الأحد 5 مايو 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري

المتساقطون على طريق «الإصلاح الكنسى»

المتساقطون على طريق «الإصلاح الكنسى»
المتساقطون على طريق «الإصلاح الكنسى»


منذ أن بدأ البابا تواضروس الثانى بابا الإسكندرية وبطريرك الكرازة المرقسية رحلته الرعوية إلى الولايات المتحدة الأمريكية الأسبوع الماضى وتصاعدت وتيرة النقد الموجه إليه بشكل فج يؤكد أن الهجوم مقصود وموجه، وأن الهدف من الهجوم هو شخص البابا وليس الصالح العام، مما يشخصن الخلاف القائم الآن وتشهده الكنيسة القبطية الأرثوذكسية منذ اعتلاء البابا الـ١١٨ سدة الكرسى المرقسى، مما يجعل المتابع للأحداث يتساءل عن نوايا المهاجمين والمحرضين على البابا.
ما يحدث الآن من اختلاف فى الآراء خاصة بين بعض الشباب والقيادات الكنسية ليس بغريب على الكنيسة المصرية فتاريخها ملىء بقلاقل كثيرة وحافل بمشاحنات وسجال بين البطاركة والشباب، غير أن الفارق الوحيد أن الاختلاف كان يقع قديمًا دون تطاول كما يحدث الآن.
كان الهدف من الاختلاف قديمًا لا ينطوى على مصالح شخصية، بل كان المستهدف دائمًا هو الإصلاح فقط، وبالتالى أفرزت الاختلافات مجموعة من المصلحين الذين أصبحوا أساقفة تركوا للكنيسة القبطية ميراثًا ضخمًا من العلوم والدراسات اللاهوتية والعقائدية ولم يستطع أى شخص فيهم محو ما تركه الآخر، وذلك رغم أن أغلبهم مات كمدًا بعدما استهدفهم الأسقف الحديدى؛ الذى خرج من المعتقل لينهى حسابات مع اللجنة الخماسية التى شكلها الرئيس الراحل أنور السادات لتدير الكنيسة بدلا من البابا شنودة الثالث.
والحقيقة أن أبرز الإصلاحيين فى الكنيسة القبطية هم فى الأساس مجموعة من الأصدقاء تجمعوا حول مشروع كبير اسمه مجلة «مدارس الأحد» والتى استطاعت أن تجذب هؤلاء الشباب لتكون منبرًا تنويريًا وتسبب قلقًا كبيرًا للقيادات الكنسية فى خمسينيات القرن الماضى.
وعلى الرغم من اتفاقهم فى منهجهم قبل دخولهم السلك الرهبانى، فإنهم اختلفوا بعد الأسقفية، وكانت النتيجة أن رجعت الكنيسة إلى أحادية الفكر والتوجه الذى قضى على الفكر الآخر وكانت النهايات محزنة.
كان أبرز الإصلاحيين فى تلك الفترة ذلك الشاب النارى يتيم الأب والأم القادم مع إخواته من الصعيد ودخل كلية الآداب والذى يتمتع بكاريزما عالية جدًا وعنفوان ظل معه حتى رحيله.
كان الشاب «نظير جيد» يتمتع بحس أدبى عالٍ، وفى نفس الوقت كان اندفاعيًا بشكل كبير، مما جعله يصبح رئيس تحرير مجلة «مدارس الأحد» الذى انتقد فيها كثيرًا بعض الأمور الخاصة بطريقة اختيار الأساقفة والكهنة، ولكن كان أهم شىء كتبه وطالب به هو تغيير لائحة اختيار البطريرك وذلك فى افتتاحية المجلة فى سبتمبر 1953، حيث طالب بإلغاء ترشيح الأساقفة للكرسى البطريركى.
تلك المقالة التى اختفت تمامًا من على صفحات الإنترنت عقب رحيله كانت تنتقد أيضًا اقتصار الانتخاب على صفوة المجتمع القبطى، كانت تلك المقالة من أهم ما كتب «نظير جيد»، ولكنها كانت أهم ما شهد بعد ذلك على التحول الذى طرأ عليه بعد أن أصبح البابا شنودة الثالث، حيث لم يعمل بأى شىء جاء فيها ولم يغير أى واقع عندما كان بيده تغييره.
وبعد أن جلس «نظير جيد» على كرسى مارمرقس انتهى أحد أهم الإصلاحيين فى ذلك الوقت ليتحول من إصلاحى إلى شخص آخر يهاجم كل من ينادى بالإصلاح ووضع الأسقف الحديدى «بيشوى» على أهم منصب فى الكنيسة ليكون حارسًا أمينًا له ويغلق أى فم ينطق بفكر مخالف، وهو ما فعله مع أقرب المقربين له ومن أبرزهم الدكتور وهيب عطاالله والمعروف باسم الأنبا أغريغوريوس أسقف البحث العلمى.
كانت صداقة قوية تجمع بين وهيب عطاالله ونظير جيد امتدت لما بعد الرهبنة، ويؤكد الأب باسيليوس المقارى أن وهيب عطاالله أو الراهب باخوم المحرقى هو أحد أهم الأسباب فى ابتعاد الراهب أنطونيوس السريانى (البابا شنودة) عن الأب متى المسكين والذى كانت تجمعهما علاقة أب وتلميذه. وبحسب شهادة الأب باسيليوس نصح الراهب باخوم والذى كان صديقًا قويًا الراهب أنطونيوس قائلا: « لن تكون بطريركًا ما لم تبتعد عن المسكين»، وهو ما تم بالفعل.
كان الأنبا أغريغوريوس علامة فى علوم الكنيسة القبطية، مما جعل البابا كيرلس السادس يقوم برسامته أسقفًا للبحث العلمى فى نفس الوقت الذى اختار فيه الأنبا أنطونيوس (البابا شنودة) ليكون أسقفًا للتعليم وهو الأمر الذى يعد بداية الخلاف بينهما، فقد أرسل له الأنبا أنطونيوس خطابًا يؤكد فيه رفضه لرسامته، حيث اعتبر ذلك تعديًا على المنطقة الخاصة به واصفًا بأنهما بذلك يكونان قد خالفا التعاليم الكنسية ويكونان اثنين رسما بمنطوق واحد.
ومن هذا المنطلق طالب الأنبا شنودة من الأنبا أغريغوريوس أن يطلب أن تكون رسامته أسقفًا عامًا دون تخصص، وذلك تجنبًا للوقوع فى أى خطأ كنسى، وهو الأمر الذى آلم الأنبا أغريغوريوس ورفضه، وبالفعل تم برسامته أسقفًا للبحث العلمى.
ومن هنا بدأت المشكلات بين الصديقين خاصة بعد وصول الأنبا أنطونيوس للبابوية، مما كانت نتيجته إصابة الأنبا أغريغوريوس بأول أزمة قلبية نتيجة سوء المعاملة.
كانت الفجوة الكبيرة بعد أن اختير من ضمن اللجنة الخماسية أثناء التحفظ على البابا شنودة، وهو الأمر الذى وضعه فى دائرة انتقام الأسقف الحديدى والذى أكد بعد خروجه من المعتقل أن تعاليم أسقف البحث العلمى خاطئة، مما دفع الأخير لأن يوجه خطابًا له بمطالبته بصحيفة التهم الموجهة إليه إلا أنه تجاهلها مما دعاه لأن يكتب خطابًا آخر له يحثه فى سرعة إرسالها.
وفى النهاية توفى أسقف البحث العلمى كمدًا وحزنًا بعد أن ساءت حالته الصحية نتيجة لمعاملة البابا شنودة له والتى وصلت لرفضه مقابلته ومطاردة سكرتير المجمع له فأصيب بأزمة قلبية أخرى ولم يعد قلبه قادرًا على الحياة فتوقف عن النبض.
وللأسف الأسقف الآخر الذى عانى بشكل كبير أيضًا هو أحد أهم أعضاء المجمع المقدس فى ذلك الوقت والذى له إنجازات كبيرة جدًا، لكنه أهدر حقه كثيرًا وكان هو الآخر يتمتع بصداقة قوية مع البابا شنودة، حيث إنه خريج نفس الكلية آداب تاريخ هو الأنبا يؤانس أسقف الغربية.
تعاليم الأنبا يؤانس كانت قائمة على احترام الآخر، وهو ما انعكس على علاقته بالطوائف الأخرى، وكان الفكر الذى يتبناه أسقف الغربية أن الكنيسة القبطية قادرة على استيعاب كل الاختلافات دون اتهام أحد بالهرطقة، وهو نفس الفكر الذى كان يعتنقه الأنبا أبيفانيوس الراحل وهو أحد أبناء إيبارشية الغربية.
كان الأنبا يؤانس يؤمن بالتخصص ويحب أن يعطى كل شخص حقه، فعلى الرغم من علمه الواسع فإنه لم يكن يدرس إلا التاريخ وهو ما تخصص به، ورغم اختلافه فكريًا مع الأنبا أغريغوريوس فإنه كان يستضيفه يوم 6 أكتوبر من كل عام فى لقاء كبير بخدام إيبارشيته كلها ويتركه يقوم بذلك اللقاء.
وأكبر دليل على قدرة هذا الرجل على احترام الجميع تتجسد فى أن أغلب أبناء إيبارشيته تتلمذوا على يد الأب متى المسكين ومنهم من أصبحوا رهبانًا هناك.
إلا أن الأنبا بيشوى لم يتركه هو الآخر خاصة بعد اختياره فى اللجنة الخماسية أيضًا، ولكن كانت بداية التربص به جاءت عبر تربصه بجورج بباوى والذى كان أحد مدرسى كلية الإكليريكية بطنطا، فكان أول ما بدر تجاه الأنبا يؤانس هو توجيه رسالة له من البابا شنودة كانت عبارة عن قرار منع جورج بباوى من التدريس أو سحب الاعتراف بإكليريكية طنطا وهنا كان رد الأنبا يؤانس الشهير، «أن هذا الأسلوب فى معاملة جورج يقتله، وإذا كنا نقتل أولادنا هكذا ونحن فقراء، فماذا يبقى لنا»؟
وكان الأنبا يؤانس ينظر إلى الوضع بأنه مسئول عن جورج بباوى، حيث إنه تحت رعايته، مما جعله يشعر بأن الإهانة موجهة له هو.
وللأسف الشديد لم يترك الأسقف الحديدى الأنبا يؤانس مستخدمًا قضية جورج بباوى كشوكة دائمة له، مما أدى فى النهاية إلى خضوع الأسقف لعملية قلب مفتوح ليتوفى بعدها بفترة قليلة بهدوء، ولكن قبل أن يرحل كان قد أرسل خطابًا لجورج يؤكد فيه أنه يشعر بمعاناته، وذلك من إحساسه بمسئوليته تجاهه خاصة أنه كان يرى أن الكنيسة المصرية تستوعب الجميع وتحتضنهم، وهو الأمر الذى جعل خدام الغربية من أقوى الخدام على مستوى الكنيسة.
هناك نماذج كثيرة للإصلاحيين فى الكنيسة المصرية ولم تختلف نهايتهم كثيرًا عن سابقيهم إلا أن الوضع الآن أصبح أكثر ضراوة خاصة إذا اعتبر الأسقف الحديدى أن من يجلس على سدة الكرسى المرقسى الآن بمثابة أحد الإصلاحيين فماذا يفعل الآن تجاهه؟