السبت 4 مايو 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري

السينما المستقلة.. طوق نجاة المهرجانات

السينما المستقلة.. طوق نجاة المهرجانات
السينما المستقلة.. طوق نجاة المهرجانات


منذ عدة سنوات، انتشرت فى مصر ظاهرة الأفلام المستقلة، أو الأفلام منخفضة التكلفة، أو الأفلام البعيدة عن الكيانات الإنتاجية الضخمة، مصطلح (مستقلة) أصبح يزعج بعضًا من أصحابها الآن ويرفضون تصنيف أفلامهم به، نظرًا لما أدى له هذا المصطلح من انخفاض شعبية الفيلم التجارية.. ورغم ذلك فإن الأفلام (المستقلة) أو أيًا كان اسمها، أصبحت عامًا وراء الآخر هى الواجهة التى تمثل مصر فى المهرجانات فى الداخل والخارج، فتكون هى المنقذ الأول دائمًا.

ورغم أهمية وجدية وجودة هذه الأفلام، فإنها ما زالت تعانى من إيجاد مكان حقيقى لها فى السوق السينمائية.
فى البداية اعترض المخرج «أحمد عبدالله» على تسمية هذه النوعية بالأفلام المستقلة وقال: «أفضل أن نقول عنها أفلام ذات طريقة حكى أخرى غير المتعارف عليه، تنتج بميزانية مختلفة. لأن مصطلح «مستقلة» خلق نوعًا من التحجيم لهذه الأفلام. وكأن هناك تعمدًا لذلك، وهو تصنيف ظالم لأنها فى النهاية أفلام تنتجها شركات، بعضها يجد قبولاً فى شباك التذاكر والآخر ينجح نقديًا وفى المهرجانات وبعضها يحقق الاثنين.. وقد حاولنا محاربة هذا التصنيف منذ أكثر من خمس سنوات وطرحنا سؤالاً: لماذا نضع هذه الأفلام داخل إطار محدد؟ بينما الأصح أن تصنف وفقًا لنوعيتها، دراما أو أكشن مثلاً، ورغم أننى وبعض المخرجين تبنينا هذه التسمية عندما ظهرت، إلا أنه اتضح مع الوقت أنها تسمية ظالمة تضع الأفلام فى منطقة معينة بعيدة عن مضمون الفيلم، لذلك أعتقد أن الأفضل أن نطلق عليها «أفلام منخفضة التكلفة»، ولو أن بعضها ليس كذلك، حيث تتولى الإنتاج أحيانًا شركات كبيرة.. فليس بالضرورة أن تكون هذه النوعية من إنتاج مؤلفها ومخرجها.
أما عن المشاركة المستمرة لمثل هذه الأفلام فى المهرجانات فقال: «لعل هذا التواجد فى المهرجانات يعتبر فاتحة خير تساهم فى تواجد شركات صغيرة لكن جادة، تمثل وسائل بديلة داخل السوق المصرية لإنتاج أفلام مختلفة بعيدة عن الشركات التى تنتج وتستثمر فى أفلام الأعياد لنجوم وجمهور معين.. وأنا فخور لأنه أصبح هناك جمهور وطلب على هذه النوعية من الأفلام».
وعما تواجهه هذه الأفلام من تجاهل من الكيانات الكبرى قال: «لا بد أن تهتم الدولة بهذه النوعية من الأفلام ودائمًا ما أسمع عن دعم ومنح تقدمها الحكومة، ولكنى لم أر فيلمًا كتب عليه أنه من إنتاج الدولة، فى حين أن هذه الأفلام تأخذ منحًا من مهرجانات أخرى مثل مهرجان دبى وقرطاج بتونس والأردن».
المنتج «شريف مندور» دائمًا ما تتولى شركته إنتاج الأفلام المستقلة وإن كان هو الآخر يرفض هذه التسمية قائلاً: «بغض النظر عن تسميتها بالأفلام «المستقلة»، فهناك ثلاثة أنواع من الأفلام: تجارية بحتة، تجارية فنية، وفنية فقط. وحتى الأفلام المستقلة من الممكن أن تكون تجارية فقط. والأفلام الفنية فقط التى لا تهتم بالشق التجارى هى ما يقع عليها اختيار المهرجانات لأنها تهتم بالجانب الفنى فى المقام الأول حتى تتمكن من منافسة الأفلام العربية والأجنبية. وهذا ما جعل هذه النوعية تتصدر المشهد فى المهرجانات بالإضافة لقلة الإنتاج فى السينما المصرية فى السنوات الأخيرة، والفكرة السائدة بأن مشاركة الفيلم فى مهرجان تجعله فيلم (مهرجانات) وتقلل من إيراداته التجارية، وبالتالى نجد أن الأفلام التى تبحث عن التقدير الأدبى لا المالى، هى ما يطلق عليها الأفلام المستقلة والحقيقة أنها بالفعل تحافظ على تواجد السينما المصرية فى مهرجانات العالم، وتنجح وتحصد الجوائز».
وعن عدم الدعم الكافى للفيلم المستقل – ماديًا ومعنويًا - رغم أهميته قال: «الفكرة أن الجهات الرسمية هى التى من المفترض أن تقوم بدعم هذه النوعية من الأفلام وأعتقد أن المركز القومى للسينما هو المنوط بهذا الدور والذى يقدم مسابقة الدعم، لكن للأسف الظروف الإنتاجية صعبة جدًا والدعم لا يكفى».
وعن فكرة جذب الجمهور للأفلام (الفنية البحتة) كما وصفها «مندور» قال: «فى البداية من الصعب أن نطلب من الجمهور أن يذهب للسينما لمشاهدة فيلم لم يعتد على أسلوبه، ويخلو من عناصر الجذب الجماهيرية..فهذه الأفلام دائمًا ما تكون بسيطة وتحمل قيمة فنية ومضمونًا وهدفًا.. ولذلك أعتقد أن الحل فى يد القنوات التليفزيونية فإن قررت كل محطة شراء عدد من هذه الأفلام لتعرض فيلمين أو ثلاثة على مدار الشهر، فيصبح المطلوب من كل محطة 30 أو 40 فيلمًا فى السنة. وقتها سيحدث رواج وتشجيع لهذه النوعية. خاصة أن تكلفة الفيلم لن توازى ميزانية المسلسل التى تصل لـ 60 مليون جنيه وهو حوالى 15 ساعة أى ما يوازى زمن 9 أفلام، فالساعة الدرامية يصل سعرها لأربعة ملايين جنيه تقريبًا. إذن لو قامت القنوات بشراء مسلسلين و«فكت» ثمن مسلسل ثالث للأفلام، ستقوم بشراء عشرة أفلام. مما سيحدث انتشارًا وتشجيعًا ونهضة لهذه النوعية من الصناعة».
وعن تحمسه وإنتاجه لهذه النوعية من الأفلام قال: «للأسف الدور الثقافى و الاجتماعى لا يبنى على المنتج الفرد فقط لأنه من المفترض أنه يبحث عن المكسب أو حتى على تعويض خسارته المالية بتحقيق ما صرفه، والمشكلة أننى كمنتج فرد عندما أقوم بإنتاج فيلم لا ينتمى للفئة التجارية أظل لمدة طويلة أحاول تحصيل ما تم صرفه».
السيناريست «محمد عبدالخالق» رئيس مهرجان أسوان الدولى لأفلام المرأة وهو المهرجان الأكثر اهتمامًا بعرض هذه النوعية من الأفلام قال: «بالفعل مهرجان أسوان عرض فى دورتيه السابقتين ثلاثة أفلام من هذه النوعية وهى «أخضر يابس» و«مستكة وريحان» و«زهرة الصبار» وحتى الفيلم المصرى الرابع «بلاش تبوسنى» أقرب للسينما المستقلة.. فللأسف السينما التجارية فى مصر سينما فقيرة من حيث الموضوع والمعايير الفنية، وهو ما لا يتماشى مع طبيعة المهرجانات، كما أن الحالة الإنتاجية فى مصر تبحر بالصناعة فى طريق استهلاكى.. من هنا يأتى دور المهرجانات فى إلقاء الضوء على مثل هذه النوعية من الأفلام وتوضيح مدى أهميتها واحتياجنا لها.. فمثلا منذ سنوات قليلة لم يكن هناك فيلم مصرى مشارك فى مهرجان القاهرة السينمائى، وهو ما أنبأ بوجود مشكلة حقيقية».
وتابع «عبد الخالق»: «هناك دور آخر تقوم به المهرجانات، ولكن على استحياء وهو المساهمة بشكل أو بآخر فى دعم الصناعة من خلال تقديم منح إنتاجية مباشرة كما حدث فى مهرجان الجونة والتى نتمنى أن تزيد وتتواجد فى كل المهرجانات المصرية خاصة من الذين يتحدثون دائمًا عن الأخلاق وانهيار الثقافة والقيم، وهو الدور الذى من الممكن أن يقوم به رجال الأعمال كما فعل مهرجان الجونة بدلا من التنظير بأن المثقفين والفن والفنانين لا يقدمون قضايا جادة ومهمة وهناك خمسة مهرجانات يستطيع رجال الأعمال دعمهم للنهوض بصناعة السينما التى يتحدثون عنها طوال الوقت بأنها الوجه المضاد للعنف والإرهاب.. أيضًا للدولة دور مهم جدًا فى دعم صناعة السينما وليس من الضرورى أن يكون هذا الدعم ماديًا، بل من الممكن أن يكون دعمًا «لوجيستيًا» كتسهيل تراخيص أو الإعفاء من الضرائب لأنه فى النهاية من الصعب جدًا على مثل هذه النوعية من الأفلام أن تتحمل كل أعباء العملية الإنتاجية، صحيح أنها ليست سينما تجارية ولكنها تريد الربح».
الناقد الكبير «كمال رمزى» علق على كل ما سبق طرحه من أفكار حول هذه النوعية من الأفلام قائلا: «الأفلام المستقلة فى العالم كله لها حضور شديد التميز، فمدرسة نيويورك التى انطلقت فى الخمسينيات والتى اعتمدت على التصوير فى المترو ومحطات السكك الحديدية والتى تحررت من الاستوديوهات والإنتاج الهوليوودى الضخم لكى تقدم سينما جديدة مستقلة خاصة بها ليس إلا لأهمية هذه النوعية والتى استطاعت بهذا الشكل الجديد أن تقدم جيلاً جديدًا من المخرجين.. فالسينما المستقلة عندما تكون معتمدة على مجموعة من الشباب لهم رؤية خاصة وعلى قدر من الموهبة تستطيع أن تتجاوز السينما السائدة وتقدم شيئًا به نضارة وتجديد، وهذا ما تحتاجه أفلام المهرجانات التى تسعى دائمًا وراء تقديم الإنسانيات والقضايا المهمة وباستمرار يوجد لدينا فى مصر هذا النوع من السينما فعندما كون «محمد خان» ومعه آخرون شركة «أفلام الصحبة» كانت أفلام لها مذاق مختلف والآن هناك مجموعات من الشباب التى تقدم هذه النوعية من الأفلام قليلة التكلفة، والتى بها وجوه شابة أو حتى فنانين كبار أدركوا قيمة وأهمية هذه النوعية.
وعن قلة عدد الأفلام المستقلة رغم أهميتها ومشاركتها فى المهرجانات المصرية والعالمية قال «رمزى»: «نفوذ الشركات الكبرى على دور العرض نفوذ قوى جدًا، وهو ما يكبل السينما المستقلة ويجعلها غير قادرة على السيطرة والتواجد فى سوق السينما ودور العرض، وبالتالى لا تستطيع أن تجد لها مكانًا بين الجمهور إلا ما ندر، وفى محافل فنية معينة وليس العيب على الجمهور فالمنتج لم يصل إليه بالشكل الصحيح، فنحن نملك جمهورًا من جميع المستويات يتفهم ويحب الفيلم التجارى ويتفهم أيضًا ويستوعب الفيلم المستقل، ولكن للأسف الفيلم المستقل يعانى عناءً شديدًا فى الوصول لدور العرض، وهذا ما يجعل منتجه يفكر أكثر من مرة قبل إنتاجه». 