضاءة الصورة ليظهر فيها وجهاهما فقط لإضفاء لمحة من الحزن على أجواء الصورة كما لو أن هناك تعمدا لإخفاء مظهر المقر البابوى.
إن الصورة المستخدمة تم استخدامها فى أكثر من موقع خبرى، لكن كما هى، ومن النظرة الأولى سيرى القارئ والمتابع الفرق الواضح بين الاثنتين، كما أن رسالة البابا مع ماكرون لم تختلف كثيرا عن تصريحاته المعتادة فى مقابلاته الرسمية مع رؤساء الدول الغربية تحديدا أو المسئولين المعنيين بملف حقوق الإنسان العالمى.
تصريحات البابا تواضروس التى تنطلق من أرضية وطنية لم تكن الأولى من نوعها، واللافت أن هذا النوع من التصريحات من جانب رأس الكنيسة دائما ما تثار حولها الزوابع، وكانت أشهرها على الإطلاق تصريحاته مع رئيسة الوزراء الألمانية «أنجيلا ميركل» حين التقته بالكاتدرائية المرقسية بالعباسية  فى مارس 2017 حينما أكد البابا أن أوضاع المسيحيين فى مصر شهدت تحسنا كبيرا بعد ثورة 30 يونيو 2013.
وأضاف البابا خلال لقائه بميركل قائلا: «إننا نعيش، مسيحيين ومسلمين، فى مودة ومحبة وعلاقات اجتماعية مشتركة ولنا تاريخ مشترك من التفاهم والتعاون من الفرح والألم من السعادة والضيق»، بل أيضا طلب البابا من المستشارة الألمانية الاهتمام بمنظومة التعليم فى مصر حينما قال: «نحن واثقون فى الله الذى يبارك بلادنا.. واثقون فى قدرة القيادات السياسية والاجتماعية والتشريعية فى بلادنا، واثقون فى علاقات المحبة التى تجمعنا كمصريين، واثقون أن مساندة بلادكم العظيمة ألمانيا فى كافة المجالات الاقتصادية والثقافية والتعليمية والاجتماعية والفنية سوف تساعد على مزيد من الاستقرار فى منطقة الشرق الأوسط وحوض البحر الأبيض المتوسط، إن لألمانيا تاريخا طويلا فى التعاون مع مصر تقديرًا لأهمية دورها فى التاريخ الإنسانى، وعلى سبيل المثال التعاون فى المجال التعليمى والثقافى».
كان لتصريحات البابا تواضروس مع المستشارة الألمانية آثار كبيرة على أقباط المهجر، حيث تم رفض العديد من قضايا اللجوء الدينى وعادت عائلات قبطية بأكملها لمصر، وذلك بعد تأكيد البابا أنه لا اضطهاد للأقباط فى مصر حينما قال لميركل: «إنه مع ثورة 30 يونيو 2013 التى قام بها الشعب المصرى مسلمين ومسيحيين، وحماها الجيش المصرى، ومع وجود دستور جديد، وانتخاب الرئيس عبدالفتاح السيسى، وتأسيس البرلمان الجديد، وانطلاق مصر نحو المستقبل بخطوات ثابتة ومشروعات عملاقة، ظهرت ملامح جيدة على تحسن الوضع المسيحى المصرى».
واستدل البطريرك وقتها على تحسن ببعض المؤشرات، منها: إقرار أول قانون لبناء الكنائس فى مصر، وانتخاب 39 عضوًا مسيحيًّا بالبرلمان مقارنة بعضو واحد سابقًا، ومثل زيارات السيد الرئيس للكاتدرائية ليلة الكريسماس حسب التقويم الشرقى، ومثل اهتمام الدولة بتعمير إصلاح الكنائس التى أحرقت ودمرت فى أحداث أغسطس 2014 م؛ وقال: «هذه هى المعطيات حاليا، لكن ما زال فى الطريق خطوات أخرى تعبر عن المواطنة الكاملة وعدم التمييز والمساواة، إننا جميعًا كمصريين مسلمين ومسيحيين نعمل على بناء مصر الحديثة.. ومصر المستقبل؛ حقًا إننا نعانى جميعًا من هجمات الإرهاب والعنف التى تعرقل مسيرتنا، ولكنها لا توقف تقدمنا، وإصرارنا على أن تحيا مصر فى أفضل صورة».
هذه التصريحات أثارت عديدا من المشاكل وزادت من حدة الهجوم على البابا، لأنها قضت على مصالح بعض المحامين الذين يتاجرون بالقضية القبطية ويتكسبون من قضايا اللجوء الدينى لهم إلا أن مواقف البابا لم تتغير، ففى عام 2018  أكد للرئيس البرتغالى مارسيليو دى سوزا على تحسن أوضاع الأقباط تحت قيادة الرئيس السيسى للبلاد، وذلك أثناء زيارته للكاتدرائية المرقسية بالعباسية، وأكد البابا على اهتمام الرئيس بمبدأ المساواة وتطبيق الدستور، معددا مظاهر ذلك عبر التواجد القبطى الكبير فى مجلس النواب، وافتتاح كاتدرائية ميلاد المسيح بالعاصمة الإدارية الجديدة.
نفس الرسالة أعلنها البابا خلال لقائه مع رئيس الوزراء الإيطالى الذى التقى به خلال العام الماضى هنا فى مصر، ومن قبله الرئيس الروسى بوتين والبابا فرنسيس بابا الفاتيكان، والسؤال الآن: لماذا هذا الإصرار من قبل ماكرون على تصدير مشهد التمييز ضد الأقباط فى مصر؟
وهل زيارة ماكرون لها علاقة من بعيد أو قريب بما حدث مؤخرا بالمنيا؛ إن وضعنا فى اعتبارنا أن أغلب الحوادث الطائفية فى المنيا لا تحدث إلا فى توقيتات تتعلق بمناقشة ملف الأقباط دوليا، خاصة  قبل زيارة الرئيس للولايات المتحدة.
أن ما يعلنه البابا تواضروس دائما ما هو إلا امتداد طبيعى لمدرسة الوطنية المصرية الحقيقية بالكنيسة القبطية؛ وهذه اللغة لن تختلف باختلاف البطريرك، فالكنيسة المصرية لغتها واحدة على مر تاريخها. يبقى الآن أن نعرف ماذا يريد حفيد نابليون من أحفاد الفراعنة.