الجمعة 3 مايو 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري

رسائل الحرية

رسائل الحرية
رسائل الحرية


«أنا مضطر إلى حمل إنجيل الحرية خارج مدينتى،على غرار بولس الرسول.. يجب أن أرد باستمرار على النداء المقدونى لتقديم المساعدة». كانت هذه الكلمات، هى إيمان «الحرية» الذى اتبعه المناضل «مارتن لوثر كينج»، وضمن جمل كثيرة قوية، كتبها من داخل السجون فى خطاب إلى قساوسة من العرق الأبيض، هاجموا مسيرته المطالبة بالحرية، وعدم التفرقة، تجاه أصحاب البشرة السوداء.
الخطاب الذى جاء فى 7 آلاف كلمة، نُشرت أجزاء متفرقة منه حينها، فى عدد من الصحف، والمجلات الأمريكية، وعلى رأسها صحيفة «نيويورك بوست»، ومجلة «لايبراشن»، و«ذا نيو ليدر»، و«ذا كريستيان سنشرى»، وتم نشر الخطاب كاملًا الأسبوع الماضى، بمناسبة مرور 90 عامًا على ميلاد «لوثر كينج».
«لوثر كينج»، الحاصل على بكالوريوس فى «اللاهوت» عام 1951، ثم الدكتوراه فى التخصص نفسه بعدها بأربعة أعوام، وتم تكليفه ليصبح قسيسًا لكنيسة «دكستر آفينيو المعمدانية» فى مدينة مونتجمرى، بولاية ألاباما، يعد أصغر من حصل على جائزة نوبل للسلام، وأسس منظمة «اتحاد القيادة المسيحية الجنوبية» (SCLC)، التى كانت تطالب بالحقوق المدنية للأفارقة الأمريكيين ومساواتهم مع البيض، واستمر رئيسًا لها حتى تم اغتياله فى 4 أبريل 1968، عن عمر 39 عامًا فقط.
فى أبريل 1963، سُجن «لوثر كينج» فى برمنجهام، بولاية ألاباما، بعد أن تحدّى أمر محكمة الولاية، ونظم مسيرة لمتظاهرى البشرة السوداء دون تصريح، وحثهم على مقاطعة المتاجر التى يملكها أصحاب البشرة البيضاء فى عيد الفصح، وبعدها انتقده ثمانية من رجال الدين ونشروا بيانًا فى جريدة «برمنجهام نيوز»، ورد «لوثر» على البيان بخطاب طويل، قام محاميه الخاص بتهريبه من داخل السجن، وهو الخطاب الذى أنهيت بعده القوانين الظالمة، وأصبح وثيقة تاريخية لحركات الحقوق المدنية، وكان يتمحور حول فكرتي: «البناء، وعدم العنف».
>ننشر أهم نقاط نص الرسالة
أوضح «كينج» فى بداية خطابه، لماذا اهتم بما صرح به القساوسة، معرفًا بنفسه وجماعته، فكتب: «أعزائى زملائى رجال الدين بينما أقبع فى سجن برمنجهام، وصلتنى تصريحاتكم عن أنشطتى الحالية، بأنها «غير حكيمة، وفى غير وقتها». ونادرًا ما أتوقف عند تصريحات أجيب فيها على انتقاد أعمالى وأفكارى،لأنه إذا سعيت للإجابة عن جميع الانتقادات التى تصلنى، فلن يكون هناك وقت لمساعدينى غير الرد على المراسلات على مدار اليوم، ولن يكون لدىّ وقت للعمل على البناء، لكن بما أننى أشعر بأنكم رجال ذوو إرادة حسنة، وأن انتقاداتكم واضحة، أريد أن أحاول الإجابة عن بيانكم».
وأضاف: قبل أن أشرح لكم العديد من الأشياء، من الضرورى أن أشير إلى سر وجودى فى برمنجهام، أولًا، يشرفنى أن أشغل منصب رئيس «اتحاد القيادة المسيحية الجنوبية»، ولدينا 85 منظمة فى جميع أنحاء الجنوب الأمريكى، وواحدة منها هى حركة «ألاباما المسيحية لحقوق الإنسان»، وقبل عدة أشهر طُلب منا، أن نكون على أهبة الاستعداد للمشاركة فى برنامج عمل مباشر غير عنيف، ووافقنا وتمكنا من الوفاء بوعدنا، لذلك أنا، إلى جانب العديد من أعضاء هيئة التدريس، هنا (فى برمنجهام)، ثانيًا، سبب وجودى الأساسى فى المدينة، هو الظلم الموجود داخلها.. وضعى كوضع أنبياء القرن الثامن قبل الميلاد، تركوا بلادهم، وحملوا «أقوال الرب» إلى أبعد من حدود بلادهم. ويجب أن أرد باستمرار على النداء المقدونى لتقديم المساعدة. لأن الظلم فى أى مكان، هو تهديد للعدالة فى كل مكان»، «بيانكم لا يحتوى على قلق مماثل للظروف، أو الأسباب التى أدت إلى نشوب المظاهرات، والمؤسف، أن هيكل السلطة «البيضاء» فى المدينة، ترك المجتمع الزنجى دون حل بديل».
> أسباب المظاهرات
كشف «كينج» فى خطابه بعض الأسباب التى أدت لقيام المظاهرات، فكتب: «من المستحيل نفى حقيقة وجود ظلم عنصرى يجتاح المدينة، فهى الأكثر عنصرية فى الولايات المتحدة، ومن المعروف على نطاق واسع السجل القبيح من الوحشية، الذى واجهه أصحاب البشرة السوداء من المعاملة غير العادلة بشكل صارخ فى المحاكم، إلى جانب مشاكل ضخمة داخل كل بيت وكنيسة كل منهم فى المدينة، مما اضطرهم إلى السعى للتفاوض مع قساوسة المدينة، لكنهم رفضوا باستمرار الدخول فى مفاوضات.. وفى سبتمبر الماضى، أتيحت الفرصة للتحدث مع قادة المجتمع الاقتصادى فى (برمنجهام)، وتم تقديم بعض الوعود من قبل التجار، لإزالة العلامات العنصرية المهينة من المتاجر، وعلى أساس الوعود، وافق الكاهن «فريد شاتلزوورث»، وقادة حركة «ألاباما المسيحية لحقوق الإنسان» على وقف الاحتجاجات، ولكن بعد مرور أسابيع، أدركنا أننا كنا ضحايا وعد خاسر، فقد أزالت بضع علامات تجارية عنصريتها لفترة وجيزة، ثم عادت، وهى مجرد قضية واحدة بجانب عدد من القضايا، التى خاب أملنا فيها، لذلك، فإننا سنقدم أجسادنا كوسيلة لوضع قضيتنا أمام ضمير المجتمع المحلى والوطنى».
واستطرد: «وعليه، بدأنا سلسلة من ورش العمل حول اللاعنف، وسألنا أنفسنا «هل نحن قادرون على قبول الضربات دون الانتقام؟»، «هل نحن قادرون على تحمل محنة السجن؟». وقررنا أن نحدد برنامج عملنا المباشر فى عيد الفصح، لأنها فترة التسوق الرئيسية لهذا العام، وأن  الانسحاب الاقتصادى القوى سيؤدى لنتيجة مباشرة، وسيكون أفضل وقت للضغط على التجار من أجل التغيير المطلوب، إن الغرض من برنامجنا المباشر، هو خلق موقف مزدحم بالأزمات، بحيث يفتح بابًا للتفاوض».
> الرد على رجال الدين
تضمن خطاب «لوثر» الرد باستفاضة عن جميع النقاط، التى وردت فى بيان رجال الدين، بشأن المظاهرات: فكتب: «أما فيما يخص إحدى النقاط الأساسية فى بيانكم، بأن الوقت غير مناسب، وسؤال بعض منكم لماذا لم تعطوا وقتًا لإدارة المدينة الجديدة للتصرف؟، فإن الإجابة هى أنه من الخطأ الاعتقاد، بأن انتخاب آلبرت بوتويل كعمدة للمدينة، والذى هو أكثر نعومة من سابقه الأكثر وحشية، سوف يحل الأزمة، وذلك لأن كليهما نشأ من رحم التفرقة العنصرية.. منذ سنوات سمعت كلمة «انتظر!». و «انتظر» معناها -فى المقابل- «أبدًا»، فإن «العدالة التى تأخرت طويلًا، هى إنكار العدالة.. آمل أن تكونوا قادرين على رؤية التمييز، الذى أحاول أن أشير إليه، وأنا لا أتهرب، ولا أتحدى القانون».
وأكمل: «فى بيانكم تؤكدون على أن أفعالنا، رغم كونها سلمية، فإنها يجب إدانتها، لأنها تسبب العنف، وهل هذا كلام منطقي؟!. أليس مثل إدانة رجل مظلوم تمت سرقته، بسبب حيازته للمال، الذى عجل بالعمل الشرير للسرقة؟!. يجب أن نرى أنه من الخطأ، حث الفرد للتوقف عن جهوده للحصول على حقوقه الدستورية الأساسية، لأنه قد يعجل بالعنف، يجب على المجتمع الأمريكى حماية المسروق، ومعاقبة السارق».
بالمناسبة، تلقيت للتو رسالة من عزيز أبيض فى تكساس، كتب فيها: «يعرف جميع المسيحيين أن الأشخاص الملونين سيحصلون على حقوق متساوية فى نهاية المطاف، لكنكم على عجلة كبيرة جدًا، فيجب أن تعرفوا أن المسيحية استغرقت ما يقرب من ألف سنة لتحقيق ما لديها، وأوضح لكم أن موقفه هذا، ينبع من سوء فهم لفكرة الوقت، الذى يمكن أن يستخدمه الأشخاص السيئون لصالحهم، أكثر من ذوى النوايا الحسنة، لذلك، (الآن) هو الوقت المناسب لتحقيق وعد الديمقراطية، لأنه -فى المقابل- إذا رفض المعتدلون أصحاب البشرة البيضاء دعم جهودنا اللاعنفية، فإن ملايين الزنوج سيخرجون نتيجة الاستياء المكبوت، والإحباط الكامن، إلى شوارع الجنوب الأمريكى، وأنا متأكد أنها ستمتلئ بالدماء، وهذا ليس تهديدًا ولكن حقيقة تاريخية، وهو ما جعلنى أرفض أن أقول لشعبي: «تخلص من استيائك». ولكن حاولت أن أقول، إن: «هذا الاستياء الطبيعى،يمكن توجيهه إلى تنفيذ إبداعى للعمل المباشر اللاعنفى» ، وها أنتم الآن تصفوا هذا النهج بأنه متطرف!. لم يكن «المسيح» متطرفًا من أجل الحب، ولم يكن «عاموس» متطرفًا من أجل العدالة».
> خيبة الأمل
لم يخل خطاب لوثر كينج من مشاعر خيبة الأمل من تحقيق العدالة لأصحاب البشرة السوداء، فكتب: يجب أن أقول اعترافًا صادقًا، وهو أننى شعرت بخيبة أمل شديدة خلال السنوات القليلة الماضية من شخصية المعتدل الأبيض، توصلت إلى نتيجة مؤسفة، مفادها أن حجر العثرة الكبير، الذى يواجهه الأسود فى خطواته نحو الحرية، ليس هو مجلس مواطنى الولايات المتحدة البيض، أو منظمة كو كلوكس كلان، - منظمتان من من دوائر وحركات تعصب متطرفة للجنس الأبيض-، إنما شخصية المعتدل الأبيض، الذين يفضلون السلام السلبى،وهو ما يعنى غياب التوتر، عن السلام الإيجابى،وهو وجود العدالة، من هم يعتقدون من «الناحية الأبوية»، أن يمكنهم تحديد «جدول زمنى» لحرية رجل آخر.
واسمحوا لى أن أحيطكم علمًا بخيبة الأمل الرئيسية، لقد شعرت بإحباط من الكنيسة البيضاء وقيادتها، وأنا لا أقول هذا كواحد من هؤلاء النقاد السلبيين، الذين يبحثون عن أى شىء خاطئ فى الكنيسة. إنما أقولها كوزير للإنجيل، الذى يحب الكنيسة.. وأقول هذا بسبب شعورى قبل بضع سنوات، بأننا سنكون مدعومين من قبل الكنيسة البيضاء، شعرت أن «الكهنة، والحاخامات» فى الجنوب سيكونون من بين أقوى حلفائنا، ولكن كان البعض معارضًا صريحًا، رافضين فهم حركة الحرية، مشوهين قادتها، وكثيرون آخرون كانوا أكثر حذرًا من الشجاعة، وظلوا صامتين وراء النوافذ، جئت إلى برمنجهام على أمل أن القيادة الدينية البيضاء لهذا المجتمع ستشهد عدالة قضيتنا، كنت آمل أن كل واحد منكم سوف يفهم، ولكن مرة أخرى خاب أملى،نتيجة لما سمعته من العديد من الزعماء الدينيين الجنوبيين، الذين يحذرون العباد من الامتثال لقرار إلغاء الفصل العنصرى،وكنت أتوق إلى سماع أصحاب البشرة البيضاء يعلنون: «اتبع هذا المرسوم، لأن التكامل هو صحيح أخلاقيًا، ولأن الزنجى أخيك.. كما سمعت العديد منهم يقول: «هذه قضايا اجتماعية، لا يحمل الإنجيل اهتمامًا حقيقيًا لها».
> رسالة توبيخ
اختتم «لوثر» خطابه الطويل بكلمات أشبه بالصفعات، لكنها كانت من أجل استيفاق رجال الدين، كاتبًا:»آمل أن تواجه الكنيسة ككل تحدى الساعة الحاسمة، ولكن حتى لو لم تأت الكنيسة لمساعدة العدالة، فإننى لا أشعر باليأس من المستقبل، ليس لدىّ أى خوف من نتيجة كفاحنا فى (برمنجهام)، حتى لو كانت دوافعنا أسيئ فهمها فى الوقت الحاضر. سنصل إلى الحرية».
وأخيرًا، لم أكتب من قبل خطابًا طويلًا.. وأؤكد لكم أنه يمكن أن يكون أقصر بكثير، إذا كنت كتبته على مكتب مريح، ولكن ماذا يمكن للمرء القيام به عندما يكون وحده فى زنزانة ضيقة.. آمل أن تكون تلك الرسالة أثقلت من إيمانكم بقضيتنا، وآمل، أن تسمح لى الظروف قريبًا بمقابلة كل واحد منكم، ليس كقائد، أو ريادى فى الحقوق المدنية، بل كرجل دين، وأخ.>