السبت 4 مايو 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري

مصر تتحدث عن نفسها

مصر تتحدث عن نفسها
مصر تتحدث عن نفسها


مخطئ من يظن أن زيارة الرئيس السيسى المنتظرة إلى روسيا الأربعاء المقبل ستقف عند مناقشة قضايا من نوعية عودة السياحة الروسية لمنتجعات شرم الشيخ أو بحث أوجه التعاون الاقتصادى بين القاهرة وموسكو، وإن كانت ستطرق بالفعل إلى تلك النقاط، فالتوقيت الذى تجىء فيه، والاحتفاء الروسى الرسمى والإعلامى بها، وتفاعلات الأحداث الإقليمية فى سوريا وليبيا والخليج، جميعها مؤشرات تؤكد على كونها أكثر من مجرد زيارة عادية.
مبعوث الرئيس الروسى للشرق الأوسط ميخائيل بوجدانوف استبق الزيارة بالتأكيد على أنها «زيارة مهمة جدًا» وقال: «مصر هى شريكنا الرئيسى منذ فترة طويلة فى أفريقيا والشرق الأوسط، وحجم التعاون كبير جدًا» وأضاف: هناك مسائل بالغة الأهمية سيتم تناولها، ومنها التعاون فى مجال مكافحة الإرهاب، والأوضاع فى المنطقة، أى القضية الفلسطينية والوضع فى سوريا وليبيا».
قبل الزيارة بأيام كان الرئيس السيسى زار اليونان للمشاركة فى فعاليات القمة الثلاثية بين مصر وقبرص واليونان فى جولتها السادسة، وذلك فى إطار آلية التعاون الثلاثى التى انطلقت بالقاهرة فى نوفمبر 2014، وهى زيارة تذهب بالتحالف الذى دشنته مصر فى شرق المتوسط إلى مزيد من العمق والتفاهم.
بنظرة موضوعية يمكننا القول إن جولات الرئيس الخارجية أسهمت فى استعادة مصر لتوازنها السياسى والدبلوماسى مع دوائر سياستها الخارجية الثلاث: العربية والإفريقية والمتوسطية، كما فتحت الباب لتحركات فى دوائر جديدة مثل زياراته لكل من فيتنام والمجر والبرتغال، وفى الدول الإفريقية التى لم يزرها رئيس مصرى من قبل، ومنها رواندا والجابون وتشاد، وهو الأمر الذى تمكنت مصر من خلاله من كسر نمط العلاقات القديمة التى ظلت تربط القاهرة بدول العالم لعقود.
قراءة تحليلية بالأرقام
الدراسة التحليلة الصادرة مؤخرًا عن الهيئة العامة للاستعلامات تبين أن الرئيس خلال الفترة من منذ توليه مقاليد الحكم فى يونيو 2014 وحتى يونيو الماضى أجرى 79 زيارة خارجية توزعت بين مختلف دول العالم وشملت 37 دولة، جاءت فى صدارتها المملكة العربية السعودية بواقع 10 زيارات ثم الإمارات بعدد 6 زيارات ثم إثيوبيا (5 زيارات) تلاها كل من السودان والصين ونيويورك بواقع 4 زيارات.
كان الرئيس حريصًا على ترسيخ حضور مصر فى المؤتمرات والمنتديات الدولية والإقليمية، إذ شارك فى 28 قمة ومنتدى ومؤتمرًا إقليميًا أبرزها القمم الإفريقية المتتالية، وعلى هامش هذه الفعاليات التقى 663 لقاءً مع زعماء العالم تنوعت بين رؤساء دول ورؤساء حكومات ووزراء دفاع وخارجية واقتصاد ورؤساء هيئات دولية.
حرصت القاهرة على إعادة صياغة علاقاتها بالقوى الدولية والإقليمية لتفرض نمطًا تعدديًا لا يقبل بثنائية «إما معنا أو علينا»، وإنما يقوم على أسس من الندية والشراكة والمصالح المتبادلة، فاحتفظت بعلاقاتها مع واشنطن وعملت على تطوير علاقتها بموسكو.
وإذا كان الرئيس السيسى زار الولايات المتحدة خمس مرات منها أربع مرات إلى نيويورك، حيث مقر الأمم المتحدة وزيارة واحدة إلى واشنطن فى فبراير من العام الماضى، فإنه زار موسكو 3 مرات قبل زيارته الحالية فى أغسطس 2014 ومايو 2015 وأغسطس 2015.
 وإذا ما نظرنا إلى توزيع المناطق الجغرافية التى شملتها الزيارات الخارجية للرئيس فى الأعوام الأربعة الماضية، سنجد أنها شملت مختلف قارات العالم باستثناء أمريكا اللاتينية، وفى الصدارة جاءت الدول العربية لتؤكد أن الأمن القومى المصرى وثيق الصلة بالأمن القومى العربى، بل هو جزء منه، واحتلت إفريقيا الترتيب الثانى بين دوائر الحركة المصرية بواقع 9 زيارات تنوعت بين زيارات متعلقة بالمصالح المشتركة وأخرى خاصة بالعمل المؤسسى من خلال المنظمات الإقليمية.
اتبع الرئيس السيسى نهج الجولات القارية التى تشمل أكثر من دولة فى منطقة أو قارة بعينها خلال فترة زمنية قصيرة لا تتجاوز 3 إلى 7 أيام وأجرى 14 جولة من هذا النوع جاءت الدول الآسيوية فى مقدمتها بواقع 5 جولات تلتها أوروبا وإفريقيا والدول العربية بواقع 3 جولات لكل منها.
أجرى السيسى خلال السنوات الأربع 70 لقاء مع رؤساء شركات دولية ووفود رجال أعمال، استهدفت بحث فرص التعاون فى المجالات الاقتصادية وزيادة الاستثمارات الخارجية فى مصر، واللافت أن رئيس شركة إينى الإيطالية للبترول استحوذ وحده على 8 لقاءات تلاه رئيسًا شركتى «سيمنز» الألمانية و«جنرال إلكتريك» الأمريكية بواقع 5 لقاءات، ثم شركة «روزانتوم» الروسية المسئولة عن تنفيذ المفاعل النووى فى الضبعة بواقع 4 لقاءات.
حضور واضح فى الأمم المتحدة
منذ تولى السلطة كان الرئيس السيسى يدرك أهمية منظمة الأمم المتحدة كمظلة دولية ومنبر يخاطب من خلاله جميع دول العالم، ولذلك حرص على حضور الاجتماعات السنوية الأربعة للأمم المتحدة ليكون بذلك أول رئيس مصرى يُشارك فى 4 جمعيات عامة متتالية، شرح من خلالها حقيقة ما شهدته مصر من أحداث فى 30 يونيو وما أعقبها، كما عرض وجهة نظر مصر فى مختلف القضايا الإقليمية والدولية.
كان الرئيس يستثمر وجوده فى نيويورك لحضور اجتماعات الجمعية العامة بحضور ممثلى الدول كافة من خلال عقد لقاءات واجتماعات جماعية وثنائية مع كثير من ممثلى دول العالم، ففى الاجتماع الأول للجمعية العامة التقى رؤساء 13 دولة أهمها أمريكا وفرنسا، علاوة على ورؤساء وزراء 3 دول، بالإضافة إلى مسئولين أمريكيين سابقين.
فى الدورة التالية عقد الرئيس اجتماعات مع رؤساء 13 دولة أبرزها فرنسا والصين، ورؤساء حكومات 10 دول فى مقدمتها ألمانيا وإيطاليا وإثيوبيا، وفى الدورة الثالثة التقى رؤساء 6 دول منها فرنسا، وفى الدورة الأخيرة التقى رؤساء 8 دول من بينها الولايات المتحدة الأمريكية.
مرتكزات سياسة مصر الخارجية
استطاعت القاهرة فى الولاية الأولى للرئيس السيسى أن تدير علاقاتها بكفاءة عالية فى ظل بيئة إقليمية ودولية تموج بالتغيرات العميقة التى تمس الوجود القومى لدول المنطقة وتهدد وحدتها واستقرارها، ونجحت فى تجاوز عدة مطبات صعبة كادت تؤدى بها للانزلاق فى مواجهات عسكرية مباشرة فى كل من اليمن وليبيا وسوريا وحول غاز البحر المتوسط، كما أعادت رسم خريطة علاقاتها بشكل يخدم الأمن القومى المصرى والعربى.
انطلقت القاهرة فى علاقاتها بجيرانها من مجموعة مبادئ أساسية فى مقدمتها دعم السلام والاستقرار الإقليمى ومساندة المساعى لحل النزاعات بالطرق السلمية، واحترام القانون الدولى والمواثيق والعهود الدولية، وكذلك احترام سيادة الدول وعدم التدخل فى شئونها الداخلية، علاوة على دعم المؤسسات الشرعية فى مواجهة الميليشيات والتنظيمات المسلحة والإرهابية.
تصدرت قضية الإرهاب محاور اهتمام الرئيس فقد تحدث فيما يقرب من 93 كلمة وخطبة ومناسبة فى الداخل والخارج عن ضرورة وآليات مواجهة هذه الظاهرة ودعت مصر إلى مواجهة عالمية شاملة للإرهاب تقوم على عدم التفريق بين تنظيم إرهابى وآخر، وضرورة تجفيف منابع تمويله وتسليحه وتوفير الملاذات الآمنة لعناصره.
دور فاعل فى القضايا الإقليمية
أدت القاهرة ولم تزل تؤدى أدوارًا حاسمة فى القضايا العربية الملحة، ففى القضية السورية سعت لوضع حد للأوضاع الإنسانية المتدهورة استنادًا إلى تمتعها بثقة جميع الأطراف الفاعلة فى الأزمة، ودعمت جهود التوصل لحلول سياسية، وتبنت موقفًا حاسمًا من التدخل العسكرى حفاظًا على وحدة الأراضى السورية، وتمسكت بحق الشعب السورى من دون سواه فى تقرير مصيره.
تشابه موقف مصر مما يجرى فى سوريا مع موقفها مما يجرى على حدودها الغربية، حيث دعمت المؤسسات الشرعية، وسعت لرفع حظر التسليح المفروض على المؤسسة العسكرية، كما رعت جهود توحيد القوات المسلحة هناك، ولم تزل تدعم جهود التوصل لحلول سلمية وتقف أمام محاولات التدخل العسكرى هناك.
يتمثل موقف مصر مما يجرى فى اليمن فى العمل على الحفاظ على الحكومة الشرعية للبلاد، ومنع تقسيم الدولة ورفع المعاناة الإنسانية عن الشعب اليمنى الشقيق، ويضاف إلى ما سبق دورها فى استقبال اللاجئين من مختلف الدول العربية ومعاملتهم مثل المواطنين المصريين، علاوة على دورها فى وقف عمليات الهجرة غير الشرعية للدول الأوروبية.
وكأن الأخوين عاصى ومنصور الرحبانى عندما كتبا فى مطلع قصيدتهما «مصر عادت شمسك الذهب.. تحمل الأرض وتغترب» قد أرادا تجسيد حالة مصرية متكررة عبر منعطفات التاريخ، فما من كبوة شهدها هذا البلد إلا وأعقبتها استفاقة تمحو آثار الماضى وتكتب تاريخًا جديدًا حافلاً بأوجه الفخر والكبرياء.
كتب شاعر النيل حافظ إبراهيم لاسمه الخلود عندما قرن شعره بمدحها، وتغنى فى حبها، وراح يطلق لخياله العنان ليطارد الكلمات فيلتقطها ويختصر بها الزمن، فيعبر عن الشخصية المصرية عبر التاريخ ويقول:
أنا إن قـدَّر الإله مماتى
لا ترى الشرق يرفع الرأس بعدى
كـم بغـت دولـةٌ علىّ وجارت
ثم زالت وتلك عقبى التعـدى
إننى حُـرة كسـرت قيـودى
رغم أنف العدا وقطعت قيدى. 