الإثنين 29 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري

..ومدير «بيت الحكمة» أحمد السعيد: الصين تستثمر فى الثقافة بمبدأ «الغاية تبرّر الوسيلة»!

..ومدير «بيت الحكمة» أحمد السعيد: الصين تستثمر فى الثقافة بمبدأ «الغاية تبرّر الوسيلة»!
..ومدير «بيت الحكمة» أحمد السعيد: الصين تستثمر فى الثقافة بمبدأ «الغاية تبرّر الوسيلة»!


يتحدّث أحمد السعيد - مدير بيت الحكمة - بلغة الأرقام وحسابات المكسب والخسارة فى المنتج الثقافى. هو يُفسّر فكرة قيام صرح مثل بيت الحكمة بأنه «عندما تستقرّ الأمم، تتّجه للفكر الدينى والثقافى. وأنه كلما توسّعت إمبراطورية ما اتّجهت لغزو البلاد المجاورة». لا يرى السعيد فى مصطلح الغزو شيئًا منفّرًا أو إيحاءً يرفضه «لأن الغزو أحيانا يُفيد». هدف الغزو فى وجهة نظره بالتطبيق على التجربة الصينية «لم يكن اقتصاديًا فى البداية، بل كان بهدف السيطرة. والسيطرة أحد مجالاتها الرئيسية هى الثقافة»، ثم بعد ذلك يُفيد الاستثمار فى الثقافة فى درّ مكاسب اقتصادية بالتبعية. يُكمل أحمد: «العالم حتى ستينيات القرن الماضى كان يرتدى ملابسه هو، ويأكل أكلاته هو، ثم بعدما خلقت أمريكا شيئًا اسمه القوى الناعمة بدأ العالم كله ينظر إلى العالم من حوله بمنظور أمريكى. فانتشرت مثلًا ثقافة التيك أواى».
ويشرح بالتطبيق على التجربة الصينية أن «الصين تُريد أن تقول إن هناك طريقًا مستقلًّا بها اسمه طريق الصين. وهى «الاشتراكية ذات الخصائص الصينية». وتعريفها ببساطة القول الدارج عندنا «اللى تكسبه العب به».. الغاية تُبرّر الوسيلة.. أو لا يهم لون القطة بيضاء أم سوداء المهم أن تصيد الفئران. وأخيرًا الممارسة تُنتج الحقيقة».
أسأله: كيف يتمّ العمل بهذا المبدأ فى بيت الحكمة؟ فيجيب: «نحن بالتطبيق على دولة مثل الصين، نكون أمام دولة تستعيد مجدها القديم من ألف وخمسمائة عام. وأصبحت فى فترة غير مسبوقة القوة الاقتصادية الثانية فى العالم، وبالطبع فإن للتقدّم السياسى والاقتصادى أذرعًا فكرية وثقافية». يأتى بيت الحكمة ضمن جهود تصدير الثقافة إلى الخارج، تمامًا كتصدير المنتجات فى الخارج كما يشرح السعيد. ويقول: «أصبحت عبارة «made in china» بمثابة ماركة عالمية. فالصين نظرت إلى نفسها على أنها مؤهّلة لهذا أكثر من الأمريكان والفرنسيين والألمان، نتيجة التاريخ العريق لثقافة تعود إلى خمسة آلاف سنة لم تنقطع ومع ذلك لا أحد يعرف عنها شيئًا. باختصار هى تمتلك المخزون الثقافى الذى يسمح لها بهذا».
ويُكمل: «أمريكا اليوم تبيع ثقافتها وتأخذ مقابلها أموالًا.. صناعة هوليوود مثلًا. أما نحن كدول عربية كان ولا يظلّ دورنا فى الحركة الثقافية العالمية هو دور المستقبل، دور المفعول به. على سبيل المثال هناك المركز الثقافى الفرنسى وجوتة اللذان يمتلكان سيطرة على الوضع الثقافى المصرى أكبر فى بعض الأحيان من سيطرة وزارة الثقافة المصرية نفسها».
يرى أحمد السعيد الذى درس اللغة الصينية وآدابها فى كلية اللغات والترجمة بجامعة الأزهر أنه «ليس لدينا فى منطقتنا العربية مُمثّلة فى مشاريعها القومية أى مشروع يهدف إلى إخراج الثقافة العربية للآخر». وأن مشاريع مثل كلمة فى الإمارات مثلًا، الأكثر إنفاقًا، وفى مصر سلسلة الجوائز أو المركز القومى للترجمة، فكلّها جهات «تسعى إلى نقل فكر وثقافة الآخر للمجتمع العربى،بينما لا تدعم مشاريع موازية لتصدير الفكر والثقافة العربيين إلى الخارج».
مشروعات الصين فى المجالات الثقافية بحسب كلام أحمد السعيد؛ هدفها الرئيسى هو تقديم الدعم لمن ينقل ثقافتها للخارج. بشرط أن يكونوا صينيين. فالصين تُقدّم الدعم لجهات صينية! ويضرب أمثلة على هذا بمشروع صينى كامل اسمه «ترويج الكتاب الصينى فى العالم» والسعيد من مستشارى هذا المشروع. كما أطلقت الهيئة الوطنية للصحافة والنشر فى الصين مشروعًا اسمه «كلاسيكيات الصين باللغات الأخرى». ووظيفة هذا المشروع ترجمة الأعمال ونشرها مع ناشرين أجانب دون دعم.
بعودة إلى بيت الحكمة الذى تأسّس فى 2011 فى الصين، كان الهدف، والكلام لا يزال على لسان السعيد، هو «نقل الثقافة الصينية إلى المنطقة العربية بناءً على مشاريع الحكومة الصينية». ثم يُكمل «وعلى استحياء سننقل بعض الثقافة العربية إلى الصين». لِِمَ تقول على استحياء.. أسأله؟ يردّ: لأن الثقافة ليست عاملًا مُربحًا. ولم يتم تحويل النشر والكتاب بعد فى المنطقة العربية إلى مشروع ضمن مشاريع الصناعات الثقافية؛ بالتالى من سيدفع الفاتورة؟.
يُكمل صاحب بيت الحكمة وجهة نظره بأن مشروعًا مثل تبادل النشر والترجمة بين الصين والدول العربية موقّع بين جامعة الدول العربية والحكومة الصينية واختير بحسبه هذا العام 25 عملًا عربيًا للترجمة إلى الصينية، شملت المعلّقات السبع، أعمالًا لجمال الغيطانى، بهاء طاهر، يحيى الطاهر عبدالله، عبدالحكيم قاسم، سهير المصادفة، فاطمة المزروعى من الإمارات، بن سالم حميش من المغرب. ومؤخرًا علاء الأسوانى الذى تُرجمت أعماله كاملة إلى الصينية، ما عدا «عمارة يعقوبيان»، التى رُفضت لأسباب سياسية وأخلاقية، تمّت عبرة فى السنوات الأربع الأخيرة ترجمة حوالى 40 عملًا عربيًّا ومصريًّا. وكلّ هذا بالتعاون مع النشر «الحكومى» الصينى، لأن هناك 580 دار نشر حكومية فى الصين، يقول أحمد السعيد، ولا يوجد قطاع خاص: «هناك وزارة الدعاية الصينية كغطاء أكبر لما يُسمى جهة صينية حكومية».
يعود للتأكيد: «أقول على استحياء لأنّنا لا نأخذ دعمًا من المنطقة العربية، ومحاولات الخليج مثلًا لترجمة كتب عربية إلى الصينية جميعها قوبل بالرفض لأن أغلبها ذو محتوى إسلامى بحت. والصين دولة لا دينية لا تقبل أن تنشر كتبًا كهذه».
بيت الحكمة كما يشرح مديره أحمد السعيد هو مجموعة اقتصادية تدير فى لوائها تسع شركات. «بيت الحكمة تُخدّم على مشروعات الصين الثقافية».. نحن نشارك فى الزخم وننفّذه لا نُقيمه. يقوم بيت الحكمة بإنتاج الأفلام الوثائقية. أبلكيشن للترجمة. بنوك معرفية باللغة العربية، تعاقد بيت الحكمة مع الهيئة العامة للكتاب على خمسة آلاف عنوان يتم تحويلها إلى مكتبة رقمية للتقديم إلى الجامعات الصينية وأقسام اللغة العربية فيها. هناك 43 جامعة صينية تُدّرس اللغة العربية. وأخيرًا يعمل بيت الحكمة فى مجال الدبلجة وإنتاج المرئيّات بالتعاون مع شركات صينية.
يستفيض مدير بيت الحكمة بأننا فى المنطقة العربية «نعرف كثيرًا عن الروس، ولا نعرف شيئًا عن الصين». وأن «تجاربنا ما قبل بيت الحكمة أو ما قبل طرح مبادرة الحزام والطريق الصينية، كانت ترجمة عمل أو اثنين طوال العام عن الصينية، نكون قد سمعنا عنه من الغرب كما فعلت سلسلة الجوائز مثلًا. ولم نكن نعلم أن الصين لديها مشاريع داخل الدولة الصينية لدعم جهود النشر الصينية لنقل الثقافة الصينية لأى مكان فى العالم بواسطة أى شكل من أشكال المنتج الثقافى».
مؤخرًا شهدت العلاقات الصينية العربية طفرة ستكون مركزها الإمارات.. هكذا يبدأ أحمد السعيد الحديث هذه المرّة عن الفرق بين الجهود الحديثة وما سبق تحقيقه فى سنوات ماضية فى إنتاج المسلسلات وأفلام الكارتون الصينية المدبلجة، كأحد أنشطة بيت الحكمة. يعود للتأكيد على المبدأ الميكيافيللى: «الصين دولة قويّة تنشر ثقافتها فى العالم على نفقتها الشخصية. ونحن فى الوطن العربى مُعتادون على نقل ثقافة الآخر».
يُدلّل على ذلك مثلًا بأن فى الصين منذ العام الفائت، يلقى كتابان تُرجما بالصينية عن الإنجليزية لإسرائيليين رواجًا هائلًا. الأوّل اسمه «تاريخ دولة إسرائيل» والثانى «تاريخ اليهود فى العالم». «الثقافة فيها دفع، ولا بد على الدولة أن تتحمّل الفاتورة» هكذا يقول. بين إسرائيل والصين تعاونات اقتصادية وزراعية وعسكرية هائلة. أمّا فى أوطاننا العربية وفى مصر، فما زلنا نقع فى شَرَك الدين والتطبيع.
أسأله عن الأدب المصرى الجديد وكتابات الشباب، هل تترجم إلى الصينية عبر بيت الحكمة؟
يجيبني: هناك عناوين كثيرة لا نستطيع ترجمتها، مكتوبة بالعامية أحيانًا. بعضها يركّز على الشق السلبى وشقّ الجريمة والجنس. وبتعبيره «ما بنلاقيش حاجة مثلًا زى ثلاثية نجيب محفوظ».