توثيق التاريخ القبطى بـ«الريشة والأزميل»

إسلام القوصى
فى البدء كان الفن.. يتحدث للناس سواء عبر لوحات مرسومة أو مجسمات منحوتة تخبرنا بما فعل الأولون، وتقص علينا القصص.البداية عند رجل الكهف، وبناة المعابد، ومن وقتها برع الفنان فى التعبير بالنحت أو الرسم ليكون شاهدًا يروى بفرشاته أو أزميله حياة السابقين، والكنائس والأديرة عامرة باللوحات الفنية والمنحوتات التى تؤكد أن الفنان القبطى لم يتلقّ تعليمًا أكاديميًا، لكنه فنان بالفطرة.
كيرلس غالى لديه ورشة نحت بقرية حجازة بقنا، قال: «البداية فى أساسها موهبة»، وبدأت الرسم وعُمرى 10 سنوات، مع خالى فى ورشة نحت صغيرة وهو الذى علّمنى أسس النحت، وخالى تعلم ومعه كل فنانى قرية حجازة على يد الراهب الفرنسى «بطرس ايون»، وكان يرى أن من واجبات رهبنته أن يُعلم الناس كل شىء يعرفه وأن يخدمهم، ومن هذا المُنطلق علّم مجموعة من الشباب من بينهم خالى فن النحت.
«كيرلس» أضاف: «خالى قال لى أنت ستكون نحاتًا صاحب لمسة مُبدعة، وكان ذلك دافعًا لأعمل فى الورش فى الإجازات، وفى بداية الدراسة كنت أعمل معه بورشته بعد الظهر، حتى أنهيت دراستى الجامعية، وبعدها عملت محاسبًا لمدة عامين، بجانب النحت، لكن بعدها قررت بصفة نهائية التفرغ للنحت، وفتح ورشة خاصة بى، وبدأت بشغل «الأويما» وهو نحت زخارف فنية للأثاث المنزلى بعدها طُلب منى عمل دينى وأثبتّ جدارة فيه، أصبحت معروفًا من خلال الشغل الذى أنفذه، وبدأت الأعمال تجذب أعين الناس فسألوا عنى، ومن هنا قررت تسويق أعمالى عبر «فيس بوك».
وعن أجمل المنحوتات التى نحتها، قال «كيرلس»: «أجمل أعمالى أيقونة رحلة العائلة المقدسة، التى قُدمت هدية لبابا الفاتيكان، وشعرت أنها خطوتى الأولى نحو العالمية، وكان لها رد فعل جيدًا، وهناك أيضًا أسدا كرسى البابا، بالإضافة لقيمة العمل هناك قيمة أخرى وهى تضاف لها من الشخصية التى ستقتنى هذا العمل، وعلى المستوى الفنى هناك تماثيل أصعب منها بكثير، وتمثال الشهيد مار جرجس من أصعب التماثيل التى نحتها، واستغرقت عملية نحته 3 شهور، وهناك أيضًا تمثال مركب نحته على أجزاء، ثم جمعته، وهذا يأخذ منى مجهودًا ذهنيًا كبيرًا، والخطأ -وإن كان بسيطًا- معالجته صعبة، ولابد من فهم قطعة الخشب التى يتم النحت عليها وإدراك تعقيدات العقد التى تكون داخل الخشب لتلاشى الأخطاء، ومن الأعمال التى أعتز بها لوحة العشاء الأخير، لأن بها 13 شخصية فى مساحة صغيرة، والشخصيات مركبة ومليئة بالتفاصيل الصغيرة ونحتها بشكل ثلاثى الأبعاد.
وعن قصة أيقونة رحلة الأسرة المقدسة، أكد «كيرلس» أن الذى طلبها هو الأنبا عمانوئيل أسقف الأقباط الكاثوليك بالأقصر، وكان هو المنسق العام للزيارة، وقال لى: «نريد حاجة تعبر عن تاريخ البلد، وفى الوقت نفسه تكون عبارة عن حدث دينى مهم جدًا فى التاريخ، بأيدٍ مصرية وبخامة طبيعية»، فاخترنا رحلة العائلة المقدسة إلى مصر فهى تعبر عن كل هذا وتكون رمزًا لزيارة البابا لمصر، فزيارة البابا هى إحياء لرحلة العائلة المقدسة فى مصر، وبالتالى تمهد لمزار سياحى كبير فى مصر، لتنشيط السياحة الدينية.
وعن الفارق بين نحاتى حجازة وغيرهم، قال «كيرلس»: إن نحت حجازة يُطلب بالاسم من الخارج، لأنه نحت على خشب السرسوع الذى لا يُزرع إلا فى أماكن محددة من بينها مصر، كما أن هذا النوع من الخشب متانته ممتازة وتساعد النحات، كما أن ألوانه خلابة، ويكفى أن تُطليها بطبقة من «السيلر» الملمع لإظهار ألوان الخشب، ونقدم أفكارًا تناسب كل الأذواق بحرفية، ومعظم أعمالنا فى شغل الديكورات والمطبخ والهدايا والشغل الدينى سواء مسيحيًا أو إسلاميًا، وسبق أن نفذت آيات قرآنية على شكل تابلوهات، وهناك نحاتون آخرون من أهل القرية ينفذون الأبواب الإسلامية، للجوامع والمقامات والمنابر وحوامل المصاحف المزخرفة من شغل العاشق والمعشوق والرسومات الهندسية الإسلامية، وأجد نفسى فى الفن الإسلامى والأيقونات المسيحية.
وأشار «كيرلس» إلى أنه قدم منحوتات فرعونية كثيرة، والآن الطلب أكثر على الشغل الاستعمالى كأدوات المطبخ والأكل، وكثير منها يُصدر للخارج، بأسعار رخيصة جدًا من نحو 150 جنيهًا، والشركات تبيعها بالدولار واليورو.
كرم كامل أحد رسامى الأيقونات والجداريات المسيحية قال: إن الرسم فى الفن المسيحى مدارس، وكل فنان له أسلوبه ومدرسته الخاصة، التى بدأ رحلتها بالتدريب تحت يد فنان موهوب، والأيقونات الجدارية هى روح الكنيسة، وأهميتها تنبع من أنها تحكى قصص شهداء وقديسين وأنبياء، وغرضها الأول التعليم، ومصر لها آلاف الشهداء والقديسين والكثير لا يعرفهم، وهنا يأتى دور الأيقونة للتنوير والتعليم والتعريف بهم.
وأضاف: «اختيار الأيقونات التى تُرسم عادة يكون بالاتفاق مع مسئولى الكنيسة من كهنة أو أسقف أو المهندس القائم بأعمال الكنيسة بما يتناسب مع المناخ القبطى ورموزه، وعادة يتم اختيار رسام مشهور متخصص، ويكون لديه مرسم مكون من رسامين بعضهم تحت التدريب والبعض الآخر محترف، وروح الصورة تكون من نصيب الفنان المسئول عن تسليم العمل، أو صاحب المرسم، ويتم اختيار المرسم عن طريق مسابقة كبرى، كما فعل البابا تواضروس فى الكاتدرائية المرقسية بالعباسية، إذ شكّل لجنة متخصصة لاختيار أفضل المراسم حسب الموقع الجغرافى للمرسم والجزء المسيطر عليه.
وأكد «كامل» أنه لم يُطلب منه ترميم أعمال قديمة من قبل، ولو طُلب منى، سأرفض احترامًا منى لقدم الأيقونة، مضيفًا: هناك فارق بين الفن القبطى القديم والأسلوب الإيطالى فى الرسم، فالمراسم الحديثة تقسم نفسها قسمين البعض منها متخصص فى الفن القبطى، والآخر متخصص فى الفن الإيطالى، والفن القبطى القديم مدرسة مستقلة بذاتها ولها قواعد ورموز، لكن الغالبية يحبون الفن الإيطالى، ونحن نرسم حياة أنبياء العهد القديم وحياة السيد المسيح على الأرض وسير حياة القديسين والشهداء، ونختار منها ما يناسب الفترة الزمنية الحالية، وذات مرة كنت أرسم إحدى القبب، وكان علىّ رسم حدث من أحداث يوسف الصديق، وفى البداية وقع الاختيار على حدث رمى يوسف فى البئر وكره إخوته له، لكن بعد المناقشة مع مسئولى الكنيسة تم تغيير الموضوع واختيار عفة يوسف، ورفضه إطاعة الشهوات، وهنا اخترنا العفة لنعطى درسًا لشبابنا المعاصر والاقتداء به.