السبت 4 مايو 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري

شبكة صهيونية تهرب «مواد نووية أمريكية» لتل أبيب

شبكة صهيونية تهرب «مواد نووية أمريكية» لتل أبيب
شبكة صهيونية تهرب «مواد نووية أمريكية» لتل أبيب


أعلن فريق من مهندسى الجيش الأمريكى، منذ أسابيع، أنه مستعد لاستئناف عملية تنظيف النفايات السامة، التى تبلغ تكلفتها 500 مليون دولار، من مخزن شركة « The Nuclear Materials and Equipment Corporation»، أو «شركة المواد والمعدات النووية» والمعروفة اختصارًا بـ(NUMEC)، بعد أن تم إيقاف مشروع التنظيف منذ 2011، لاكتشافهم مواد شديدة الخطورة بداخله.

كانت مصانع (NUMEC) فى (أبولو، وتاون شيب) بولاية (بنسلفانيا) قد واجهت قضايا، بشأن الوفيات، والأمراض الجماعية، الناجمة عن التلوث السام فى المنطقة المحيطة بها. وكان أشهر حادث، هو إصابة الطفلة «باتى أمينو» بمرض السرطان، بعدما كانت تلعب قريبًا من مقر الشركة، واستمر علاجها لمدة ثلاثين عامًا.
دراسات «هيئة الطاقة الذرية» ومهندسى الجيش الأمريكى أكدت أن المياه الجوفية البحرية تدفقت فى جميع أنحاء مستودع النفايات، بجانب وجود جُحر كبير نسبيًا، خلق إمكانية تسرب المواد السامة. ويذكر أن مسئولى الشركة فشلوا– أثناء عملية التنظيف الأولى- فى فحص محتويات براميل، تحتوى على 55 جالونًا من النفايات المشعة. ومن جانبه، قال أحد ضباط سلاح المهندسين بالجيش الأمريكى، يدعى «بريان مولوى»، بأن: «لدينا بعض السجلات عما دفن هناك، ولكننا نعرف أن هذه السجلات ليست كاملة».
وبالفعل، كان مجتمع الاستخبارات الأمريكى قد أخفى عددا من السجلات والوثائق، بينما أُتلف البعض الآخر. ولم يُعرف إلا معلومات قليلة جدا عن هذه القضية، فى خلال الأعوام القليلة الماضية. وكانت مجلة «روزاليوسف» قد تطرقت لتلك الجزئية، فى موضوع بعنوان: «أدلة تورط «نتنياهو» فى تهريب مواد ذرية!»، فى عدد (4707)، وكشفنا حينها أن موقع «أرشيف اللوبى الصهيونى» أوضح أن شركة (NUMEC) استلمت رأس مال، دبره مُهرب سابق غامض، مع المخابرات الإسرائيلية. وكشفت التحقيقات التى أجراها مكتب التحقيقات الفيدرالى (FBI)، أن رئيس الشركة «زلمان مردخاى شابيرو»، نظم مع المخابرات الإسرائيلية مشروعًا مشتركا لبرنامج الأسلحة النووية الإسرائيلى. وفى أبريل 1976 كلف المدعى العام «إدوارد ليفى»، مكتب (FBI) بإعادة فتح التحقيق فى قضية «زلمان شابيرو»، وشركة (NUMEC). وكان التكليف، هو الكشف عن أى محاولة، من جانب أى شخص فى الوكالات التنفيذية، لمنع أو عرقلة التحقيق، أو حجب أى معلومات فى تلك القضية. وبالفعل أطلق مكتب التحقيقات الفيدرالى على تحقيقه مُسمى «DIVERT». واستجوب فيه مسئولين رفيعى المستوى من الوكالات الحكومية الأمريكية، وشهود عيان من موظفى شركة (NUMEC).. ولكن حفظت تلك القضية فى 39 تقريرًا يحتوى على آلاف الوثائق.
وفى هذا التقرير ننشر بعض التفاصيل، التى أفرج عنها، بشأن تلك الشركة المشبوهة، وشبكة الجواسيس الأمريكية- الإسرائيلية التى أدارتها، أو تعاملت معها.
الشبكة الصهيونية التي أنشأت الشركة
أنشئت شركة (NUMEC)، وأديرت من خلال «شابيرو»، وهو كيميائى نووى، عرف بأنه ضليع بالهندسة النووية، فيما يخص سلاح البحرية عام 1950. وقد امتلكت الشركة مصنعًا لليورانيوم، يدعى «Apollo Industries»، أو  «أبولو للصناعات» برئاسة كل من: صديقه «ديفيد لوزر لوفينثال»، ذى التاريخ الطويل فى عمليات تهريب اليهود إلى الأراضى المحتله، والذى له علاقات قوية مع المخابرات الإسرائيلية، وعدد من المسئولين رفيعى المستوى الإسرائيليين. ورئيس منطقة (بيتسبيرج) فى المنظمة الصهيونية الأمريكية (ZOA) «مورتون شاتكين». و«إيفان جيه. نوفك»، الذى أصبح رئيسًا للمنظمة فيما بعد.
الشركة كانت فى البداية مُوردًا للوقود عالى التخصيب بالنسبة للبحرية الأمريكية. ثم بدأت فى ابتكار طرق جديدة، ومحسنة لمعالجة الوقود النووى. لكن اثنين من مسئولى (CIA)، زعما أن الهدف الحقيقى للشركة، هو تجميع، وتحويل مادة الـيورانيوم عالى التخصيب، الذى تملكه الحكومة الأمريكية إلى برنامج للأسلحة النووية الإسرائيلى.
يذكر أن العالم الإسرائيلى «باروخ سيناى»، الذى يعمل داخل الشركة، عرف كيفية التعامل مع عينات من مادة الـ(بلوتونيوم)، وهى مهارة تم الاستفادة بها فيما بعد، لإنتاج الـ(بلوتونيوم) فى منشأة «ديمونا» النووية الإسرائيلية.
الحادث الذى فجر القضية
تعد الحادثة التى فضحت أمر الشركة، هى اختفاء 300 كيلوجرام من الـ«يورانيوم» العالى التخصيب من داخل الشركة، فى الفترة ما بين 1957 إلى 1978، وفقًا للسجلات والدراسات الحكومية الأمريكية الرسمية، ولكن معظم الكمية اختفت بحلول عام 1966. واكدت التقارير أن المواد التى سُرقت، هى المصدر الأكثر احتمالًا، التى هيأت إسرائيل لإعداد أسلحة نووية، يمكن استخدامها خلال حرب عام 1967، إن احتاجتها. وبالفعل كان الباحث البارز فى تاريخ إسرائيل النووى، «آفنير كوهين» أكد أن هذا (النووي) كان «السر الأخير» لحرب 67، وفقًا لمقابلته مع الجنرال الإسرائيلى «إسحاق يعكوف».
وعليه، قام كل من: لجنة التنظيم النووى (NRC)، ومكتب التحقيقات الفيدرالى (FBI)، وزارة العدل الأمريكية، وكالة الاستخبارات المركزية (CIA)، واللجنة المشتركة للطاقة الذرية بالكونجرس الأمريكى (JCAE)، وكذلك مكتب المحاسبة العامة الأمريكى (GAO)، وكالة استخبارات الدفاع (DIA)، ولجنتان من مجلس النواب الأمريكى، بالتحقيق فى قضية اليورانيوم المفقود. وامتدت تلك التحقيقات منذ بداية الستينيات حتى أوائل الثمانينيات. وقد اعترف المحققون جميعهم، بأن المادة المفقودة، قد تكون قد شقت طريقها إلى إسرائيل. ولكن حتى وقت قريب، كانت الأدلة محجوبة بشكل يجعل الوصول إليها مستحيلًا..
وبالعودة لشركة (NUMEC)، فقد أوضح رئيس مركز (CIA) بتل أبيب، «جون هادن»، أن الشركة نفسها كانت عبارة عن «عملية سرية» نفذت لأجل إسرائيل من البداية. كما قدمت الوثائق الخاصة بـ«هادن»، والتى تم العثور عليها فى عام 2014، بين الصحف الشخصية له، رؤى إضافية حول ما عرفه (CIA) عن قضية الشركة، والتجسس النووى الإسرائيلى فى (الولايات المتحدة)، والبرنامج النووى الإسرائيلى من منتصف إلى أواخر 1960. واتفق معه نائب مدير إدارة العلوم والتكنولوجيا فى وكالة (CIA) «كارل داكيت»، بأن مواد شركة (NUMEC) قد تم تحويلها من جانب الإسرائيليين، واستُخدمت فى تصنيع الأسلحة.
زيارات سرية
زار كل من العملاء الإسرائيليين السريين «رافائيل إيتان، وأفراهام بندور، وأفرايم بيجون»، الشركة فى دعوة «شابيرو» فى عام 1968، بصفتهم مختصن فى مجال الطاقة الإسرائيلية، وذلك بصحبة رئيس برنامج إسرائيل لتطوير الأسلحة النووية «أفراهام هرمونى».
كما أثبت التحقيق الذى أجراه «مكتب التحقيقات الفيدرالى»، مع «شهود عيان»، حول الأنشطة المتعلقة بشركة (NUMEC)، أن «شابيرو» كان يتعاون فى عملية تحويل غير مشروع لليورانيوم عالى التخصيب، من المخزون الذى تملكه الحكومة الأمريكية إلى الحكومة الإسرائيلية. بالإضافة إلى مقابلته لأشخاص من مكتب «الملحق العلمى» فى السفارة الإسرائيلية فى (واشنطن)، وآخرين من جهاز «الموساد».
وفى عام 2009، أصدر مكتب (FBI) أيضًا بيانًا تفصيليًا، كان قد أدلى به موظف سابق فى شركة (NUMEC) فى عام 1980، قال فيه بأنه بدأ العمل فى «Apollo» فى فبراير 1965، وتم طرده فى أكتوبر عام 1978. لكنه فى أحد الليالى رأى غرباء مسلحين على رصيف التحميل الخاص بمصنع اليورانيوم هذا، فى أوائل عام 1965، وقاموا بتحميل عبوات من اليورانيوم على شاحنة لم يرها من قبل. ورأى أيضًا بيانًا للشحن، أوضح أن المادة كانت تُحمّل لسفينة متجهة إلى إسرائيل. مضيفًا أن أحد المديرين هدده -فى وقت لاحق- وأمره بإبقاء فمه مغلقا حول ما رآه.
كشف الحقائق
وكالتى (FBI)، و(CIA)، أصدرتا وثائق كثيرة من تقارير الاستخبارات، وصور فوتوغرافية، لتهريب الأسلحة التقليدية الإسرائيلية من (الولايات المتحدة)، عبر شبكات سرية، مرت عن طريق البحار. لكن كلا الوكالتين حارب أغلب محاولات الإفصاح الكامل عن الأنشطة السرية الإسرائيلية، ذات الصلة بالأسلحة النووية فى (الولايات المتحدة)، وذلك لأن السياسة الأمريكية «فى إطار القانون»، لا تسمح لأى وكالة فدرالية بالاعتراف، أن الكيان الصهيونى يمتلك أسلحة نووية، وأنه ممنوع تمامًا نشر أى معلومات حول برنامجها النووى، وفقًا لتقرير «WNP-136»، الذى أصدرته وزارة الطاقة الأمريكية، بالتشاور مع وزارة الخارجية، بمنع جميع موظفى، وعملاء الوكالات الفيدرالية الأمريكية من مناقشة، أو إصدار معلومات حكومية عن النووى الإسرائيلى، ومخالفة هذا الأمر تعد بمثابة جريمة. وقبل صدور تقرير «WNP-136»، كان «البيت الأبيض» يوقع رسميًا على خطاب سرى لمسئولى الحكومة الإسرائيلية، يتعهدون فيه، بألا يفصحوا عن أى كلمة، تخص الترسانة الإسرائيلية النووية.
وثائق أخرى أصدرها مكتب التحقيقات الفيدرالى على مضض، كشفت عن معرفة مجتمع الاستخبارات الأمريكى لمعلومات خطيرة عن تسرب انشطارى داخل الشركة..ففى 5 مايو 1969، ناقش «شابيرو» مسألة التسرب السام مع «ديفيد لوينثال». وأمر «شابيرو» عمال الشركة، الذين يعملون فى كثير من الأحيان دون معدات واقية، بوقف التسرب باستخدام بعض المعدات، لتجنب انتشار الغبار السام. وتم التنصت على هذه المكالمة، وغيرها من المكالمات من قبل مكتب (FBI).
اكتسب «شابيرو» سمعة سيئة، بسبب تجاهله المخاوف الصحية لقواه العاملة غير المدربة. ولكن فى النهاية اختارت وزارة العدل الأمريكية عدم مقاضاته، وأشاروا إلى أنه تم التحقيق معه، ولكن لم يتم اتهامه أبدًا، بتزويد إسرائيل باليورانيوم عالى التخصيب لتصنيع أسلحة نووية.
وكان أقصى قرار تم اتخاذه فى تلك القضية، هو اضطرار مجتمع الاستخبارات الأمريكى إلى إطلاق «واجب تحذير» فى عام 2015، (أى بعد أكثر من أربعة عقود)، للأشخاص الأمريكيين، وبعض المنظمات من التهديدات الوشيكة بإصابات جسدية خطيرة، ناجمة عن مقر الشركة، حتى يتمكنوا من اتخاذ إجراءات حماية مضادة.
على كل، يعتقد بعض المحللين، أنه صار- الآن- فى مقدور المهندسين بالجيش الأمريكى، الذين يقومون بإعادة التنظيف، الاستفادة بشكل كبير من معرفة المواد، التى يحتمل أن تكون موجودة فى الموقع، كما سيستفيد السكان، من معرفة أى معلومات عن الموقع، يمكنها أن تسمح لضحايا الشركة، الذين عانوا طويلًا من تهريب المواد النووية لإسرائيل، بأن يطلبوا حقهم من «الجانى، والمستفيد» من عمليات الاحتيال، والتهريب، والتلوث الذى أصابهم. ويمكن أيضًا للدلائل السرية المحفظة فى ملفات وكالتى (FBI)، و(CIA) أن تكشف تمامًا عن مشاركة المنظمة الصهيونة مع شركة (NUMEC) بشكل أكثر دقة. 