الأربعاء 1 مايو 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري

العوالم الافتراضية فى الدراما التليفزيونية

العوالم الافتراضية فى الدراما التليفزيونية
العوالم الافتراضية فى الدراما التليفزيونية


إن الدراما بالفعل علم من العلوم الإنسانية خاصة فى عالم معاصر تداخلت فيه العلوم والفنون، وخلقت مسافات متداخلة اصطلح على تسميتها بالعلوم البينية وعلم النقد للفنون الدرامية هى علم متصل بالدراما، ظهرت نظرياته وتجلياته فى النقد المسرحى، ونقد السرد والنقد السينمائى، وفنون الأداء المعاصرة، إلا أن نقد الدراما التليفزيونية لم يحظ بحظ وافر خصوصا فى المجال النظرى لأنها صناعة لاتزال ناشئة مع بدايتها فى مطلع ستينيات القرن العشرين بالمقارنة بالصناعات الدرامية الإبداعية الأخرى، كما أن طبيعة المسلسلات الرمضانية الطويلة التى يستمر عرضها مدة طويلة يصعب إدراك تسلسلها الجزئى كل على حدة.
 ولذلك فالوعى الجمالى بها وصفًا وتقييمًا مسألة تحتاج لمتابعة دقيقة لعلاقة الكل بأجزاء، وهى النظرة الأقرب موضوعيًّا للدراما التليفزيونية، حيث يجب الانتظار والتأمل للكل وأثره العام وطريقة البناء الفنى للدراما المكتملة، مع الوعى بضرورة تأمل الأجزاء -الحلقات المتتابعة-، بما تتيحه من نقد للممثل والمخرج والمناظر وعناصر الدراما الأخرى المسموعة والمرئية وهى مسألة ممكنة بشكل مثالى خلال الموسم السنوى الأكثر كثافة فى العرض والمشاهدة، حيث يصبح العالم الدامى الخيالى فى شهر رمضان هو موضوع الحكى الجماعى واهتمام الناس فى مصر والوطن العربى.
ولذلك يمكننا متابعة الجزئى ونقده والكتابة عنه إلا أن التحليل والتفسير والتقييم الموضوعى غير ممكن إلا بعد الإدراك الجمالى للدراما ككل.
ولذلك فما هو متاح من نقد الأجزاء على سبيل المتابعة هو تمهيد تطبيقى لاكتمال الرؤى النقدية بعد اكتمال الدراما ككل، ولعل أول ما يمكن أن يهدف إليه نقد الأجزاء تمهيدًا لنقد الكل المكتمل هى مخاطبة الجمهور العام قبل صناع الدراما والنخبة، والتواصل النقدى معهم بهدف إحداث خلخلة فى تقاليد المشاهدة والتلقى القائمة على الطاعة والامتثال والتى تعود إلى نظام تعليمى فى مراحله المتوسطة والعامة يرسخ التلقين؛ ويعطل مهارات العقل النقدى القادر على المناقشة والقبول والرفض، ذلك أن الدراما كعلم وصناعة ومعها النقد يجب أن يكون الهدف المباشر منها بالإضافة للإمتاع والتسلية والتخلص من العواطف السلبية الضارة، هو التشجيع على التلقى الفاعل عبر إثارة التفكير والمشاركة.
لأنه وفى حقيقة الأمر وبشكل نسبى يجب الاعتراف بأن الوطن العربى فى معظمه برغم تعرضه لموجات الحداثة وما بعدها وامتلاكه لتكنولوجيا المعلومات والاتصال كثيفة الانتشار، إلا أن البنية الاجتماعية والثقافية فيه لا تزال تحتاج إلى ممارسة حقيقية لمفاهيم الحداثة فى عالم معاصر، وواحدة من هذه المفاهيم المعاصرة هى تربية الذائقة الفنية القادرة على امتصاص التأثيرات الإيجابية للصور الدرامية الكثيفة، وليس مجرد تلقيها والامتثال لإعادة إنتاجها وتقليدها ومحاكاتها فى الحياة اليومية، كما لاحظنا جميعنا خلال السنوات الماضية، حيث أعاد عدد من المواطنين إنتاج مشاهد درامية عنيفة كما حدثت فى الصورة الدرامية.
وهى مسألة تحتاج لشرح وتفسير فنى ونفسى يجب إيضاحه للجمهور ولصناع الدراما معا لإدراك أهميتها ومدى قدرتها على التأثير فى الوعى العام، وأيضا فى اللاوعى الجماعى للجمهور.
لأن الصور وطريقة ارتداء الملابس وإطلاق اللحية أو الشعر بصيغة مميزة، والأفعال وردود الأفعال وحل الصراعات الدرامية وترتيب البيوت ووسيلة التفاعل مع الثروة والقوة والحب والنظرة للمرأة، وما إلى ذلك يناقشها الوعى، أما فائض الصور الكثيف فيبقى فى اللا شعور ويظهر بشكل لا إرادى فى تقمص الفرد خارج الدراما للبطل المحبوب الذى شاهد أفعاله، بل وتحدد تلك الصور مفاهيم اجتماعية عامة تحكم تقدير المجتمع لأفكار كالشرف والزواج والعمل والثورة والمواطنة، إنها الصور النمطية العامة صانعة الصور الذهنية.
إن هذا التقمص من الجمهور بشقيه الإيجابى والسلبى أمر حادث مع المسرح والسينما، لكنه حادث بطريقة أعمق مع الدراما التليفزيونية لسهولة وصولها عبر الشاشات اللامتناهية لجمهور كبير، وهذا التقمص يصل مع بعض الأفراد والجماعات الفئوية الخاصة ذات الوعى المحدود الذى لم يمارس التفاعل مع مصادر وعى جمالية أو ثقافية متنوعة، لدرجة التوحد، ويصل إلى أقصى مدى إذا ما ارتبط بنجم أو نجمة محل عشق وجاذبية طاغية.
ولذلك فإن واقع الصورة الدرامية من فرط كثافته وتعدده يكاد أن يخلق عبر العالم الافتراضى عالمًا موازيًا للعالم الواقعى.
وهو الأمر الذى امتد أثره إلى الألعاب الإلكترونية، حيث حدث لبعض من الناشئة درجة من التقمص بحثًا عن تميز ما وهربًَا من واقع ضاغط، ذهبت ببعضهم إلى حد سلب الإرادة ودفعهم لأفعال مذهلة وهو أمر حادث أيضا مع سحر فائض الصور فى العوالم الافتراضية على الشبكة الدولية للمعلومات، صور متنوعة وعلى رأسها الصور الأكثر إتقانا ألا وهى الصور الدرامية التى تحكم سلوك الناس ورؤيتهم للأمور، وإن بدت سهلة وعلى سبيل المشاهدة العادية.
ولذلك فيجب الاهتمام الثقافى وإعمال النقد الجاد الموضوعى فى الدراما التليفزيونية، لأنها الصناعة الدرامية الأكثر ثراء وتأثيرا الآن فى مصر والوطن العربى.>