الأحد 5 مايو 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري

«فرانكفورت» التى فى معرض الكتاب

«فرانكفورت» التى فى معرض الكتاب
«فرانكفورت» التى فى معرض الكتاب


 
فى مقرّ جديد، وبحلّة لامعة؛ افتُتحت الثلاثاء الماضي، الدورة الذهبية لمعرض القاهرة الدولى للكتاب. السنة الخمسون لهذه التظاهرة الثقافية المميّزة جدا لمدينة القاهرة انتقلت إلى أجواء جديدة بعيدة - فى القاهرة الجديدة التجمّع الخامس - إلا أنها مختلفة فى الوقت نفسه عن الثوب المعتاد الذى ألفناه عن معرض الكتاب فى مصر.
العشوائية و»الشعبية» التى اختفت؛ لصالح التنظيم والتسهيل والتجهيزات المتقنة فى الإضاءة وخلافه؛ حلّ محلّها كل مفردات «المول التجاري»، من حيث التصميم والتكوين ونوعية الجمهور. حتى صالات الناشرين ومنافذ بيع الكتب ظهرت كجزء من كرنفال المشهد، واستقرّت كأنها «ستورز» لبيع الكتب وسط مول كبير يحوى ستورز أخرى تبيع وتعرض منتجات استهلاكية إلى جانب الكتب. مول من طابق واحد، أرضي، ومقسّم إلى أربع صالات، خُصّصت خارجها ساحات زُوّدت بما يجعلها تتناسب مع الأطفال وتصبح أشبه بمدن ملاهى مصغّرة. ثم أفرع لمعظم ماركات مطاعم التيك أواى «المصرية» تحفّ جنبات صالات العرض؛ اصطفّت لتكوّن «فوود كورت» يماثل تماما مثيله فى أكبر المولات، وتنقل الأجواء ذاتها، من تسابق حول العروض وتقديم المتعة والمرح و«المسابقات» مُعلّبة إلى جانب الطعام. ولن تخطيء عيناك جنبات للجلوس كثيرة ونظيفة على مساحات خضراء ونجيلة وورد تستقبل الزوّار من البوابات.. سلّم كهربائى ينقل إلى مكان الندوات التى انزوت تماما من المشهد، وأخيرا ساحات انتظار السيارات أمام الصالات. كان الإحساس العام بأننا داخل «مول معرض القاهرة للكتاب».
مظاهر التنظيم وسِعة صالات العرض، كانت العلامة المميّزة للأيام الأولى فى المعرض، التى شهدت تردّد أعداد من الزوّار والعائلات لكنها مازالت ملفتة فى نفس الوقت بالقياس إلى بعد المسافة (من ميدان الجيزة كانت وجهتى إلى معرض الكتاب، وفى كل ميادين المدينة تستقبلك الباصات المخصصة لنقل الجمهور إلى معرض الكتاب كل 15 دقيقة تقريبا، ويظل متاحا مدّة من أجل السماح باللحاق به. كانت تجربة الذهاب والعودة من المعرض هذه إحدى التجارب الموفّقة التى اقترنت بقرار نقل المعرض.. سعر زهيد، وقت أسرع للرحلة، وطريق آمن، والأجمل هو الحرص الذى بدى على السائق وتابعه فى التسهيل على الركّاب وإرشادهم. فى مؤشّر عام وطاغٍ؛ نالت التجديدات و«المظهر الراقي» لدورة هذا العام من معرض الكتاب بعد هجرانه أرض المعارض بمدينة نصر، استحسان وترحيب وارتياح أغلب الناشرين المصريين المشاركين فى المعرض.
الأمر الذى يبدو منطقيا لتفسير فرحة الناشر التى بدّدت أى مخاوف من ركود حركة البيع لقلة الروّاد؛ هو أن الناشرين الكبار، الراسخة أسماؤهم وعلاماتهم التجارية، والمعتمدين فى الأغلب على أرباح الشحن لموزّعين فى السوق الخليجية، كانوا متعطّشين لنسخة محدّثة من معرضهم تباهى وتضاهى معارض الكتاب العربية والأجنبية التى يسافرون إليها ويشاركون بها. كان أكثر المؤيّدين بشدة لنقل معرض الكتاب من هذه النوعية من الناشرين، فقد تسمع كثيرا الرأى القائل بأنه «أخيرا أصبح لدينا معرض للكتاب كمعرضى أبو ظبى وفرانكفورت». أما الناشرون الصغار، تجّار الكتب، ومكتبات التوزيع؛ فمعرض الكتاب بالنسبة إليهم هو فرصتهم الوحيدة لجمهور أوسع وأشمل و«شعبي»، افتقدوه، وافتقدهم معرض الكتاب فى شكله الحالي.
البعض ردّد كلاما بأن الاعتراضات ذاتها واجهها المعرض فى الماضى وقت نقله من جزيرة أرض الأوبرا الحالية إلى أرض المعارض بمدينة نصر، ثم ما لبثت السنوات أن تتالت واعتاد الجمهور على المكان الجديد، وأصبحوا يأتون إليه من كل «حدب وصوب» وزاد الإقبال مع توفير الخط الثالث من مترو الأنفاق.
هذا العام من الممكن أن يزداد الإقبال قليلًا  مع انتهاء فترة الامتحانات. لكن التنظيم كما قلنا وبريق المكان الجديد، وساحة معرض كتب الأطفال التى جُهّزت بنجيلة خضراء وطاولات وكراسى نظيفة ولامعة ومدينة ألعاب صغيرة، هى أوّل ما يخطف الأبصار إلى المعرض فى حلّته الجديدة.
لا وجود لسور الأزبكية نهائيا. لا وجود مُعلن لما سُمّى بـ«كراسة شروط الالتحاق» التى كثيرا ما كرّرها اتحاد الناشرين المصريين فى بياناته. اختفت العشوائية من ساحات أرض المعارض الجديدة، وبالتالى اختفت معها الكتب المزوّرة، ومعها لم يعد وجود للكتاب الذى يصل سعره إلى جنيهين وخمسة وعشرة جنيهات. وانزوى بالتالى جمهور سور الأزبكية عن المشهد نهائيا. ارتفعت أسعار الكتب فى الهيئة العامة للكتاب على غير المعتاد، فشريحة العناوين والسلاسل التى كانت تتراوح قديما ما بين عشرة وعشرين إلى خمسين، أصبحت هذا العام تبدأ من الأربعين وتتجاوز الثمانين.
احتفظ جناح، أو لنقل من الآن فصاعدا، «قاعة» أو «زاوية» الثقافة الجماهيرية «هيئة قصور الثقافة» بإقباله المتدفّق والتجمهر حول إصداراته. هذا العام، أتاحت هيئة قصور الثقافة عناوين كثيرة تختص ثورة 1919، تزامنا مع الاحتفال بمائة عام على اندلاعها، من هذه الكتب «عبد الرحمن الرافعى فى أعقاب الثورة المصرية 1919»، و»ثورة مصر 1919 دراسة تاريخية تحليلية». إلى جانب إعادة طبع دانتى «الكوميديا الإلهية» فى ثلاثة أجزاء بسعر زهيد. و»مستقبل الثقافة فى مصر» بتقديم حلمى النمنم، وزير الثقافة السابق، و»تلخيص الإبريز» نسخة جديدة من تقديم جرجس شكرى مسئول النشر والتحرير فى هيئة قصور الثقافة.
فرقة الموسيقى العسكرية، صاحبت جولات الجمهور وجذبته خلال اليوم الأول لاستقباله فى معرض الكتاب، وهو اليوم التالى للافتتاح الرسمى الذى شهده رئيس الجمهورية. الفرقة التى ارتدى بعض أفرادها زيّا فرعونيّا، وتعزف على الدرامز والساكسفون، مزجت موسيقى شرقية كلاسيكية ارتبطت بالوجدان بأخرى عصرية معظمها لأغانى ومسلسلات أطفال. وسط الزائرين تغلغلت مجموعة من شباب وفتيات يروّجون لمذيع راديو درج على إصدار سلاسل روايات رعب للمراهقين والشباب، يرتدون تيشيرتات حمراء مطبوعٌ عليها اسم بطل السلسلة. وعلى الجانب المقابل، احتفظ «ركن الفتوى» بجناح الأزهر بهيئته بل زادت مساحته.
الملفت هو سهولة وانسيابية التنقل بين جنبات الأجنحة أو الزوايا المخصصة لكل دار نشر. ولافتات فى الأعلى تتدلّى من سقف الصالات تدلّ على مكان كل دار. أصبح من السهل التنقل والتعرّف على مكان الناشر، بدلا من التخبّط قديما فى المعرض والاضطرار إلى الابتعاد مسافات لأجل الوصول إلى ناشر أو مكتبة بعينها.