الإثنين 29 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري

اللعب مع «الصغار» فى معركة اليونسكو

اللعب مع «الصغار» فى معركة اليونسكو
اللعب مع «الصغار» فى معركة اليونسكو


لم تكن المعركة على منصب مدير منظمة الأمم المتحدة للتربية والثقافة والعلوم «يونسكو» قد وضعت أوزارها بعد، حين طلب سامح شكري- وزير الخارجية المصري- عقد لقاء على وجه السرعة مع موسى فقيه- رئيس مفوضية الاتحاد الإفريقي- داخل مقر المنظمة فى ساحة فونتنوا بباريس، كى يبلغه غضب مصر من التفاف بعض مندوبى دول القارة على قرار الاتحاد الإفريقى بالتكتل خلف المرشحة المصرية السفيرة مشيرة خطاب. 

فى زاوية أخرى من المشهد داخل مقر المنظمة الدولية كان الدكتور خالد عبدالغفار- وزير التعليم العالى ورئيس بعثة مصر لدى اليونسكو- يعقد عدة لقاءات ثنائية مع عدد من رؤساء الوفود المشاركة فى اجتماع المجلس التنفيذى، معربًا عن غضبه من الممارسات غير النظيفة التى انتهجتها الدوحة فى اللعبة الانتخابية.
فى لحظة تالية، كانت السفيرة مشيرة خطاب تجرى حوارًا إعلاميًا سريعا، تشير فيه إلى حدوث خديعة ما فى الانتخابات، قائلة إن «هناك بعض الأمور التى لا يمكن الإفصاح عنها، نظرًا لسرية الانتخابات»، مستدلة بأسماء بعض الدول التى تراجعت عن دعم مصر، وأشارت إلى أن مصر «قامت بدور متميز فى أثناء فترة الانتخابات، التى اعتمدت على الدراسات، والتحليلات وليس الانفعالات».
الموقف المصرى عبَّر عنه المستشار أحمد أبوزيد- المتحدث باسم وزارة الخارجية- عندما قال إن مصر تخوض معركة اليونسكو بشرف ومهنية، موضحًا إن معركة اليونسكو صعبة وتُستخدم فيها كل الأسلحة المشروعة وغير المشروعة، وتابع: «نرصد جميع تحركات الوفود وننسق مع بعض المرشحين».
الحِدَّة التى تحدث بها أعضاء الوفد المصري؛ لم تكن مجرد مؤشر على احتدام المنافسة؛ بل كانت دليلا على أن أمرًا ما دُبِّرَ بليل للعبث بمصير المنظمة الدولية الأرقى من قِبل دولة ترعى وتمول وتدعم الإرهاب ليس فى الشرق الأوسط وحده ولكن فى مناطق متفرقة من العالم، على غرار ما جرى من قبل فى الاتحاد الدولى لكرة القدم «فيفا» عندما تحكمت الرشاوى فى وقوع الاختيار على الدوحة لاستضافة مونديال 2022م.
التفاصيل كاملة كشفتها صحيفة الوموند ديبلوماتيكب الفرنسية، عندما ذكرت أنه فضلاً عن الـ«10» أعضاء من المجلس التنفيذى للمنظمة الذين سافروا للدوحة فى رحلات باهظة الثمن، هناك أيضًا 12 عضوًا من أعضاء المجلس استجابوا لإغراءات الدوحة فى الانتخابات. ونوهت إلى أن هناك 7 دول عربية وإفريقية أعطت صوتها للدوحة بعد الاتفاقات من تحت الطاولة، وهى «الجزائر والكاميرون، وكينيا، وموريشيوس، وتوجو، والسنغال وجنوب إفريقيا».
المرشح القطرى حمد بن عبدالعزيز الكواري- المدعوم من «جماعات ضغط» فى فرنسا، مثل «بورتلاند» و«إسل» و«نيتورك»- كان واثقًا من نفسه فى الحوار الذى أجرته معه صحيفة «لو موند»، وقال: «أنا لن أخرج خالى الوفاض»، وراح يعد بإعادة هيكلة المنظمة حالة فوزه بمقعد المدير.
الشراسة التى قاتلت بها قطر فى معركة اليونسكو؛ لم يكن الهدف منها مقعد المنظمة فى باريس، بقدر ما كان مطلوبًا منها الإفلات من الأزمات والحفاظ على مقعد الحكم فى قصر الإمارة بالدوحة لأطول فترة ممكنة، فالمقاطعة الرباعية العربية لقطر، منذ يونيو الماضى، بسبب دعمها للإرهاب، كبَّدت اقتصادها خسائر مالية يومية، لن تستمر قادرة على تحملها لوقت طويل، ومن ثم فإن محاولة كسب انتخابات كهذه ليست إلا وسيلة لنفى حقيقة الإرهاب عن النظام الحاكم.
بالرجوع إلى الوراء قليلاً؛ فإن محاولات قطر لحجز مكان على الساحة الدولية رغم ضعف إمكانياتها الطبيعية كدولة؛ بدأت منذ عقود، واتبعت فيها الدوحة سياسة النفَس الطويل، وجد صانع القرار السياسى فى قصر الإمارة أن الطرق المباشرة لكى تستطيع دولة ما ممارسة نوع من النفوذ فى محيطها الإقليمى تتطلب قدرًا كبيرًا من الإمكانيات التى لا تتوفر للدوحة، فأخذ يعتمد طرقًا أخرى.
بحثت الدوحة فى طرق ممارسة النفوذ، فاختارت أقصرها، علمت أن قوتها العسكرية أو مساحتها أو حتى قوتها الناعمة لن تسعفها فى الوصول لمرادها، فراحت تبحث عن وسيلة أسهل، وهى اختراق المنظمات الدولية، والسيطرة على الكيانات الاقتصادية والإعلامية بالمال الذى لا تملك غيره، سعت فى شراء الذمم تارة وتقديم الرشاوى بأشكال غير مباشرة تارة أخرى، حتى تمكنت من الوصول لأهداف لم تكن لتحققها قبل عقود لو أنها لم تعتمد على المال وحده.
مثلما وجدت الدوحة فى المال بغيتها للوصول إلى النفوذ الذى تريده؛ وجدت فى المنظمات الدولية طريقة قصيرة فى السيطرة على الساحة السياسية والاقتصادية الدولية، فراحت تشترى بالهدايا أصوات المسئولين عن قرعة استضافة المونديال، وأخذت تشترى فى حق بث البطولات القارية والإقليمية فى كرة القدم، غير أن افتضاح أمر ناصر الخليفي- الرئيس التنفيذى لمجموعة «بى إن beIN» الإعلامية- بجريمة الفساد بات يهدد احتفاظها بحقوق البث لمباريات المونديال المقبل.
فى الساحات الخلفية لليونسكو؛ كانت البيئة مناسبة لأنشطة الدوحة المشبوهة، فالوصول إلى قمة هذه المنظمة عملية محفوفة بالكثير من المؤامرات والحيل الشريفة وغير الشريفة.. وحتى كتابة هذه السطور لم يتمكن عربى واحد من الوصول لمنصب مدير المنظمة، ويبقى وزير الثقافة المصرى الأسبق فاروق حسنى هو صاحب الفرصة الأقرب لاعتلاء المقعد فى 2009، قبل أن تطيح به مؤامرات اللوبى الصهيونى بدعوى معاداة السامية استنادًا إلى تصريح صحفى غير مقصود قال فيه إنه سوف يحرق أى كتاب إسرائيلى فى المكتبات التابعة لوزارة الثقافة.
لم تكن المرشحة المصرية بعيدة هى الأخرى عن مؤامرات اللوبى الصهيونى، فرغم التصريحات التى نقلتها شبكة «سى إن إن» الأمريكية على لسان ممثل إسرائيل فى اليونسكو بعدم اعتراض بلاده على المرشحة المصرية؛ فإن الحقيقة أن إسرائيل وقفت بكل قوة ضد وجود مصرى على رأس اليونسكو، تلك المنظمة صاحبة الرصيد الأكبر من القرارات غير المرغوب فيها من جانب تل أبيب، وآخرها قرار يوليو الماضي؛ بعدم وجود سيادة إسرائيلية على مدينة القدس، وإدانة أعمال الحفر التى تقوم بها دائرة الآثار الإسرائيلية بمدينة القدس المحتلة.
الممارسات القذرة لم تكن مقصورة على أروقة اليونسكو؛ بل كانت حاضرة فى شوارع القاهرة من خلال البيان الذى خرجت به 6 منظمات مجتمع مدنى مصرية، ضد المرشحة «المصرية» مشيرة خطاب، الذى قالوا فيه إن هذه اليونسكو منظمة دولية لها دور رائد فى دعم الثقافة وحرية التعبير فى العالم، وإن المنظمات الموقعة على البيان تأسف لترشيح مشيرة خطاب، وإنها قد تكون الأبعد عمليّا عن شغل هذا المنصب، كممثلة لدولة معادية لحرية التعبير وحرية استخدام الإنترنت، وهو أمر يتطلب وقفة حاسمة وجادة من قبل وزارة التضامن الاجتماعى حيال هذه الجمعيات.
من خلال الوقائع السابقة؛ يمكن استخلاص مجموعة من الملاحظات من جانب مصر على آلية عمل المنظمة الدولية، هذه الملاحظات خرجت للعلن على لسان أكثر من مسئول مصرى مشارك فى حملة السفيرة مشيرة خطاب، وأولها اعتراض مصر على آلية التصويت السرى، إذ تطلب القاهرة أن تكون عملية الاقتراع علنية تعلن خلالها كل دولة بوضوح موقفها أمام الجميع دون مواربة، فضحًا لأى صفقات مشبوهة، كما تطلب القاهرة أن تكون انتخابات إدارة المنظمة فى الأمم المتحدة كمنظمة أُم، وأن يكون حق التصويت لكل الدول الأعضاء وليس الـ«58» أعضاء المجلس التنفيذى لليونسكو فحسب.