الخميس 2 مايو 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري

أسئلة الماضى والحاضر فى الدراما العربية

أسئلة الماضى والحاضر فى الدراما العربية
أسئلة الماضى والحاضر فى الدراما العربية


تتجدد كل فترة أسئلة متكررة فى الفن المصرى معظمها يدور حول علاقة الوافد بالموروث وسؤال الهوية، أو عن موقف السلطة الحاكمة منه، وموقف أهل الدين وموقف المجتمع ممثلًا فى المؤسسات الاجتماعية المختلفة.

إنه الساحر الجذاب الذى يمتدحه الجميع ويلعنه أيضًا إنهم نجوم الفن موضوع العشق والإعجاب صناع نماذج السلوك، وموضع النقد المجتمعى، إذ يبقى الفن وأهله طوال الوقت على مسافة بعيدة من الإدماج الحقيقى، مسافة للشك والاسترابة وبتأمل الأسئلة المعاصرة فى مصر الآن حوله، يمكن العودة لفهمها ومحاولة وضع حلول مستقبلية لها بتأمل البدايات الحديثة لها مع رواد الفن الدرامى فى مصر والوطن العربى، وذلك أن تلك الأسئلة والقضايا لا تزال مطروحة بشكل نسبى على الوطن العربى كله فى صيغ قديمة ومعاصرة معًا.
حيث يمكن ملاحظة أن مصر والشام هما مهد بدايات الفن الدرامى فى صيغته الحديثة المأخوذة عن المسرح الأوروبى، فقد عمل كل من مارون النقاش اللبنانى المسيحى، وأبوخليل القبانى السورى المسلم، ويعقوب صنوع المصرى اليهودى، وثلاثتهم من المتدينين والعارفين باللغات الأجنبية والمتصلين بالأدب والثقافة على تقديم المسرح فى قالبه الغربى متجاهلين تراثًا طويلًا من الفنون الشعبية التمثيلية مثل الحكواتى والمحبظين والسامر وفنون التمثيل العرائسى كخيال الظل والأراجوز.
إلا أن ذلك التراث قد ظهر فى عملهم رغم إرادتهم بل إن هذه الذائقة الشعبية مدمجة فى فنوننا التمثيلية المعاصرة وتطل برأسها واضحة سواء عبر وعى المبدع أو لا وعيه.
وقد فكر مارون النقاش «1817/1855» فى نقل المسرح الغربى كما شاهده فى إيطاليا محدثًا جمهوره فى عرضه الأول لمسرحية البخيل «1847» فى بيروت فيقول فى ذلك:
«وها أنا متقدم دونكم إلى قدام محتملًا فداء عنكم إمكان الملام مقدمًا لهؤلاء الأسياد المعتبرين بهذا العصر، مبرزًا لهم مرسحًا أدبيا وذهبا أفرنجيا مسبوكا عربيا...».
من الواضح إذن إدراكه لطبيعة المجتمع وموقفه المحافظ وهو المجتمع الذى أقبل على مسرحه حيث سمح له الوالى ببناء مسرح بجوار بيته بعد موافقة النخبة، لكنه تركه وحيدا يواجه غضب الكنيسة المارونية ولم يستمر دعم السلطة الحاكمة له وتركته يحيل مسرحه لكنيسة تعبيرًا عن الندم واسترضاء للمجتمع، الذى لم يسمح للنساء فى بيروت بالتمثيل وكان الصبية هم من يقومون بالتمثيل، وكذلك حدث فى دمشق مع الشيخ المعمم أبى خليل القبانى «1833/1902» الذى اتهمه المتشددون بدفع الرجال للتشبه بالنساء وتمثيل أدوارهم وطاردوه بأبيات هجاء شعرية وضعوها على لسان الصبية فى شوارع دمشق حتى هرب إلى مصر، وقدم مسرحه الغنائى الناجح وتمكن من وضع النساء على خشبة المسرح فى القاهرة وهن من الفقيرات المعدمات ومن هامش المجتمع، وإن كان القبانى قد نجح نجاحًا كبيرًا فى دمشق إذ أنه بدأ عمله بوضع التراث العربى فى قالب المسرحية العربية، وأطلق على مسرحه مسرح الليالى لأنه كان يستمد مادته من حكايات ألف ليلة وليلة، وحرص على إدماج الألحان والرقصات فى عمله، وقد كان على معرفة واسعة بالموسيقى، وخاصة موسيقى ورقصة السماع التراثية الشهيرة ومن أشهر أعماله الغنائية لحن يامال الشام الحى فى الوجدان العربى حتى الآن.
ولكنه تعرض للاضطهاد بحجة تصويره خليفة المسلمين هارون الرشيد محبًا للجوارى والنساء وتمت مصادرة أمواله، وبعد رحيل والى دمشق مدحت باشا الذى منحه حرية العمل، انقلب عليه حمدى باشا وأغلق مسرحه لتعرضه لشخصية الخليفة وتم استخدام الدين كسلاح للمطاردة والتشهير.
أما يعقوب صنوع «1839/1912» فقد كان قريبًا أكثر من القصر الحاكم فى مصر، وهو الذى كان الخديوى قد أعده لاستقبال الفرق الأجنبية.
ولم يلق صنوع من اليهود فى مصر اعتراضًا دينيًا، لكنه لم يحظ بدعم من حاخامات المعبد الذين كانوا ينظرون للفن نظرة استرابة أيضًا ويرونه بدعة علمانية قادمة من الغرب، بصورته الذهنية الملتبسة فى ذهنية رجال الدين فى الوطن العربى، وإن حاول البعض المبالغة فى دوره وإخراجه من مواطنته المصرية نحو هويته الدينية، وقد حدث ذلك مع النصف الثانى من القرن العشرين، ولكن تظل مصريته هى جوهر تعامل الباحثين الجادين مع فنه، وتبقى ديانته دليلًا على حيوية مصر فى باب حرية الاعتقاد الدينى، إلا أنه أيضًا لاهتمامه بقضايا الشعب آنذاك وتصوير مشكلاته، والإشارة لأحد أفراد أسرة محمد على فى مسرحه ولتواصل الجمهور معه تم إغلاق مسرحه بقرار من القصر الملكى، وتم استخدام بعض من رجال الدين للتعليق على وجود النساء فى مسرحه وهما فتاتان يهوديتان فقيرتان علمهما صنوع القراءة والكتابة والتمثيل.
وظلا على هامش المجتمع رغم استمتاعه بفنهما وفن صنوع.
وتظل إلى الآن فى حاضرنا نظرة استرابة ما للنساء فى الفن ونظرة أحكام أخلاقية ذات مرجعية دينية وتدخل رقابى يؤدى للمنع والتهديد بالإغلاق ومراوحة دائمة بالنظر للغرب واتخاذه معيارا لتقييم إنتاج الفن الدرامى المصرى والعربى، بينما تظل أسئلة الهوية حاضرة وأسئلة عن دور الفن فى التنوير وأسئلة عن دفاع المجتمع الحقيقى عن الفن والفنانين، شوارد البدايات هى وشواغل الحاضر المعاصر، حول الفنون الدرامية الجماهيرية المحبوبة المعشوقة والمحاصرة معًا. 