الأربعاء 15 مايو 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري

الحرب السينمائية الأولى على «نتفليكس»

الحرب السينمائية الأولى على «نتفليكس»
الحرب السينمائية الأولى على «نتفليكس»


شهد مهرجان «كان» السينمائى فى موسمه الماضى حدثًا قَلّما يطرأ على المهرجانات العالمية، إذ صاحت الجماهير استهجانًا حين ظهَر شعار شركة «نتفليكس» للإنتاج السينمائى أثناء عرض فيلم «Okja»، بَيْدَ أن السينمائيين أنصار مبدأ «شاشة كبيرة تعنى خبرة كبيرة» شعروا بالانزعاج نتيجة عرض أفلام من إنتاج شركة ناشئة مثل «نتفليكس»، فضلاً عن تضارب تلك الأفلام مع طبيعة المهرجان، إضافة إلى القانون الفرنسى الذى يفرض على الأفلام ويَنُصّ على أن الفترة الزمنية بين طرح الأفلام فى دور السينما وإتاحة عرضها للجمهور على أى وسائط أخرى، يجب ألا تقل عن 36 شهرًا.

وهذا العام قرر القائمون على إدارة «كان» منع عرض أى أفلام تخص شبكة «نتفليكس» بالمسابقات الرسمية، ومشاركتها فقط بالمسابقات غير الرسمية، أى لن تنافس على السعفة الذهبية.. دفعت هذه الخطوة «تيد ساراندوس»، الرئيس التنفيذى لشبكة «نتفليكس»، إلى الإعلان- بشكل غير صريح- عن مقاطعة الشبكة للمهرجان، ونقلت شبكة «هوليوود ريبورتر» عن مصادر مسئولة داخل «نتفليكس» قولها إن الشبكة ستمتنع عن مشاركة أفلامها فى المسابقات والبرامج الأخرى التى يتضمنها «كان» احتجاجًا على القرار، وأنها ستؤجل هذه الخطوة حتى يتم الإعلان عن الأفلام التى ستُشارك فى الدورة المقبلة.
الحرب على «نتفليكس» امتدت أيضًا إلى هوليوود، إذ إن المخرج البريطانى الكبير «كريستوفر نولان» انتقد مؤخرًا ترشح أفلام تلك الشبكة لجوائز الأوسكار، معتبرًا أن عرض أفلامها فى دور العرض لمدة أسبوع، أمر لا يحترم روح السينما ، وهو الأمر الذى جعل المخرج «ستيفين سبيلبرج» يرى أن «نتفليكس» غير جديرة بعرض أفلامها فى مسابقة الأوسكار بل لجوائز الأيمى التليفزيونية فقط.
وبعيدًا عن كل ذلك، قامت مؤخرًا، بعض الشركات العملاقة مثل «أمازون» و«آبل» و«يوتيوب»، بالسير على نهج «نتفليكس» وشرعت فى إنتاج أفلامها ومسلسلاتها وبرامجها الخاصة بميزانيات ضخمة، لتنهى بذلك احتكار الأخيرة لصناعة الترفيه بشكل عام، وهو ما جعل المنتجين يخشون مصير السينما التقليدية وزوال دور العرض السينمائى، إذ إن الجمهور أصبح بإمكانه مشاهدة أحدث الأفلام والمسلسلات بعد عَشرة أيام تقريبًا من بداية عرضها فى قاعات السينما، وذلك بضغطة زِرّ واحدة.
يحيل بعض النقاد الفضل فى مسألة انقراض الشاشة الفضية إلى «نتفليكس» ومؤسسها الأصلى ومهندس البرمجيات «ريد هاستينجز»، الذى باع شركته «بيور آتريا» لشركة «راشونال» للبرمجيات عام 1997 مقابل 700 مليون دولار، وقرر هو وصديقه «مارك راندولف»، الذى كان يعمل معه فى شركته، تأسيس شركة لتأجير شرائط الفيديو والأقراص الرقمية، عندما اضطر إلى دفع غرامة قدرها 40 دولارًا لتأخيره شريط فيديو لفيلم «Apollo 13»، كان قد استأجره عَبْرَ البريد.
كانت «أمازون» هى قدوة الصديقين عندما عكفا على تأسيس الشركة برأس مال يقدر بنحو 2 مليون دولار، إذ إنهما كانا يريدان استخدام آلية «أمازون» فى توزيع شرائط الفيديو، ثم شرعا فى توزيع أفلام الفيديو عَبْرَ البريد، ولكن بأسعار زهيدة، وسرعان ما أدخلا صيغة الأقراص الرقمية «DVD» للسوق الأمريكية لأول مَرّة.
وبحلول 14 أبريل عام 1998، أُطلقت الشركة رسميّا بعدد موظفين جاوز الـ30 موظفًا، ووصلت الأفلام لديها نحو 925 فيلمًا، ولم تمر شُهورٌ قليلة إلا وقد اختفت شرائط الفيديو من الساحة، تاركة إرثها للأقراص الرقمية.
وذكرت مجلة «نيويوركر» الأمريكية، فى عام 2014، أن «نتفليكس» ابتكرت فكرة الاشتراك الشهرى للمَرّة الأولى عام 1999، وألغت بعدها بعام نظام تأجير الأفلام، ثم قدمت عرضًا بقيمة 50 مليون دولار، لشراء شركة «بلوكبستر» التى كانت تعتبر منافستها الوحيدة فى هذه الصناعة، إلا أن العرض قوبل بالرفض، ومع ذلك فى الفترة ما بين عامىّ 2000 و2001، حققت الشركة أرباحًا كثيرة، لتأتى هجمات 11 سبتمبر بمثابة ضربة قاضية للشركة، إذ انخفضت أرباحها بصورة هائلة وسرّحت أكثر من ثلثىّ موظفيها.
كان عام 2002 هو الانطلاقة الحقيقية نحو العالمية لـ«نتفليكس»، إذ طرحت الشركة للمَرّة الأولى اكتتابها العام فى البورصة وباعت 5.5 مليون سهم بسعر 15 دولارًا للسهم الواحد، ثم باعت بعد ذلك 825 ألف سهم إضافى بالسعر نفسه. وفى 2003 وصلت أرباح الشركة نحو 6 ملايين دولار، وبعد عامين من هذا التاريخ، بلغ عدد الأفلام فى مكتبتها 35 ألف فيلم، وكانت تقوم آنذاك بشحن مليون قرص مدمج فى اليوم الواحد، وذلك بحسب إحصائيات نشرتها مجلة «إيكونوميست» الأمريكية.
ما بين عامىّ 2002 و2010، احتكرت «نتفليكس» السوق والصناعة، وفى 2007 أعلنت عن رؤية جديدة لمُستقبل الترفيه انفردت بها عن منافسيها، حيث إنها بدأت فى عملية بث الفيديوهات عبْر الإنترنت، دون أى رسوم إضافية على المستخدم، وهو الأمر الذى لم يسعَ فقط لراحة العملاء، بل عمل أيضًا على تقليل تكاليف الخدمة بالنسبة إلى الشركة، فلم تعُد بحاجة إلى بيع أقراص رقمية فعلية، أو استئجار أماكن للتوزيع، أو حتى دفع تكلفة الشحن بالبريد.
وفى أغسطس 2010؛ أبرمت «نتفليكس» صفقة عملاقة بقيمة مليار دولار مع كبرى الشركات مثل «باراماونت» و«ليونز جايت» و«ميترو جولدين ماير»، وذلك لجلب أفلامها إلى مكتبتها الخاصة، لتقفز أرباح الشركة إلى 200 مليون دولار فى السنة.
إلا أن طموح الشركة كان كبيرًا لدرجة أنها فى 2011 أصدرت قرارًا تاريخيّا غَيَّر مستقبلها للأبد، إذ إنها سعت إلى إضافة محتويات أصلية إلى مكتبتها وبدأت فى إنتاج أعمالها الخاصة التى كان أولها مسلسل «House of Cards»، وسرعان ما توالت الإنتاجات لتشمل الأفلام والمسلسلات والبرامج الوثائقية، وعروض الستاند أب كوميدى،  حتى وصلت إلى 126 عملاً أصليّا فى 2016.
ووصلت عائدات «نتفليكس» السنوية فى 2017 إلى 559 مليون دولار، ثم اقتحمت الشركة سوق الشرق الأوسط للمَرّة الأولى، وقامت بتقديم دعم اللغة العربية، وسرعان ما بدأت فى إنتاج المحتوى العربى،  وكان أول إنتاجها فى المنطقة العربية هو «ستاند أب كوميدى» تم عرضه مؤخرًا ثم مسلسل «جن» الأردنى.
بحلول يناير 2018؛ أصبحت «نتفليكس» تملك 117.8 مليون مشترك حول العالم، وقدمت الشركة خدماتها إلى 192 دولة، ماعدا 4 دول هى: كوريا الشمالية وسوريا والصين والقرم، وذلك لسببين لا ثالث لهما: الرقابة المشددة أو الفقر المدقع.