السبت 4 مايو 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري

«مبارك من المنصّة للميدان» نُسخة باهتة من «خريف الغضب»

«مبارك من المنصّة للميدان» نُسخة باهتة من «خريف الغضب»
«مبارك من المنصّة للميدان» نُسخة باهتة من «خريف الغضب»


أبدأ سؤالى للباحث المُتخصّص بالأساس فى الهندسة، ودفعه شغفه بالتاريخ، إلى البحث فيه ودراسته:
فى مناقشة الرسالة، اختلفت الآراء حول اقتباسات هيكل فى كُتبه، هل ينسبها إلى كتّابها الأصليين أم يُجهّلها، ما ردّك؟
ما لاحظته أثناء البحث، أن الأستاذ هيكل قليل الاهتمام بالمراجع العربية فى مقابل الاهتمام الشديد بالمراجع الأجنبية. مثلا يأتى فى مجال المجامع الكنسية، والمجمع هو المكان الذى كان يجتمع فيه الأساقفة بعدد كبير من أتباع الديانة من أجل وضع قواعد لاتّباعها، يأتى على ذكر مجمع (خلقيدونية) وهى مدينة بتركيا، يذكره هيكل باسم (كالدونيا) ممّا يدل أن الاسم مُقتبس من مرجع أجنبى.
وبصفة عامة؛ يُؤخذ على هيكل، عدم الإشارة إلى المراجع التى رجع إليها أثناء كتابة كُتبه. فأغلبية كتبه تفتقد إلى التوثيق على عكس الشائع. فى كتاب «مبارك من المنصّة للميدان»، تصل نسبة التوثيق أقل من 25 % ويستثنى من نسبة التوثيق الضئيلة كتاب وحيد هو «الانفجار».
كيف ترصد الرسالة اختلاف كتابات هيكل باختلاف النظام الحاكم؟
- فى الفترة الملكية لم يظهر لهيكل توجّه سياسى مُعيّن، كان ولاؤه للملكية وكان يُشيد بالملك فى مجلّة روزاليوسف. وأوّل مقال له باللغة العربية كان عنوانه «كنتُ أتمنّى أن أكون معهم». افتتحها بكلمة «مولاي»، واحتوت على مبالغات شديدة فى مدح الملك بلقائه طلاب الجامعة. مقالات هيكل بمجلة روزاليوسف كلّها مدائح ملكية خالصة. يُمكن اعتبار ذلك، سببا فى محاولات هيكل الدائمة لإسقاط تجربة عمله بمجلة روزاليوسف من تاريخه الشخصى ومشواره الصحفى.
كتابات هيكل ما بعد الثورة، كيف رصدتها الرسالة؟   
- بسرعة، ارتبط هيكل بالرئيس جمال عبدالناصر، بين أعوام 52 و54 كان لعبد الناصر جوقة من الصحفيين المقرّبين غير هيكل، من بينهم إحسان عبدالقدوس.
بالنسبة لهيكل، فقد ألحّ مراراً على مُقابلة عبدالناصر. انبهر عبدالناصر بأسلوب هيكل فى كتابة الحوار بعد اللقاء. اللقاء الواحد، امتدّ لثلاثة، ونتج عنها كتاب «فلسفة الثورة». حدث كل ذلك فى رأيى نتيجة لذكاء هيكل.
اختلفت العديد من الروايات حول حقيقة الصراع بين السادات وهيكل!
- بعد وفاة عبدالناصر، جاء السادات وأزاح مراكز القوى الذين خرجوا على طريق عبدالناصر. لقد كان نظام السادات فى البدء وحتى نصر أكتوبر، يسير على خُطى عبدالناصر ولو ظاهرياً، من هنا كان حرص هيكل على البقاء مُهادنا للسياسة الناصرية. بعد ذلك توتّرت العلاقة مع السادات، هيكل لم يكن يحترم السادات، وكان غير مُقتنع بأنه يُمكنه أن يطغى على كاريزما عبدالناصر. اعتبر هيكل نفسه ندّاً للسادات.
هل يُمكننا اعتبار هيكل بعد هذا الموقف، مُعارضا؟
- مُخطئ من يعتقد أن هيكل يُفكّر لحظة فى قطع حبل الودّ مع أى نظام حاكم. يخرج، ينزوى، لكنه لا يكسر علاقته بالنظام الحاكم. وهو دائماً ما يلجأ إلى إعادة كتابة مقالاته بعد نهاية كل عصر. حتى عام 1980 لا يُمكن تصنيف هيكل كمعارض أبدا. وبمجرد سقوط النظام تتبدّل لغة هيكل إلى هجوم شرس. كانت من آراء هيكل، أن المثقّف ضعيف فلا يوجد لدية قوّة تحميه.
هل تجنّى، أو ظلم هيكل السادات فى كتاباته؟
- طبعاً، وكان هجومه غير موضوعى مقارنة بمواقفه مع عبدالناصر. فى كتاب «خريف الغضب» ذكر أن السادات تنازل عن الآثار الفرعونية المصرية لدول غربية، وتجاهل أن ذلك الفعل حدث فى عهد عبدالناصر، الذى تنازل عن معابد بأكملها، وليست آثارًا. وعددها خمسة معابد، التى وجدت طريقها إلى إسبانيا وفرنسا.
بالمثل، كان هجومه على مبارك، أكثر حدّة من الهجوم على السادات. باختصار كتاب «مبارك من المنصّة للميدان»، استنساخ باهت لـ«خريف الغضب».
ما هى المغالطات التاريخية التى رصدتها الرسالة فى كتابات هيكل التاريخية؟
- لقد رصدّتُ أكثر من مائة مغالطة تاريخية فى كتابات هيكل للتاريخ. بعد تنحّى مبارك، كتب هيكل أن الرئيس الأسبق ساهم فى اغتيال أحد زعماء السودان، الهادى المهدى، بأن أرسل له صندوق مانجو انفجر فى وجهه. بينما طيلة وجوده فى عهد رئاسة مبارك، أشار هيكل إلى «شائعات» كثيرة بالسودان عن اغتيال الهادى المهدى، وأنه ليس صحيحا أن يكون قد شارك فيه مصريّ واحد. ناهيك أن مقتل المهدى، كان فى عام 1970 أثناء حكم عبدالناصر، وكان مُبارك حينها قائد رئيس أركان القوّات الجويّة، وذهب ببعثة مصرية إلى السودان مع السادات لدعم جعفر النميرى وهو فى بداية حكمه، فكيف يتصرّف مبارك والسادات بدون إذن عبدالناصر، وإن حدث؛ فإن هذا يُدين عبدالناصر نفسه أكثر من الرجلين.
من بين مغالطات هيكل، وسقطاته، أنه - كما كتب - شهد معركة العلمين على أرض القتال، وهذا الأمر غير صحيح وغير معقول. التاريخ هو 8 فبراير 1942 وكان هيكل فى بداية عمله بالصحافة. وظلّ عاما كاملا بقسم الحوادث، كانت الحرب قد انتهت منذ أشهر، وهيكل فى الـ19 من عمره. هيكل نفسه كتب مقالا فى عام 1967 قُبيل الحرب مباشرة، لم يأت فيها على ذكر اشتراكه فى تغطية أحداث الحرب العالمية الثانية.
 أخيرا، هل ترى أنه من الممكن أن يكون الصحفى مؤرّخا؟
- إذا التزم بمحدّدات الموضوعية، وقلّما يحدث ذلك. طبيعة الصحافة الاعتماد على الإثارة واجتذاب القارئ. والمؤرخ يحتاج إلى الهدوء والرويّة قبل إصدار الأحكام. لم يكن هيكل يُنكر كونه صحفيًا فى المقام الأوّل، مهمّته «سرد القصّة على وجه السرعة»، كما كتب مرّة. رأيّى الشخصى، لا يستقيم أن يجتمع الصحفى والمؤرّخ فى شخص واحد. لأنهما وجهان متناقضان، وهيكل طوال حياته لم يدّع أنه مؤرخ. لكن العوار الذى أصاب سرده للأحداث التاريخية، يجعل كتاباته التاريخية غير صالحة كونها شهادة تاريخية، كما أنّنى، كباحث فى التاريخ، يصعب أن أستقى منها مادة تاريخية.
حوار: ابتسام عبدالفتاح