الثلاثاء 28 مايو 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري

إعلان الحرب «الصليبية» على «البطريرك»

إعلان الحرب «الصليبية» على «البطريرك»
إعلان الحرب «الصليبية» على «البطريرك»


 
أشعلت زيارة البابا تواضروس الثانى إلى أستراليا والتى انتهت منذ يومين، نار الخلافات المستترة تحت الرماد داخل أروقة المجتمع الكنسي، وأزاحت الستار عن حرب غير شريفة يقودها عدد من الأساقفة ورجال الكنيسة على بابا الإسكندرية بدأت منذ جلوسه على كرسى «البطريرك».

منذ جلوس البابا تواضروس على كرسى بابا الإسكندرية نهاية عام 2012 أعلن أن همه بناء الكنيسة من الداخل وإعادة هيكلة إدارة الكنيسة، وهو ما أدى إلى استبعاد شخصيات بعينها من المجمع المقدس، وهى الأسماء التى كان لها نصيب الأسد من الأزمات والمشاكل فى الآونة الأخيرة من حياة البابا الراحل البابا شنودة الثالث.
محاولات تواضرس لإعادة هيكلة الكنيسة، تسببت فى مناقشات حادة وانقسامات بين أعضاء المجمع المقدس وصلت فى أحد اجتماعاته إلى مطالب البعض بعزل البابا من منصبه، وهو ما تصدى له «البطريرك» بشخصيته القوية، الأمر الذى كشف عن شخصية البابا الحقيقية لأعضاء المجمع المقدس والذين كانوا يرون فيه أنه أسقف عام لم يغادر دمنهور إلا فى الضرورة القصوي، وأنه من السهل اقتياده، وهو ما اصطدم به رجال الكنيسة، خاصة أنه فى بعض الاجتماعات كان يحظر حتى إبداء الرأى فى بعض القضايا.
شخصية البابا تواضروس القوية التى تبدو هادئة فى أغلب الأوقات، صدمت الكثير من أعضاء المجمع المقدس ورجال الكنيسة، وهو ما دفع بعضهم لمحاولة الهجوم على «البطريرك» بأدوات مختلفة منها انتحال أسماء وشخصيات أخري، واستغلال مواقع التواصل، أو من خلال بعض المقربين من القساوسة.
ولاية البابا الـ 118 تحولت إلى عصر الهجوم على «البطريرك» والذى وصل فى بعض الأحيان لاتهامه بالهرطقة والتنازل عن الإيمان الأرثوذكسي، وهو الاتهام الذى اندلع فى أعقاب زيارة البابا فرنسيس بابا الفاتيكان إلى مصر، حين أطلق كل أسقف الموالين له على صفحات التواصل الاجتماعى ليظهر أن البابا تواضروس سيقبل بمعمودية الكاثوليك ولن يتم إعادتها مرة أخري، رغم أنه من أيام البابا شنودة الثالث لا تتم إعادة المعمودية مرة أخري، إلا أن بعض رجال الدين استغلوا جهل البعض بقرارات المجمع المقدس ليحركوهم كيفما يشاءون.
ومع ظهور قوة تأثير مواقع التواصل الاجتماعى منذ 2010 على الشباب، ومشاركتها فى صناعة الرأى العام،  حرص أغلب الأساقفة على تدشين صفحات خاصة بهم، وأصبح لهم مريدون يستطيعون استخدامهم كيفما يريدون ويعطونهم المادة التى يريدون نشرها على صفحات الفيس بوك ليهاجموا البطريرك دون أن يظهروا فى الصورة، وانتشرت الصفحات والشخصيات التى تروج لأسقف بعينه وتمجده وتظهره كأنه حامى الإيمان على الرغم من وجود أكثر من 100 أسقف غيره داخل المجمع المقدس.
ومع كل قرار يتخذه البابا تواضروس وكل حركة يقوم بها تجد نشاطا كبيرا على بعض الصفحات وصلت إلى أن أعلنت صفحة «أرثوذكس حقيقيون» والتى تميل للأسقف الغاضب أنه تم تشكيل مجموعة من النشطاء سيؤرخون تجاوزات البابا الإيمانية، حيث نشرت تقول «خبر صادم للمنحرفين وسار لأبناء الكنيسة.. بدأ ستة من الأكاديميين من أبناء الكنيسة فى تدوين وكتابة هذه المرحلة الكنسية المتخبطة من خلال قرارات البطريرك وتصرفاته ومقارنتها بتعاليم الكنيسة ومجمعها المقدس وهذا الكتاب سيكون مرجعًا فيما بعد للباحثين عن هذه المرحلة والحقبة الباباوية».
وأضافت الصفحة فى هجومها على البابا: «نحيط علمكم أن الباحثين سيكتبون كل سقطة وما يقابلها من الصواب من الإنجيل والتاريخ وقرارات المجامع السابقة مثل صلاته مع الشواذ والأسقفة مغتصبة الكهنوت، وسيذكرون كل أسقف متخاذل ومتنازل ومتعاون ويلهث وراءه بالتودد أمثال (بولا طنطا - إبيفانيوس أبو مقار - مقار العاشر - أنجيلوس شبرا الشمالية - دانيال المعادى - باخوميوس البحيرة - رافائيل سكرتير المجمع - توماس القوصية - الذى أخذ صورة سيلفى مع الأسقفة الشاذة- ولا يفوتهم تدوين وكتابة كل أسقف غير هؤلاء متهاون ولم ينطق بكلمة الحق ويعترض.. سيكشف التاريخ من تهاون فى حق الإنجيل والعقيدة والكنيسة وشعبها.. سيكون هناك كتاب أكاديمى موثق بالأوراق».
لم تكن هذه الصفحة الوحيدة التى تهاجم البابا، فهناك صفحة أخرى يديرها أحد الأساقفة بنفسه والذى لديه مشاكل كثيرة مع البابا تواضروس وينتحل صفة علمانى يتحدث فى سلسلة متتابعة عن الأدلة الخاصة بتزوير الانتخابات البطريركية والتى وصلت حتى الآن إلى 12 حلقة، وصفحة أخرى تحمل اسم «البابا شنودة حامى الإيمان الرسولى الأرثوذكسى» تنعت البابا تواضروس بالمحروم حيث كتبت: «بلاها كنائس الوطن أهم!! البابا تواضروس الثانى فى بداية حبـــــريته يقـــــــول: وطن بلا كنائس أفضل كثيرا من كنائس بلا وطن! الكنيسة_ القبطية -   الأرثوذكسية - إلى - أين؟
البابا - المحروم - فى - الكنيسة
خيانة - الإيمان»
أما «أسد الصعيد» وهو أحد أتباع أسقف هاجم البابا فى أحد اجتماعات المجمع المقدس وهدده البابا بإرجاعه للدير مرة أخرى فوصل به الأمر لنشر صور للبابا تواضروس مع رعيته فى أستراليا وكتب عليها «هل هذا يليق بطقس راهب أو حتى بوقار بطريرك اختارته السماء كما يدعون أم هذا ما قيل عنه ففارقه روح الرب وبغته روح ردىء من قبل الرب «مثلما قيل عن شاول المرفوض من الله. مذهب لاهوت التحرر، يارب إرحم»
كما انتشر العديد من الصفحات التى وضعت همها الأول الهجوم على البابا، ومنها «الصخرة الأرثوذكسية» و«حماة الإيمان» ويتعدى عدد متابعيها عشرات الآلاف، إلا أنها لم تلق  الاستحسان، بل أصبح الهجوم عليها شديداً ويتهم المتابعون لها أصحابها بالمرضى النفسيين مما دفع بعض الصفحات لاتهام البطريرك بأنه نجح فى إنشاء «ميليشات إلكترونية» للرد على الهجوم، واتهموا البابا بأنه يجند الشباب للدفاع عنه على «فيس بوك».
وكتبت إحدى الصفحات تتهكم على البابا: «البطريرك الفاضى وقتيا وعقيديا يتابع بشغف العيال اللى بتكتب على الفيس بوك وبيبعتلهم عن طريق السكرتارية وبيطلبوا من العيال يشوفوا الوقت المناسب ليهم علشان يقابلهم ولما بيقابلهم بيقعد بالثلاث ساعات لأنه فاضى.. هذه صور للعيال اللى بتعمل دعاية للبطريرك وصورة للسكرتيرة بتاعة البطريرك وهى بتكلم الواد علشان يحدد وقتا مناسبا يقابل فيه البطريرك الفاضى».
الحرب الإلكترونية على البابا تواضروس شارك فيها شخصيات مسيحية معروف انتماؤها لأساقفة بعينها وأشهرهم الأساقفة «الغاضب والحديدى والمعروف برجل الدولة»، إلا أن البابا قابل بعضهم مما أصابهم بالارتباك الشديد بعدما وجدوا فرقاً كبيراً بين ما يعطى لهم وما شاهدوه بأنفسهم الأمر الذى دفعهم لأن يصمتوا فترة من الوقت ثم عادوا مرة أخرى يقدمون فروض الولاء والطاعة لمموليهم.
الحرب الإلكترونية بلغت أشدها أثناء زيارة البابا تواضروس التى انتهت قبل يومين إلى أستراليا، حيث تم اتهام «البطريرك» بأنه حامى السيمونية والتى يقصد بها أن الأسقف اشترى الأسقفية بمبلغ من المال وهذا الاسم ينسب إلى سيمون الساحر الذى كان يريد أن يصبح عضوا  فى الكنيسة الأولى عن طريق دفع مبلغ من المال.
ويشاع حول الأنبا دانييل أسقف سيدنى أنه قام بشراء الأسقفية، مما دفع البابا شنودة الراحل بإيقافه، إلا أن الأنبا باخوميوس أرجعه أثناء وجوده كقائم مقام، وبسبب المشاكل الكثيرة للأقباط فى أستراليا فكان الهجوم على البطريرك أثناء الزيارة من أعنف ما يكون، حيث وصف بأنه حامى السيمونية ويسلم أبنائه للشرطة وأنه ترك مصر أثناء أزمة المنيا.
ولم تقتصر الحرب على البابا على مواقع «السوشيال ميديا» فقط بل هناك مواقع إخبارية تحمل أسماء مسيحية معروف عنها أنها أبواق لأسقف له ثقله فى الكنيسة ولا أحد يستطيع أن يقف أمامه بسبب علاقاته الكبيرة مثل «مسيحيو مصر» والذى يهاجم البابا دائما فيما يخص قراراته الخاصة بالإكليريكية واختياره للأساقفة الجدد ولقاءاته المتعددة والمتنوعة وسفرياته للخارج وغيرها من أخبار البطريرك ليصبح بوقا للهجوم الدائم عليه.
ودخل على خط الأزمة الأسقف المعروف بالرجل الحديدى والذى يقوم بتمويل بعض القنوات المسيحية ومنها قناةIUC    والتى حاولت فى بدايتها الهجوم على البابا عن طريق الاتفاق مع بعض رهبان دير الأنبا مكاريوس المعروف بدير وادى الريان للظهور على شاشتها والهجوم على البطريرك إلا أن المشروع لم يكتب له النجاح لأسباب مادية وأصبحت القناة تبث فقط مواد مسجلة لبعض أساقفة الكنيسة الراحلين.
الهجوم على البابا تواضروس ساعد فى خلق نوع من التعاطف معه وساعد فى زيادة شعبية البابا والتى كانت قليلة فى بداية جلوسه على الكرسى المرقسي، خاصة بعد حرصه على إلقاء عظته الأسبوعية من مكان مختلف على مستوى الكرازة ولقاءاته مع الشباب بشكل مستمر والذين يتم اختيارهم بشكل عشوائى وفتح ابواب المقر للمعارضين قبل المؤيدين.
مصادر أرجعت أسباب زيادة الهجوم على البابا تواضروس لعدم وجود هيكل إعلامى منظم ومحترف لإدارة الأزمات أو الأخبار أو لإيضاح أى لبس يطرأ على الساحة الكنسية بل يتم التعامل إعلاميا مع أى أزمة بعد تفاقم المواقف مما يساعد على وجود تربة خصبة للهجوم وإيجاد صدى له، فضلا على عدم وجود مستشارين ذوى خبرة حول البابا، فعلى سبيل المثال تجد أنه من الممكن أن يمر عام كامل لا يخرج فيه البابا فى رحلات رعوية للخارج، وفى عام آخر لا يمكث فيه فى مصر سوى أيام قليلة مما يتيح للمتربصين انتقاده.
على الرغم من أن البابا تواضروس يعالج فى النمسا منذ أن كان أسقفا فى دمنهور حيث يعانى من آلام فى الظهر، بعد أن تم توفير علاج بالتامين الصحى هناك حيث إنه يعانى من آلام تستدعى تدخل جراحى إلا أنه يرفض إجراء العملية ويخضع للعلاج الطبيعى بشكل مستمر، وعلى الرغم من ذلك يهاجمه الكثيرون كلما يذهب إلى هناك لعدم وجود إليه حقيقية محترفة لإدارة الأحداث.
وأضاف المصدر أن من بين أسباب الهجوم إصرار البابا على وجود شخصيات بعينها معه على الرغم من انتقاد الكثيرين لهم ووجود علامات استفهام كبيرة حول بعض تصرفاتهم دون إظهار العكس يحمل العديد من التساؤلات التى تحتاج لإجابة.
على الرغم من أن كهنة كثيرين يخطئون فى البابا فى سابقة هى الأولى من نوعها مثل القس مرقوريوس صموئيل والقس بيشوى ملاك صادق صاحب مقال قداسة الماما المعظم حينما استقبل البابا رئيسة أساقفة الكنيسة السويدية إلا أن البابا تواضروس لم يقم بمعاقبة أو محاكمة لهم، فضلا عن أن من حصل على عقاب كنسى رفع عنه قبل أن يكمله مما جعل البعض يهاجمه بأريحية لأنه يعلم أنه لا يوجد عقاب حقيقى.
والسؤال الأهم: إلى أى مدى سيصمد البابا أمام كل هذا الهجوم العنيف، صحيح أنه يقوم بإدارة كل إمكانياته فى التواصل مع الآخرين بنفسه مما يسعد العديد من الشباب ويجعله يكسب أرضية جيدة فى حرب لم يكن يريد أن يخوضها ولكن إلى أى مدى سيستطيع إدارتها بنفسه، وهل هناك ممن حوله من يستطيع أن يثق فى إداراته لهذه الحرب كما يجب ؟!  سؤال يحتاج لإجابة عملية من قبل البابا شخصيا.>