الأحد 12 مايو 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري

حكايات من دفتر أحوال المسنين

حكايات  من دفتر  أحوال المسنين
حكايات من دفتر أحوال المسنين


6.4 مليون  نسمة  هم إجمالى عدد المسنين  فى مصر، بحسب آخر إحصائيات الجهاز المركزى  للتعبئة العامة والإحصاء.. فئة كبيرة أصبحت لا تجد الدعم والرعاية والاهتمام الكافى، وباتت مشاكلها تشكل هاجسًا كبيرًا، فى ظل انتشار ظاهرة عقوق الأبناء التى تترك لدى الآباء- خاصة من كبار السن- آثارًا نفسية سلبية.
داخل دور «المسنين» تختلف الوجوه وتتشابه الحكايات، الجميع هنا يبحث عن الإنسانية والونيس والأسرة المفقودة، بعيدًا عن هجر الأحبة والمقربين، حكايات قسوة الحياة وجحود الأبناء تمتلئ بها حجرات وأروقة دار المسنين.
«سعاد».. الجحيم يسكن فى الشارع
«سعاد» تبلغ من العمر 70 عامًا، لا تزال تتذكر تفاصيل حياتها قبل دخولها الدار، تقول والحزن يخيم على ملامحها وصوتها: «سعاد ليس اسمى الحقيقى بل تم اختياره لى منذ عامين من الدار التى أعيش فيها، وقصتى مع الدار بدأت عندما وجدنى فريق بحث الدار فى منزل قديم مهجور، تملأه الفئران والحشرات، حيث تحملت ألم تلك الحياة لأنى لا أمتلك مكانًا آخر ولا أتذكر أى معلومات عن حياتى وعن أسرتى فلم يبحث عنى أحد».
وتضيف: «كان طعامى اليومى من أيدى فاعلى الخير من المارة أمام الخرابة بالصدفة أو من يعلمون بوجودى فى المكان، وكنت أرتدى جلبابًا مهلهلًا ذا رائحة كريهة، ولم يكن يعلم أحد أننى قعيدة، الكل كان يتخيل أننى مختلة عقليًا، لأننى لا أتذكر أى بيانات عن أسرتى».
وتكمل سعاد حكايتها: «منذ اليوم الأول لنقلى لدار المسنين وحياتى أصبحت طبيعية  كإنسانة، بعد أن تم علاجى  ومداواة جسدى المصاب خلال الشهور الأولى لى بدار المسنين، وأعيش يومى حاليًا فى الدار بالعمل فى مساندة العاملات مقابل تواجدى هنا، ويوجد فى الدار عشر نساء غيرى اعتبرتهن أسرتى، ويومياتى أصبحت بينهن وكأننى طفلة صغيرة تعيد تكوين حياتها من جديد».
هل لى أبناء؟ وأين هم؟ ولماذا لم يبحث عنى أحد؟،- هذه الأسئلة أكثر ما يؤلم سعاد داخل الدار – وتكمل قائلة: «ما أعيشه الآن من حياة نظيفة وسط الأمان جعلنى أتخلى عن أى أسرة مجهولة خارج حدود تلك العتبات، وقد يتعجب البعض رفضى الخروج من الدار أى وقت مثل النزيلات خوفًا من الشارع الذى عشت به أصعب لحظات حياتى، وأكتفى بتعلم الحرف الصغيرة عن طريق المدربين فى الدار».
واختتمت سعاد قصتها: «أن الدار تقوم بعمل بحث عن ذوى المشردين، وهذا ما تقوم به  فى قصتى حاليًا، أملًا فى الوصول لأسرتى فقط حتى وإن رفضوا قبولى بينهم على الأقل يقومون بزيارتى ولا أضع أملًا كبيرًا على الأمر».
نجلاء.. الهروب من نار الزوجة الثانية
وسردت «نجلاء» قصتها فى حسرة وندم على حياتها التى أعطتها للآخرين بدون تقدير قائلة: «أعيش فى نعمة داخل دار المسنين مثل العشرات من النساء والرجال المتواجدين، فأنا هنا منذ 6 أشهر فقط، وتكاليف العيش فى الدار أقوم بدفعها من عملى كطباخة فأحصل على راتب شهرى بسيط أدفعه للدار».
عن تفاصيل حياتها تقول: «أنا سيدة متزوجة منذ 15 عامًا فى منطقة غمرة، لكننى لم أنجب أطفالًا، وليس لى أسرة سوى زوجى بعد وفاة والدتى، وكان شرط زوجى  للعيش معه  فى خدمته الموافقة على زواجه الثانى، وبالفعل وافقت فقط من أجل العيش بين أربعة حيطان والطعام اليومى لأننى لا أعمل ولم أكمل تعليمى، لكن بعد حضور الزوجة الثانية تبدلت حياتى وأصبحت جحيمًا، وتطاول زوجى عليّ بالضرب، وطردنى فى الليل لأنام على عتبات المنزل دون مأوى، وكانت الجيران تعطف عليّ».
وتضيف: «فررت إلى الشوارع ونمت على الرصيف وبين المحلات ليشفق علىّ أصحابها بالطعام، حتى تواصلت جارتى مع دار للمسنين وأرسلت لهم بياناتى وحالتى، وتمت الموافقة وأسرعت للعيش فيها، وأعيش حاليًا فى الدار مع مرارة ذكريات الزوج الندل الذى لم يشفق على عشرة العمر وخدمتى له».
«سمير».. الروشتة سر هجر الأحبة
وفى  الدار نفسها التى تعيش بها نجلاء، كان عم سمير الرجل السبعينى من منطقة إمبابة، يجلس فى حالة من البهجة يساعد الجميع فى تحضير زينة عيد ميلاد أحد النزلاء فى الدار، وقال معظم المتواجدين فى دار المسنين خلفهم قصص تدمع القلوب، وتفاصيل مزعجة عن تخلى أقرب الناس إليك من قاموا برعايتهم صغارًا فما أن كبروا تخلوا عنا.
يضيف: «منذ سنوات قليلة واجهت مشاكل صحية ظهرت على جسدى وملامحى، ورغم أننى أب لولدين وبنت وزوجتى متوفية، تخلى عنى جميع أفراد أسرتى بسبب مصاريف العلاج، فكنت أعيش بمفردى فى منزل بسيط، أنتظر قدومهم للاطمئنان على صحتى، ابنتى كانت دائمًا تبرر غيابها  بأن مدارس الأبناء تشغلها، واحتياجات منزلها والأسرة لا تجعلها تستطيع التواصل معى بالشهور لأنها هى من  تذهب  بأبنائها للمدرسة وتقوم بإحضارهم مرة أخرى للمنزل وتذاكر لهم، وصل الأمر إلى انقطاع الاتصال التلفيونى».
أبنائى الذكور سافروا خارج البلاد منذ 5 سنوات بعد أن تزوجوا – يكمل عم سمير حكايتهم- لا يزعجون أنفسهم حتى بالاتصال الهاتفى، وكان بحثى عن دار مسنين لرعايتى الأمل الوحيد لأن أعيش سنواتى القليلة فى راحة بعد خذلان أبنائى، والغريب فى  الأمر  بعد  دخولى  دار المسنين تبرأت منى ابنتى، وقالت إننى ألحقت بها العار وأن أقارب زوجها أهانوها لأننى فى دار للمسنين وامتنعت عن السؤال، وأصبحت الدار أسرتى الحقيقة حاليًا، وأدفع لهم 500 جنيه شهريًا، وأعيش فى غرفة صغيرة بها شخص آخر.
الحاج صفوت.. «ونس الدار» يزيل
جفاء الأبناء
قصة  الحاج صفوت مختلفة عن الآخرين، فقد حضر بنفسه  إلى دار المسنين دون ضغوط، قائلًا: «لدىّ أبنائى وأسرة كاملة  وأمتلك مالًا، وزوجتى مطلقة منذ أن كان أطفالى صغارًا، وكانوا دائمًا ينظرون إلىّ على أننى قمت بظلم والدتهم وأخرجتها من منزل الزوجية لتتعرض للمرض فى منزل أسرتها وتموت بعد عدة سنوات من الصراع مع المرض، ومنذ زواجهم قرروا الابتعاد عنى وكأننى كنت مجرد مرحلة فى حياتهم فقط.
يضيف: «ورغم زيارتى لهم لرؤية أحفادى، فإن معاملتهم كانت دائمًا جافة معى، ومن هنا قررت أن  أبحث عن  الونس والأسرة فى  دار المسنين أجلس بها 5 أيام مع أصدقائى، وأعود للجلوس فى منزلى يومًًا أو يومين فى الأسبوع، فدار المسنين بها نشاطات اجتماعية وتفاعلات إنسانية تساعدنى على نسيان جفاء أسرتى».
الدراسات: مسئولية رعاية المسنين يتحلمها المجتمع
أخر إحصائية صادرة من الجهاز المركزى  للتعبئة  العامة  والإحصاء ذكرت أن عدد المسنين فى مصر يقدر بنحو 6.4 مليون نسمة، منهم 3.15 مليون ذكورًا، و3.21 مليون إناثًا، بنسبة 6.9 من إجمالى عدد السكان، ومن المتوقع ارتفاع النسبة إلى 11.5 عام 2030.
وكشفت دراسات المركز القومى للبحوث الاجتماعية والجنائية، عن المشاكل التى يعانى منها المسنون والتى تتمثل  فى الوحدة وجفاء الأقارب، بالإضافة إلى مشاكل صحية, فالعلاج مكلف وليس متوفرًا بالقدر الكافى، فضلاً على مشاكلهم المادية، فالمسن يفقد عمله الذى كان يكتسب منه الأموال بسبب سن المعاش، بالإضافة إلى المشاكل الاجتماعة بترك الأبناء لوالديهم فى منزل بمفرده، بسبب الأحوال المعيشية، وتكوين الأسرة.
ففى دراسة أعدتها الدكتورة سامية الجندى أستاذ الاجتماع بكلية الدراسات الإنسانية بجامعة الأزهر حول مشاكل المسنين انتهت إلى أن مسئولية رعاية المسنين يتحملها المجتمع بأكلمه، فعلى المجتمع  دعمهم وتوفير سبل الرعاية الكافية لهم، مع ضرورة توقيرهم واحترامهم، والتعامل معهم بخصوصية، وتوفير منظومة علاج تناسبهم وفق رعاية خاصة وإقرار نظام معاشات يواكب الأسعار الحالية.>