الأحد 5 مايو 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري

طايع.. خزانة وبابها مسكر

طايع..  خزانة وبابها مسكر
طايع.. خزانة وبابها مسكر


 فـيلم «المومياء» هو الكتاب المقدس حول فكرة الآثار المنهوبة والمصائب المسكوت عنها، تراثنا وإرثنا الذى ضاع ويضيع. هذا النهر الذى لا يجف من الآثار، رغم مرور آلاف السنين على دفنه ومئات السنين على اكتشاف أول ما ظهر منه، إلا أن الكنز لا يفنى، وكأنه يتجدد من العدم.

فى رائعة «شادى عبدالسلام»، «المومياء» ذهبنا عبر لوحات سينمائية أصبحت تعد من التحف الفنية التى تنافس فى جمالها أعمال الفراعنة أنفسهم، ومنذ «المومياء» أصبح من الصعب على أى فنان أن يقدم عملا عن عالم سرقة المومياوات، والعائلات المتخصصة فى ذلك والأفندية المدركين لأهمية تلك الآثار، والتجار الذين نهبوها...لكن مسلسل «طايع» قرر أن يدخل هذا التحدى.
فى «طايع» نجد أنفسنا أمام ذاك (الهم) من جديد، سرقة الآثار، شيء يدفعك للغضب والسخط على (النهيبة) سارقى كنوزنا.. وغضب وسخط أكبر على من يتعاونون معهم فى الكشف والتنقيب والتهريب.. مأساة لا تتوقف كحال الكنوز التى لا تنتهى، تمر السنين وتتغير العهود والأنظمة ويظل الحال على ما هو عليه. ما زلنا بمنتهى البساطة (نُنهب).. وفى دراما صعيدية أصيلة وعصرية، تتوافق مع التقاليد التى لا تزول، وظروف العصر الجديد. نتابع الحكاية من وجهة نظر البطل «طايع – عمرو يوسف».
«طايع» الذى يطيع كل من حوله: «أمه، أخته وأخاه، حبيبته وأباها، اللص وأبناءه ومن حوله، الضابط، ومن وراءه، حتى عالمة الآثار».. لكن بالرغم من طواعية «طايع» للجميع إلا أنه لا يطيع نفسه، ويتركها لأقدارها دون أى محاولة منه للتدخل، ويكفيه خوفه على أحبابه وخوفه الأكبر من أعدائه.. لحظة التحول فى حياة «طايع» تأتى عندما يكتشف أنه «دلال»، وهو مصطلح يطلق على من لديهم حدس بوجود مقابر فرعونية مدفونة فيصابون بحالة أشبه بالنوبة الصرعية الخفيفة ويدلون عليها اللص الكبير أو «النهيب»..
مضطرا ما زال يخضع «طايع» لابتزاز (اللص حربى – بأداء متميز من عمرو عبدالجليل) وفى نفس الوقت يسيطر عليه (الضابط سراج – بأداء متوازن من محمد على).
سيناريو وحوار هذا المسلسل الذى شارك فى كتابته الإخوة (محمد وخالد وشيرين دياب)، يعتبر من أفضل السيناريوهات التى تشهدها دراما هذا العام والسبب يعود إلى عاملين فى غاية الأهمية: الأول البناء الدرامى المحكم والمسيطر على إطار القصة الرئيسية والثانى هو الصراع المحتدم طوال الوقت بين مختلف الكيانات والشخصيات، فمن صراع الثأر بين «طايع» و«جابر» والثأر الثانى بين «حربى» والعمدة، وصراع رجال القانون مع ناهبى الآثار وصراع ناهبى الآثار مع المهرب الكبير.. وفى ذات الوقت نشهد صراعات رومانسية تتكشف أوراقها مع كل حلقة جديدة فمن قصة حب «طايع» و«مهجة»، وحب «جابر» لـ«مهجة»، وصراع الأخت «أزهار» وزواجها الإجبارى من «ضاحى – ابن حربى».. السيناريو يتضمن أيضا تاريخا لكل الشخصيات التى نراها أو حتى تلك التى رحلت ونستمع لحكاياتها على لسان الأبطال، نعرف تاريخ الأسر وأزماتها والكوارث التى حلت بها..
 نجد فى عيون الأبطال الحزن على الراحلين ويتجلى ذلك فى حزن «طايع» على والده وحزن «حربى» على ابنته.. ولكن الهدف الأهم فى السيناريو هو الدفع المتواصل لفكرة الآية الإنجيلية «الآباء يأكلون الحصرم والأبناء يضرسون»، فالأبناء هنا يدفعون ثمن أخطاء الآباء، سواء بخضوعهم للعمل مع اللصوص مثل مصير الولدين «طايع» و«فواز» نتيجة ما كان يفعله والدهم من نهب المقابر.. أو مآسى الثأر ورغبة الأمهات والآباء فى أن يدفع أبناءهم ما ارتكبته أيديهم من جرائم قتل بأن يستمروا فى ذات الدرب لإراقة المزيد من الدماء.
العناصر الفنية لهذا المسلسل هى نقاط قوته باستثناء التصوير الذى اعتمد فيه المصور على الأسلوب السينمائى أكثر منه التليفزيونى وهذا ما جعل الصورة معتمة أكثر من اللازم فى الكثير من المشاهد سواء بضرورة أو بدون.. بينما الإقناع بمصداقية الحكايات يغزلها الديكور الذى يمكن وصفه بأنه «مثقف» وواع لكل التفاصيل سواء البيوت أو المقابر، والإيقاع اللاهث للأحداث يساعدها المونتاج بإيقاعه السريع أيضا.. أما أهم العناصر الفنية التى ترفع من شأن العمل ككل فهى التمثيل والذى يحسب لكل الأبطال كبارا وصغارا فهمهم لأبعاد أدوارهم وتفاصيلها التى تزيد من بريقها.. التمثيل هنا يتطلب التوقف قليلاً وتأمله، لنجد أن أهم ما يميزه عاملان غاية فى الأهمية، الأول أن أداء جميع الممثلين يوحده تناعم يزيد من بريقه، خاصة وأننا أمام مجموعة كبيرة من الممثلين من أجيال مختلفة وخبرات متفاوتة، أما العامل الثانى والأهم فهو أن كل ممثل التزم بحدود فى الأداء دون زيادة أو نقصان وعلى الرغم من وجود الكثير من المشاهد التى كان يمكن فيها للممثلين أن ينطلقوا فى الأداء بانفعالات أكثر، لأن الموقف يحتمل ذلك، إلا أنهم لم يستغلوا هذه المواقف حتى لا يخرجوا عن الإطار المتوازن الذى يسيرون عليه منذ البداية.. لذلك حتى وإن كانت بعض الأدوار صغيرة، تلمع أحياناً وتخفت أحياناً، إلا أن أصحابها يظهرون فى أفضل حالاتهم ويقدمون أداء يحسب فى تاريخهم الفنى وعلى رأسهم «عمرو يوسف» و«صبا مبارك» من الأجيال الأكبر «عمرو عبدالجليل» و«رشدى الشامى» والأجيال الصاعدة يتميز «أحمد واش»، «على قاسم» و«مى الغيطى» أيضا الموسيقى التصويرية التى وضعها «طارق الناصر»، والتى تمكن بها من توصيل المشاعر التى يعيشها أبطال القصة واستطاع من خلالها أن يمنح روحا للمكان بالغوص فى أعماقه والالتزام بطبيعته وفلسفته وتجلى ذلك فى أغنية التتر التى قدمها «وائل الفشنى» بالأسلوب والإحساس المطلوبين للتعبير عن حالة (العديد) المستخدمة فى الرثاء عند أهل الصعيد.. لتكون الموسيقى بمثابة المفتاح الذى يمكن استخدامه لفهم «طايع» الذى يشبه الخزنات المغلقة أبوابها بإحكام.>