السبت 4 مايو 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري

دماء على عرش الخلافة!

دماء على عرش الخلافة!
دماء على عرش الخلافة!


لا تزال مراجعة وتنقيح التراث الإسلامى الذى وضعه بشر مثلنا من القضايا المسكوت عنها، ولا تزال كتب التراث الإسلامى التى وضعها فقهاء فى أزمنة متفرقة بحاجة للنظر إليها بوصفها اجتهادات بشرية قابلة للدراسة والمراجعة وإعادة النظر، خاصة عندما يتعلق الأمر بإشكالية قد تصل لحد التناقض أو الاختلاف الواضح فى مرويات تمس أمورًا أصبحت من الثوابت لدى كثير من الناس، ومن بين تلك الإشكاليات حقيقة صيام يوم عاشوراء، فضلاً عن الجدل الدائر حتى يومنا هذا حول الصراع الذى انتهى بمقتل «الحسين»، هل كان ذلك الصراع سياسيًا أم دينيًا؟
فى مسألة صيام يوم عاشوراء وردت مرويتان رئيسيتان بصور متعددة إحداهما ما رواه البخارى عن ابن عباس أن الرسول صلى الله عليه وسلم قدم إلى المدينة يوم عاشوراء فإذا اليهود صيام، فسألهم عن ذلك فقالوا هذا يوم أغرق الله فيه فرعون ونجّى فيه موسى وبنى إسرائيل فقال: نحن أولى بموسى منكم وإنى لأحتسب هذا اليوم ذنوب العام السابق له، فصامه وأمر المسلمين بصيامه.
وجاء فى كتاب «مسلم» حين صام رسول الله (صلى الله عليه وسلم) يوم عاشوراء وأمر بصيامه، قالوا: يا رسول الله إنه يوم تعظمه اليهود والنصارى. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «فإذا كان العام المقبل إن شاء الله، صمنا اليوم التاسع» قال: فلم يأت العام المقبل، حتى توفى رسول الله.
والمروية المختلفة مع ما سبق ما رواه البخارى ومسلم أيضًا  وهذا فى حد ذاته مثير للدهشة-  عن عائشة رضى الله عنها أن قريشًا كانت تصوم يوم عاشوراء فى الجاهلية ثم أمر الرسول بصيامه حتى فرض رمضان فقال من شاء فليصمه ومن شاء أفطر.
اختلاف كبير
من الواضح أنه يوجد اختلاف كبير يصل إلى حد التناقض بين المرويات التى تتحدث عن صيام عاشوراء، والغريب أن التناقض ورد فى  «الصحيحين»،  فهذا اليوم الذى يناظر العاشر من شهر محرم أول شهور السنة العربية، ثمة مرويات تجعله مرتبطًا بتراث العرب غير تلك التى تجعله مرتبطًا باحتفال اليهود بذكرى خروجهم من مصر ونجاتهم من فرعون، لكن اليوم الذى خرج فيه بنو إسرائيل من مصر، هو عيد الفصح، وليس فى عاشوراء، وعيد الفصح اليهودى هو أحد الأعياد الرئيسة فى اليهودية، ويحتفل به لمدة 7 أيام تبدأ من 15 أبريل حسب التقويم اليهودى.
والاختلاف الواضح فى المرويات يكمن فى أن بعضها يقول بأن النبى (صلى الله عليه وسلم) صام عاشوراء فى الجاهلية مع قريش وتلك تتناقض مع الروايات الأخرى بأنه لم يعلم بصيام عاشوراء إلا بعد الهجرة ودخول المدينة.
وتقول بأن النبى (صلى الله عليه وسلم) قال «لئن بقيت إلى قابل لأصومن التاسع»، وأنه لم يأتِ العام المقبل حتى توفى تدلّ أن صوم عاشوراء؛ أى أن الأمر بصيامه كان قبل وفاته بعام، وهذا يتناقض مع الرواية الأخرى بأن ذلك كان عند مقدمه إلى المدينة لأن الرسول مكث فى المدينة 10 سنوات، وكلا الحديثين من رواية ابن عباس نفسه! كما أن المرويات تقول بأن صيام رمضان نسخ صيام عاشوراء، وصيام رمضان كان فى العام الثانى من الهجرة، بينما يؤكد بعض الباحثين بالحساب الفلكى أن الهجرة كانت يوم الاثنين 8 ربيع الأول سنة 1 هجرية المصادف 20 سبتمبر سنة 622 ميلادية.
ورغم أن عملية التفنيد لمرويات صيام يوم عاشوراء قد تكون مربكة وربما صادمة لدى البعض، لكننا فى النهاية لم نكن نعتبر ذلك الإرباك هدفًا فى حد ذاته بل هو نتيجة طبيعية لمحاولة فتح ملف مؤجل ويتم الاقتراب منه دائمًا على استحياء وهو إخضاع الكثير مما ورد بالتراث للنقاش والتمحيص والمراجعة.
صراع دينى أم سياسى؟
يصادف يوم عاشوراء وهو اليوم الذى نجى فيه الله موسى من فرعون اليوم الذى قتل فيه الحسين بن على حفيد النبى محمد فى معركة كربلاء عندما ثار الحسين على الحكم الأموى إبان خلافة يزيد بن معاوية بن أبى سفيان، وأثارت تلك الحادثة أفكار وأذهان وعقول المؤرخين والمفكرين والباحثين والعلماء لأنها تركت تداعيات كثيرة بنيت عليها مواقف واتجاهات فكرية مختلفة، لا تزال موضع نقاش إلى يومنا.
وتبدأ جذور الواقعة بعد مقتل الخليفة عثمان بن عفان الذى كان من بنى أمية، أخذ معاوية بن أبى سفيان الذى كان من بنى أمية أيضا مهمة الثأر لعثمان بسبب ما اعتبره معاوية عدم جدية على بن أبى طالب فى معاقبة قتلة عثمان واعتبر معاوية عليًا بصورة غير مباشرة مسئولًا عن حوادث الاضطراب الداخلى التى أدت إلى مقتل عثمان. وتفاقم الخلاف بين على ومعاوية مفضيًا إلى صراع مسلح بينهما فى معركة صفين ولكن دهاء معاوية فى المعركة أدى إلى حدوث انشقاقات فى صفوف قوات على بن أبى طالب. وأطلقت تسمية الخوارج على الطائفة التى كانت من شيعة على بن أبى طالب ثم فارقته وخرجت عليه وقاتلته. استغل معاوية ضعف القيادة المركزية لخلافة على وقام ببسط نفوذه على سوريا ومصر وبعد اغتيال على فى عام 661م كان معاوية فى موضع قوة أفضل من ابن الخليفة الراحل، الحسن بن على بن أبى طالب الذى فضل أن يعيش فى المدينة المنورة وقام الحسن بمبايعة معاوية بسبب تقديرات الحسن لموقف أهل البيت الذى كان فى وضع لا يحسد عليه بعد اغتيال على بن أبى طالب ويعتبر البعض أن الحسن بن على «تنازل» عن الخلافة لمعاوية بن أبى سفيان على شرط أن تعود طريقة الخلافة بعد موته إلى نظام الشورى بين المسلمين، ولكن جاء يزيد بالوراثة خليفة على المسلمين بعد وفاة معاوية بن أبى سفيان ليكون نقطة تحول فى التاريخ الإسلامى.
وفى كتابه «أبو الشهداء الحسين بن على» يؤكد الكاتب الكبير عباس محمود العقاد، أنه لفهم الخلاف الذى حدث بين الحسين بن على ويزيد بن معاوية، يجب الأخذ فى الاعتبار أن الحوادث قد جمعت لهما أسباب التنافس والخصومة منذ أجيال، وكان هذا التنافس بينهما يرجع إلى كل سبب يوجب النفرة بين رجلين، من العصبية، إلى التركات الموروثة، إلى السياسة، إلى العاطفة الشخصية، إلى اختلاف الخلقة والنشأة والتفكير.
ويشير العقاد إلى أن الكفاح بين على ومعاوية لم يكن كفاحًا بين رجلين أو بين عقلين، ولكنه كان على الحقيقة كفاحًا بين الإمامة الدينية والدولة الدنيوية، وأن الأيام كانت أيام دولة دنيوية؛ فغلب الداعون إلى هذه الدولة من حزب معاوية.
ويسرد العقاد تفاصيل ثورة الحسين بمكة ثم بالعراق، ومن أهم التفاصيل التى يذكرها أن الحسين وهو فى طريقه إلى الكوفة يوم دعاه شيعته إليها كان يسأل من يلقاهم عن أحوال الناس، فينبئونه عن موقفهم بينه وبين بنى أمية، وقلّما اختلفوا فى الجواب، فسأل الفرزدق وهو خارج من مكة -والفرزدق مشهور بالتشيُّع لآل البيت- فقال له: «قلوب الناس معك وسيوفهم مع بنى أمية»، ويبين الكاتب أن خروج الحسين من مكة إلى العراق حركة لا يسهل الحكم عليها بمقياس الحوادث اليومية؛ لأنها حركة من أندَر حركات التاريخ فى باب الدعوة الدينية أو الدعوة السياسية، هى ليست ضربة مغامر من مغامرى السياسة، ولا صفقة مساوم من مساومى التجارة، ولا وسيلة متوسِّل ينزل على حكم الدنيا أو تنزل الدنيا على حكمه، ولكنها وسيلة مَن يدين نفسه ويدين الدنيا برأى من الآراء هو مؤمن به ومؤمن بوجوب إيمان الناس به دون غيره، فإن قبلته الدنيا قبلها وإن لم تقبله فسِيَّان عنده فواته بالموت أو فواته بالحياة، بل لعل فواته بالموت أشهى إليه.■