سقوط الصحف «الغربية» فى اختبار المهنية
ابتسام عبد الفتاح
لم يكن التقرير المفبرك الذى أذاعته قناة بى بى سى البريطانية، الذى تناول قصة الفتاة زبيدة، التى ادعى التقرير اختفاءها قسريًا مجرد سقطة مهنية عابرة، بل كان فى إطار عمل منظم وممنهج شهد عشرات الأخبار والتقارير المفبركة قبله بل ونقل الشائعات والأكاذيب فى مشهد متكامل هدفه النهائى إظهار الدولة المصرية فى مظهر الجانى والمعتدى، بينما تكون جماعة الإخوان الإرهابية هى الضحية والمعتدى عليه، فقد كشفت رسالة دكتوراة بكلية الإعلام جامعة القاهرة، تعاطف الصحافة البريطانية والأمريكية مع جماعة الإخوان الإرهابية عقب ثورة المصريين فى الثلاثين من يونيو عام 2013.
والرسالة بعنوان «صورة الإسلام السياسى فى مصر فى الصحافة الغربية قبل 30 يونيو وبعدها»، الدراسة التى أشرف عليها الدكتور شريف درويش اللبان، وكيل كلية الإعلام جامعة القاهرة وأعدتها الباحثة إكرام سيد محمود مدرس مساعد الصحافة بالمعهد العالى للإعلام وفنون الاتصال أوضحت أن الصحف البريطانية والأمريكية تعمدت التركيز على ردود الفعل الدولية المتعاطفة مع جماعة الإخوان بعد الثورة.
سعت هذه الدراسة إلى تحقيق هدف رئيسى هو التعرف على الصورة المقدمة للإسلام السياسى فى مصر فى الفترة من الثلاثين من يونيو 2012 حتى الثلاثين من يونيو 2015، فى كلٍ من الصحف البريطانية والأمريكية.
وكانت الصحف العينة للدراسة فى الصحف الأمريكية (الواشنطن بوست - النيويورك بوست – التايم)، وشملت الصحف البريطانية (الديلى تليجراف - الجارديان – الايكونوميست).
وركزت نتائج الدراسة على أن الإطار العام لصورة الإسلام السياسى فى مصر جاء فى إطار من الصراع، والمقصود هنا بالصراع، أى أن القضايا التى ثارت حولها صورة الإسلام السياسى فى مصر جاءت فى إطار من الديمقراطية تارة والاحتجاجات والعنف المتبادل بين مؤيدين ومعارضين لوجود الإسلام السياسى وخصوصاً الإخوان تارة أخرى، وبين رؤى دولية أمريكية وبريطانية داعمة لجماعة الإخوان ودعم شرعية الرئيس الأسبق محمد مرسى.
أكدت نتائج الدراسة أن القضايا المطروحة بصحف عينة الدراسة عن الإسلام السياسى فى مصر جاءت بما يتلاءم مع توافق سياسى وثقافة اجتماعية ورؤى سياسية وسياسة تحريرية من خلال رصدها لأجندة الموضوعات المطروحة بصحافتها واتجاهاتها إزاء الواقع الفعلى للإسلام السياسى فى مصر؛ وبذلك يمكن القول إن للصحافة الغربية الأمريكية والبريطانية عينة الدراسة دورًا كبيرًا فى نقل صورة الإسلام السياسى على نحو ما كشفت عنه المعايير الدولية والتحريرية.
كما جاء مضمون الأفكار التى تقدم بها صورة الإسلام السياسى فى مصر فى إطار المعايير السياسة الدولية والتحريرية التى أثرت على طبيعة تناول القضايا حول صورة الإسلام السياسى فى مصر قبل وبعد ثورة الثلاثين من يونيو بالصحافة الأمريكية وفقًا لعينة الدراسة وللقضايا الأخرى بنسبة %65.6 والتى شملت (الإرهاب – الإسلام الراديكالى –إعادة هيكلة العلاقات مع مصر بعد ثورة الثلاثين من يونيو – إسقاط مرسي) مقابل نسبة %35 ممثلة للقضايا الأخرى فى الصحافة البريطانية ممثلة فى (قمع جماعة الإخوان– رؤية الغرب للرئيس الأسبق محمد مرسى وعلاقته بالخارج – فرض أيديولوجية الإخوان– المصالح السياسية الأمريكية والتعامل مع الإخوان قبل وبعد الثلاثين من يونيو – أخطاء مرسى – محاربة الإسلام الراديكالى – معاناه الإخوان بعد الانقلاب).
وأشارت نتائج الدراسة إلى إغفال الصحافة البريطانية عينة الدراسة خصوصاً صحيفة الجارديان البريطانية فى تناولها لصورة الإسلام السياسى فى مصر أن جماعة الإخوان قد صنعت بنفسها ولنفسها عوائق معرفية واجتماعية أدت إلى تورطها فى أخطاء مستمرة طوال تاريخها، فالجماعة استطاعت أن تكرس فى الحس العام للمصريين منذ السادات حتى مبارك أنها أكثر القوى التى دفعت ضريبة النضال، فاكتسبت شعبية لدى قطاع كبير من الجماهير، وبعد توليها السلطة استدعى التنظيم أهدافه الاستراتيجية والإصرار على أن يلعب الجميع وفقًا لشروطه، دون حساب لأى قوى موجودة على الأرض، بما فيها القوة السلفية المتحالفة معها، وامتد العداء ليشمل قطاعات الجماهير، والقوى السياسية، ومؤسسات الدولة الرئيسية (الجيش، والشرطة، والقضاء، والإعلام)، وبعد ثورة يونيو 2013 اتجه التنظيم إلى إنكار الواقع، وممارسة العنف بكل السبل؛ مما أحدث تحولاً آخر فى العلاقة بين جموع المصريين والدولة من جانب، والتنظيم من جانب آخر إلى علاقة عداء صريح، يلقى المقاومة من الأهالى، وتَصِمُ الجماعة بالإرهابية من قبل الدولة.
كما تناولت الصحافة الغربية الأمريكية والبريطانية عينة الدراسة فى تقديمها لصورة الإسلام السياسى فى مصر طبيعة التطور الذى لحق بوجود تنظيم جماعة الإخوان، وتتبع حركتها السياسية طرقًا ملتوية فى تقييم أفعالها السياسية وتبريرها؛ مما يجعل السيناريوهات المحتملة لمستقبلها تسير فى مسار شبه حتمى وهو استخدام القوة والإقصاء وهو الوضع الحالى واعتبار جماعة الإخوان جماعة إرهابية.
تشير نتائج الدراسة إلى أن الصحافة الغربية الأمريكية والبريطانية -عينة الدراسة -عرضت صورة الإسلام السياسى فى مصر متأثرة بالمعايير المهنية والدولية قبل الثلاثين من يونيو بنسبة %42 بالصحافة البريطانية مقابل %34 بالصحافة الأمريكية، أما بعد الثلاثين من يونيو فقد عرضت الصحافة الأمريكية صورة الإسلام السياسى فى مصر بنسبة %66، مقابل %58 بالصحافة البريطانية.
أكدت الرسالة على مدى تعاطف الصحافة البريطانية مع جماعة الإخوان، بنسبة %56 وفى المقابل الصحافة الأمريكية بنسبة %44، لأنها قدمتها كإرهابيين بنسبة %21 بالصحافة البريطانية، مقابل %9.5 للصحافة الأمريكية، وقدمت صورة الإسلام السياسى فى مصر فى إطار ارتباطها بدور الجيش فى الحياة السياسية بنسبة %14 بالصحافة البريطانية، مقابل %12.5 بالصحافة الأمريكية. ويرجع هذا إلى الصورة السلبية التى اعتمدت عليها الصحافة البريطانية فى تقديمها لصورة الإسلام السياسى فى مصر كما أنها ركزت على ردود الفعل الدولية المتعاطفة مع جماعة الإخوان أن الصحافة الغربية الأمريكية والبريطانية عينة الدراسة قد استخدمت صفات توضح أن الرئيس الأسبق محمد مرسى مغلوب على أمره؛ لأنه الرئيس الشرعى والإسلامى، وأنه تم عزله من منصبه وهو الرئيس المنتخب، وتشير هذه الصفات إلى أن الصحافة الغربية الأمريكية والبريطانية عينة الدراسة دعمت محمد مرسى ودعمت الإسلام السياسى. فى إطار طبيعة العلاقة بين الإسلام فى مصر والخارج من خلال رؤية الأنظمة الدولية وانعكاسها على رؤية المؤسسات الصحفية.
حيث أوضحت الرسالة أن بريطانيا احتلت بصحفها عينة الدراسة المركز الأول فى دعم وجود الإسلام السياسى فى مصر، حيث شكلت صحيفة «الجارديان» نسبة %30 لدعم الإسلام السياسى بعد الثلاثين من يونيو، على عكس صحيفة «الديلى تليجراف» البريطانية أيضًا التى قدمت صورة معارضة لوجود الإسلام السياسى فى مصر بنسبة %10.5 قبل الثلاثين من يونيو. ويرجع هذا التعارض فى الرؤى إلى أن بريطانيا كدولة لديها منظور سياسى فى دعم الإسلام السياسى، وعلى رأسها جماعة الإخوان ووجودها على الساحة السياسية فى مصر؛ وهذا لأنها دولة استعمارية فى الأساس ولديها ركائز فى تقسيم الوطن العربى بمحاربته دينيًا، لهذا دعمت صحيفة «الجارديان» هذه الرؤية السياسية وابتعدت عن المهنية والموضوعية، وتناولت الرؤى الداعمة للإسلام السياسى فى مصر، وقدمت صورة الإخوان فى صورة الضحية، وقدمت الثورة فى صورة انقلاب.
وفى تصريحات لـ«روز اليوسف» قالت الباحثة الدكتورة إكرام محمود، صاحبة رسالة الدكتوراة. إن هناك علاقة قوية بين التنظيم الدولى لجماعة الإخوان الذى كان ومازال مقره بريطانيا، والصحف البريطانية، والجميع يعرفون أن المراسلين الذين كانوا برابعة والنهضة كانوا ينقلون الأحداث وفقًا لرؤية جماعة الإخوان، الذين كانوا مسيطرين على الوضع بميدانى رابعة والنهضة، وبالتالى تغطية الحدث سيكون ليس بمنظور موضوعى، ولكن سيكون به تحيز، وقد ظهر ذلك التحيز بوضوح للجميع بكل الصحف البريطانية، فكل المعلومات المنقولة مغلوطة، فقد نشرت الصحافة البريطانية أنه تم قتل أكثر من ألف وستمائة شخص بميدان رابعة أثناء الفض، فى حين أن التقارير الدولية للمنظمات الحقوقية تنص أن عدد القتلى ستمائة فقط، فمن أين جاءوا بالألف.
وأوضحت أن استثمارات التنظيم الدولى لجماعة الإخوان، وتمويله للصحف البريطانية أمر مؤكد وهذا ما تم تأكيده من قبل صحيفة بريطانية معارضة كشفت فى تقرير عن حصول الصحف بريطانية على تمويلات من تنظيم جماعة الإخوان ببريطانيا، وذلك عقب ثورة 30 يونيو، بهدف تشويه ثورة 30 يونيو.
وأشارت إلى أن تقرير BBc الأخير عن زبيدة تقرير يثبت أن الإعلام موجه، وما تفعله البى بى سى هو نفسيه ما تفعله الجزيرة تمامًا، التى تدعم الإخوان بكامل طاقتها، كما أن الصحف الأمريكية ظلت تذكر السيسى بعد توليه حكم مصر بالجنرال وليس الرئيس.