الأحد 19 مايو 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري

عمر خيرت: أغانى المهرجانات انعكاس لحالة التدنى

عمر خيرت: أغانى المهرجانات انعكاس لحالة التدنى
عمر خيرت: أغانى المهرجانات انعكاس لحالة التدنى


فنان من طراز رفيع المستوى، نجح بقوة لتصبح موسيقاه محفورة فى أذهان ووجدان كل مواطن عربى ومصرى، له بصمة مختلفة، تجمع بين رصانة الكلاسيكيات العالمية، وبين أصالة وشرقية اللحن.
موسيقاه للجميع، ليست قابعة فى أبراج عاجية بعيدة، أو مقصورة على جمهور الأوبرا والمثقفين، بل تلمس بقوة على أوتار ومشاعر رجل الشارع العادى.
الموسيقار الكبير عمر خيرت تحدث لـ«روزاليوسف» عن الفن والسياسة والقضايا الاجتماعية والثقافية التى تشغل بال المواطن المصرى والعربى.

 الموسيقار «عمر خيرت».. رحلة طويلة من الإبداع والتميز، ما أبرز الشخصيات التى أثرت فى مسيرتك الفنية والإنسانية؟
- البدء من أسرتى بالدرجة الأولى، بدءًا من جدى محمود خيرت كان محامياً وكان مهتماً جداً بالفنون وشاعراً وأديباً ومترجماً ورساماً وموسيقياً، وكان لديه صالون دائم للفنون، مرورا بعمى أبوبكر خيرت، وهو مثلى الأعلى دائما، فكان مهندسًا معماريًا مشهورًا وهو الذى أسس معهدالكونسرفتوار المصرى وقد أثرى المكتبة الموسيقية المصرية بأعمال سيمفونية رائعة، أيضا كان والدى مهندسًا معماريًا متخصصاً فى العِمارة الإسلامية وبناء المساجد، وكان أيضاً عازفاً للبيانو وظل مواظباً على العزف عليه حتى وفاته، كل هذه العناصر بلا شك كانت لها تأثير مهم فى تكوينى الفنى.
 ما الفرق بين موسيقاك وموسيقى أبوبكر خيرت ؟
- كل واحد له شخصيته الموسيقية، ولكن ما يجمعنا هو دراستى فى معهد الكونسرفتوار الذى تعلمت فيه وكنت أول دفعة التحقت بالمعهد عام 1959، وعمى هو من أسس هذا المعهد وله انطلاقاته الموسيقية الكبيرة، إنما الشخصية الموسيقية مختلفة، لكن العلوم الموسيقية تجمعنا.
 لماذا كان اختيارك للتأليف الموسيقى تحديدا؟
- فى الحقيقة التأليف هو من اختارنى، واختيار البيانو وهو أم الآلات الموسيقية، لا غنى عنه لأى مؤلف موسيقى، فهو آلة تجمع أصواتًا كبيرة ومتعددة ويجمع أوركسترا بين أصابع المؤلف يطوعها فى الهرمونيات.
البيانو رغم أنه آلة غربية بامتياز، إلا أنك طوعتها لتأليف موسيقى حافظت على الطابع الشرقى. كيف نجحت فى ذلك وهل كان مقصودا؟
- لأن أنا مصرى وبيئتى ونشأتى هى مصر، فالشرقية والمصرية هى أصولى وكانت لابد أن تنعكس على الموسيقى التى أقدمها، تربيت على الاستماع لعظماء هذا الجيل وعلى رأسهم عبدالوهاب وعبدالحليم وأم كلثوم، وغيرهم من مدارس التلحين، كالسنباطى وكمال الطويل ومحمد فوزى، والموجى، فكانوا مدارس موسيقية كبيرة يتعلم منها أى موسيقى شاب.
 فى بداية حياتك لعبت الدرامز، وكنت عضوًا فى أحد فرق الجاز.. كيف أثرت هذه الفترة فنيا فى مشوارك؟
- هى تجربة وكانت نوعًا من الثورة فى فترة الشباب، حيث كان عمرى 15 عامًا، وكان عمى أبوبكر خيرت توفى، وفى الحقيقة، لم أكن أستطيع الانضمام إلى هذه الفرق وهو على قيد الحياة، لأنه كان سيغضب جدا، فالدراسة الأكاديمية والبيانو موضوع مختلف تماما عن الجاز والدرامز اتجاه موسيقى مختلف، ولكن هذه التجربة أكسبتنى خبرات مهمة فيما بعد فى عملى بالتأليف الموسيقى، والفرقة كان اسمها «ليه بتى شاه» Les Petits chats  أسست فى يوليو 1967 بعد النكسة مباشرة.
 هل ترى أن ظهور هذا النوع من الموسيقى كالجاز والروك فى هذه الفترة كان رد فعل ثوريًا من الشاب تجاه كل التغيرات السياسية التى يشهدها العالم؟
- بالنسبة لنا فى مصر كانت 1967 حدثًا قاسيًا جدًا وكبيرًا، ولكن فترة الستينيات بالعالم كانت أفضل فترة أنتجت أنجح فرق جاز وروك، حيث ظهر البيتلز وأثروا فى تاريخ الموسيقى والغناء، وكانت الستينيات فترة ذهبية فى الموسيقى، وحتى الآن نستمع لأعمال هذه الفترة المهمة، وفى هذه الفترة نجحنا فى تكوين الفرقة، بعد النكسة.
 ماذا تتذكر عن هذه الفترة وتلك الأيام؟
- كانت أيامًا حلوة جدا، كانت تجربة رائعة لنا كموسيقيين وللشباب المولع بالموسيقى آنذاك، ومصر كانت جميلة جدا رغم الهزيمة، فلم نشعر بالهزيمة إلا فى بدايتها الصادمة، ولكن بعد ذلك تجاوز المصريون الحدث الصعب بالعمل وحرب الاستنزاف وحقق الانتصار فى 1973 بعد أقل من خمس سنوات، وهى دلالة تعكس بقوة أن الشعب المصرى أعظم شعب فى العالم، فهو يتحمل الكثير ويرضى بقليله، ولكن ينجح فى النهاية، ويدلل على ذلك فى كل المواقف والمحن التى يمر بها الوطن، فمثلا أتذكر الدعوات الخاصة 11-11 الذى حضر لها أعداء الوطن من الإخوان وغيرهم، ودعوتهم للمصريين للنزول بثورة جياع، ولكن الشعب المصرى رفض كل هذه الدعوات التخريبية ورفض النزول.
 البعض يرى أن عدم النزول لا يعنى موافقتهم على الأوضاع الجارية، ولكن خوفا على الاستقرار والأمان بعد فترة صعبة قضاها طوال 5 سنوات بعد الثورة؟
- بكل تأكيد الشعب يشعر بالخوف من المجهول، وهذا حقه، ولكن كل البوادر تؤكد محاربتنا لهذا الإحساس وأن على الجميع أن يتحمل مسئوليته لحماية الوطن واجتياز هذه الفترة العصيبة.
 شاركت فى أواخر الشهر الماضى فى افتتاح حفلة «مهرجان الموسيقى العربية» فى عامه الـ25 كيف ترى مكانة الموسيقى العربية والمصرية الآن فى العالم أوروبا وأمريكا؟
- الغرب يتفاعل مع الموسيقى التى قدمها جيل المؤلفين المصريين الأوائل من أعمال موسيقية أمثال عزيز الشوان، أبوبكر خيرت، يوسف جريس، جمال عبدالرحيم، على إسماعيل، هؤلاء من قدموا السيمفونية والأوبرا، والكونشيرتو وغيرها من القوالب الموسيقية الغربية، ولكن تميزت أعمالهم بطابعها الشرقى الأصيل، ولأنها كانت تخضع لمعايير الموسيقى العالمية التى يفهمها ويتعاطى معها العالم، ونجح هؤلاء المؤلفون فى استخدام العلوم الموسيقية التى تتكون من هارمونى والعلوم الأكاديمية، وهو نفس المنهج الذى استخدمه فى الموسيقى التى أقوم بتأليفها، لذا الغرب يستطيع أن يتعامل مع أعمالى ويستسيغها.
 نفهم من ذلك أنك مطمئن على حالة الموسيقى الشرقية وأنها ليست متخلفة عن الركب العالمي؟
- الموسيقى الشرقية والمصرية شهدت تطورا من سيمفونيات يتم تدرسيها حتى الآن فى المعاهد الموسيقية، وفى رأيى أن مصر استطاعت منذ مطلع القرن 20 أن تجارى الموسيقى العالمية وتحفر لها مكانا مميزا، فنحن تجاوزنا كمصر هذه المرحلة وحققنا نجاحات كبيرة، ووضعنا الموسيقى ليس سيئًا لهذه الدرجة.
 ولكن ألا ترى أن هذا الزخم الذى كان موجودًا ينحسر وأصبح لا أحد يهتم بتقديم هذا التطور الموسيقى سوى الموسيقى التى تقدمها؟
- هذا غير حقيقى، ولكن يوجد غيرى كثيرون من المؤلفين، ويقدمون أعمالا مميزة، وهناك مئات الموسيقيين، وعازفون، ربما غير معروفين، فضلا عن أن لدينا معهدًا عظيمًا كالكونسرفتوار، يخرج كل عام عناصر دارسة للموسيقى العالمية وتمثلنا بكل قوة فى المهرجانات العالمية بنجاح وتميز.
 تخرجت فى الكونسرفتوار فى دفعته الأولى.. كيف ترى حاله الآن وهل قادر على العطاء؟
- حالة المعهد ومشكلاته تشبه أى حاجة تأثرت فى مصر وتغيرت ولم تعد مثلما كانت عليه، ولكن مع هذا سيظل مكانًا مهمًا جدا لتخريج الموسيقيين، واستمرارية نجاحه تحتاج إلى دعم وإمكانات، واهتمام أكبر.
 مصر تمتلك تراثًا موسيقيًا وفنيًا ممتازًا بدءا من سيد درويش وصولا لعزيز الشوان وأبوبكر خيرت، وأم كلثوم، وعبدالحليم.. كيف ترى وصولنا إلى هذا اللون المسمى «المهرجانات» التى يمكن أن تسمعها وأنت تمر بسيارتك فى أى مكان هل يمكن أن نطلق عليها موسيقي؟!
- الفن مرآة للمجتمع، وصلنا إلى هذه المرحلة من هذا اللون المسمى «مهرجانات» نتيجة لحالة التدنى التى تشهدها قطاعات كبيرة من المجتمع، وتغيرات أصابته على مدار سنوات عديدة، فضلا عن ارتفاع معدلات الفقر وانخفاض جودة التعليم الذى لا يكفى هذه الزيادة السكانية الضخمة، وغيرها من المشكلات التى أتمنى أن تنجح مصر فى عبورها، علينا أن نتخلص من هذا الماضى الذى أدى إلى هذه التراكمات، وكل ذلك أثّر على مستوى الفن والتذوق الموسيقى، فالظروف المتدنية أثرت على الفن، ولكن فى العالم كله تظهر هذه الألوان المجنونة الصاخبة، التى تشبه ما يسمى بأغانى المهرجانات بمصر، ولكن فى النهاية لا يصح غير الصحيح، الفن الجيد الحقيقى هو الباقى فى النهاية وغيره إلى زوال.
 ولكن أين دور وزارة الثقافة، هل ترى أنها تمتلك مشروعًا قوميًا ثقافيًا يعيد أمجاد ما بدأه الدكتور ثروت عكاشة؟
- أعتقد أن هذا واجبهم الذى يجب أن يقدموه من الارتقاء بالمستوى الثقافى للشعب، ودعم النشاط الثقافى وتنميته، ولكن فى ظل الظروف التى تشهدها البلاد تكون عملية صعبة لمقاومة كل ما يحدث من مشكلات والتعاطى مع هذا التعداد الكبير للسكان واستهداف تثقيفهم، ولكن الوزارة تعمل فى ضوء الإمكانيات المتاحة، وأتمنى أن يكون هذا الدور ملموسًا من خلال قصور الثقافة التى تخترق كل قرية ومحافظة من الجمهورية تكتشف المواهب وتنمى الوعى الثقافى بصفة عامة، وسمعت مؤخرا أن وزارة الثقافة تجتهد فى ضوء مواردها بإنشاء أوبرا بمحافظة بورسعيد، وهذا مجهود يجب أن نثنى عليه، ونتمنى أن يحدث دفعة أكبر للوزارة، لأن التراكمات شديدة على كل المستويات، مع أهمية الاعتناء بأكاديمية الفنون ومعاهدها الفنية ذلك الصرح المهم.
 هل أثرت ثورة يناير فى المشهد الموسيقى مصر بصفة عامة؟
- فيما يخصنى كانت فترة ثرية وقدمت فيها حفلات كثيرة، وكان اهتمامى حريصًا على أن يخرج الشعب من هذه «الغمة» التى كان يعيش فيها، والفترة الصعبة، فالموسيقى تعطى إحساسًا روحانيًا مهمًا لمن يستمع لها، والشعب كان يحتاج ذلك فى هذه الفترة العصيبة، فالموسيقى لها دور كبير فى حياة الشعوب فى الفترات المهمة المليئة بالتحولات والتغيرات.
 6 سنوات مرت على ثورة يناير.. هل تلمس تغييرًا فى المجتمع المصري؟
- بكل تأكيد، كانت حدثًا مهمًا، وأحدثت تغييرًا مهمًا، ويكفى أن مصر الوحيدة فى المنطقة العربية التى حافظت على كيان الدولة وهو يدلل على قوة وعظمة هذا الشعب، فى ظل دول أخرى شهدنا انهيارها وتفككها كما حدث فى سوريا والعراق وليبيا.
 30 يونيو .. ثورة على ثورة؟!
- لا، كانت ثورة من أجل تصحيح مسار ثورة يناير وسلبياتها، التى كانت أكبر مظاهرها هو سرقة الإخوان ليناير وتسللهم، وحكمهم لمصر عامًا.
 كيف كنت ترى مصر تحت حكم الإخوان؟
- كنت أشعر أن «البلد كانت هتروح فى داهية»، كانت فى حالة ظلامية على كل المستويات الفنية والسياسية، كان نظامًا عدوًا للفن والإبداع والحريات.
 هل بسقوط الإخوان سقط التطرف الدينى بمصر؟
- بكل تأكيد لا، ولكن تم تحديده، وأهم شيء أن الشعب المصرى ألقى هذا الفكر والنظام الذى يتاجر بالدين لأغراض سياسية.
 ولكن كيف ترى تصريحات أحد النواب بأن روايات نجيب محفوظ تخدش الحياء العام؟
- أقوله «روح شوف نفسك»! هذا كلام ضد الفكر والإبداع يشبه أفكار هذه التيارات الإخوانية المتطرفة، وبلاشك إنه تصريح محزن أن يظهر فى برلمان تم تشكيله بعد 30 يونيو التى اندلعت لمحاربة كل هذه الأفكار المتطرفة، ولكنى لست قلقًا منه، فهو مجرد تصريح فردى، ينقد عليه ولا يصح أن يمس قامة كبيرة مثل نجيب محفوظ، ولن يمكن له الاستمرار، فالشعب المصرى لن يستسلم لمثل هذه الأفكار الرجعية مرة ثانية.
 شاركت فى حفل افتتاح قناة السويس العام الماضى.. هل كان هوى سياسيًا أم احتفالية رسمية تمت دعوتك لها فقط؟
- مشاركتى فى الحفل كانت هوى وطنيًا أولا وأخيرا، «مليش دعوة بالسياسة»، كنت فخورًا بمشاركتى فى احتفالية بمشروع عظيم وقومى مثل افتتاح قناة السويس الجديدة، وفلسفة المشروع التى تعكس إرادة المصريين وعزيمتهم فى إنجاز مشروع ضخم كحفر القناة فى وقت قياسى، وكانت تجربة مميزة مختلفة أمام هذا العدد الكبير من رؤساء العالم.