الجمعة 12 يوليو 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري

«جاوى» .. هكذا يكون الغناء للناس

«جاوى» .. هكذا يكون الغناء للناس
«جاوى» .. هكذا يكون الغناء للناس


«يما عيون الناس زنازين، وأنا قلبى حزين، من كتر كعوبهم ما داستني، القمرة ماتشبهش سماها يوم مالجأتلها خبتني، وأنا شفت الضل ولا لقيتنى».  تبدو هذه الكلمات للوهلة الأولى فى منتهى البساطة فى تركيباتها أو غير مفهومة فى مقصدها وعمق «بؤسها» إن جاز التعبير، لكنك لن تستطيع منع نفسك ربما من التمايل ولو قليلًا على وقع إيقاعها البطىء، وتسرح مع أداء وإحساس من يغنيها، ممزوجًا بلمسة ساحرة من خفة أصابع البيانو فى الخلفية ودقات قلب دف ينبض بالحياة مع كل وزنة من أوزان الكلام الشعرى فى كتابته.
30 ثانية فقط هى عمر مطلع تراك ستجده ربما بالصدفة وأنت بتقلب ع الساوند كلاود، ستعيده مرة تلو أخرى لتكرر جملته الأولية عن ظهر قلب، حتى تزيد تمايلات رأسك تدريجيًا على وقع كوبليه «فجريت من الخوف، وعدمت الشوف، علشان كدبت الضحكة فى وش المساكين».
تراك بسيط فى ظاهره لن تمر عليه مرار الكرام خاصة بعد مرور أول دقيقة، لتجدك تفاجأت بكسر حالة «الغناء المعتاد» بوصلة أدائية من إلقاء الشعر، «الشيشة يا بيه تحب اللمة، الحجر اللى بيحرق نفسه بيفرح لما بترفرف حواليه الضحكات»، لتتضح فى ذهنك بشكل تدريجى صورة متخيلة لمقصد الأغنية، وما تحمله من جرعات مركزة من «الوجع»، و«الحسرة»، خاصة على وقع جملة «دلوقتى خلاص بقى له قيمة؟ بعد أما اتدب فى صدره رصاص، والله يابيه لو كان بإيديه كان حب على إيدين القناص».
حالة من «البؤس الخالص» والدموع المتجسدة فى صورة حروف تراصت بجانب بعضها البعض فى صورة تراك من الشعر تغنت به المزيكا، لتبث الحياة فى بضع قطرات من الدماء نشفت ع الأسفلت، عن «شهيد» قتل إبان ثورة لم تكتمل، أو «معتقل» ضاع عمره سدى بين قضبان حبسته ظلمًا، أو «فقير» ذبلت زهرته باكرًا من انعدام قوت يستره، الطبقية المأساوية بين شعب بسيط سرقت حقوقه علنًا من حكام أسروا حريته بسلاح، «اسجنى يا بيه لو ده هيرضيك، هتزيد نجمة على كتاف معاليك، ويزيد الكره فى قلبى الكفران من كاسكم»، ليتمكن من تلخيص جرعة أوفر دوز من الحقد والظلم فى جملة واحدة، تجدك لا إراديًا أطلقت «تصفيقًا حارًا»  بعدها إن جربت سماع الأغنية لايف، «ملعونة العيشة فى أراضيكم طبعكو كفار، شوف كام خزنة طلق هتكفى صدور الأحرار».
«عيون الناس زنازين»، تعد باكورة أعمال فرقة جاوى الغنائية، باند حديث العهد نسبيًا فى ساحة الأندرجراوند، ووسط المزيكا المستقلة بمصر، وجه جديد إلى حد ما، تمكن فى وقت قياسى لم يتجاوز السنة ونصف من حفر اسمه فى مسامع وقلوب قاعدة جماهيرية مدهشة، بمحتوى غنائى غير مألوف بالمرة، يمزج بين قوة الكلمات المعتمدة على القصائد الشعرية، وبين خفة المزيكا متعددة المذاقات والمتأثرة بشكل أكبر بفلكلوريات الجنوب، مع أداء غنائى بث الروح فى جسد الشعر، ليعد أول باند أندرجراوند أعطى راية التركيز والاحترام للمستمع للكلمات بعيدًا عن تكرار نوعية المزيكا والكلام المستهلك.
«جاوى» حلم طارد خيالات الشاعر الشاب أحمد الجمل، لتحويل شغفه بالشعر إلى فكرة باند غنائي، يمزج بين قصائده وبين المزيكا، فى تركيبة سماعية غير موجودة بين الباندات، بدأت ملامحه فى الظهور تدريجيًا بلقائه مع المطرب محمد عبداللطيف، فوكال الباند، فى «قعدة صحاب عادية» مع محمود القاضى مانجر الفريق، فى تجربة أداء أول تراكات الباند «عطشان يازينة»، ليقرروا على الفور بعد البروفة وضع حجر أساس «جاوى» كفرقة غنائية رسمية، وأطلقوا الأغنية ع الساوند كلاود.
 يقول القاضى: «نزلنا التراك ونمنا صحينا لقيناه عدى الـ 10 آلاف، ولقينا الناس بتقولنا إيه الجمال ده، انتو فين من زمان، عايزين نسمعكو لايف، فقررنا نعمل أول حفلة».
«جاوى»، اسم غريب، مستوحى من بخور عطرية تحمل نفس الاسم، حنة وعطر وبخور هندية نفاذة فى رائحتها الجميلة، رائحة تخطف الأنفاس بالمعنى الحرفى للكلمة، بين تراقصات دخانها الملون فى السماء، وعطرها الأخاذ الذى يثبت فى أرجاء المكان لفترات طويلة دون أن يتطاير ويختفي، يرضى جميع الأذواق مهما اختلفت، وذلك ببساطة ما حاول الباند تقديمه، تركيبة شعرية وغنائية بلمسة موسيقية ساحرة تكون «وجبة» سماعية متنوعة المذاقات ببهارات مزيكا خاطفة، أقرب ما تكون لـ«مزيكا ريحتها فايحة» تخطفك فور تجربة سماعها ولو بالصدفة.
من المحتمل أن تشعر ببعض القشعريرة عند سماعك لتراكات «جاوى» لأول مرة، ستجدها تجمع روحًا تراثية بين وصلاتها الموسيقية، وتلامس قلبك بإحساس وعمق معانيها غير المفهومة، وخلفية المزيكا الجامعة بين تعاويذ من سحر الجنوب، والموسيقى الأفرو نوبية، وبهارات نفاذة من جماليات المزيكا الأورينتال الشرقية، مضاف عليها بضع قطرات من عطر البلوز و الجاز .
 هذا بجانب مواضيعه التى تركز بشكل أكبر حول التلامسات العاطفية، فبداية من «عطشان يا زينة اسقينى من ريقك»، المجسدة لرومانسية حبيب مشتاق لمعشوقته، فى  وصلة حب علنية «عشمان يا زينة ليه ترديني، قالو زمان إن القدر سياف»، ستأسرك بعواطفها الجياشة وربما لن تدرى أن المقصود منها فى الأصل هى وصلة عشق فى حب الوطن وأرض النيل، مرورًا بجرعة من الألم الذى يطال قلب «حب وماطلش».
 فى أغنية «قصر الخليفة»، المجسدة لمعاناة شاب من الطبقة الفقيرة سعى وراء حب فتاة من الأغنياء رفضه والدها أشر رفضة كسرت قلبه، نظرًا للفروق الطبقية بعيدًا عن التفكير فى مدى العشق والتضحية، فتكفى كلمات «قال الخليفة تأدب وأنا قلت رايداني، قالى لا هى من توبك ولا إنت من توبها، يبقى الفراق واجب، قدرك ومكتوبها». والوحدة الوطنية المجسدة فى أغنية «بحبك أدان وبحبك كنيسة وبحبك هرم»، وصولًا إلى تجديف قارب أذنيك سريعًا فى بحر من هوى الفلكلوريات الشرقية، بين التراث الفلسطينى المتمثل فى أغنية «يما مويل الهوى»، والصعيدى فى تراك «ياليل ياليل»، واللهجة الصعيدية المتكررة فى معظم التراكات.
«جاوى» تمكن من الوصول للنجومية فى عالم الأندرجراوند مؤخرًا بسرعة قياسية، عقب مشاركته الناجحة جدًا فى فعاليات مسابقة تحدى الباندات «باتل اوف باندز»، أكبر تحدٍ لفرق الأندرجراوند فى مصر، جمعت منافسة شرسة بين أكثر من 12 «باند»، من أصل 400 فرقة تقدمت للمشاركة، تمت تصفيتها عبر أربع حفلات جمعت كل منها ثلاث باندات، وتأهل منهم أربعة فى مرحلة نصف النهائيات، كان منهما جاوي، الذى أبدع عبر حفلاته الجماهيرية الكبرى فى حديقة الحرية بالزمالك وقلعة صلاح الدين الأيوبي، لينال أعلى معدلات التصويت من الجمهور ممن اعتبره الفائز فى التحدى رغم عدم وصوله لحفل الختام فى الأهرامات، مسابقة برزت نجم جاوى فى العلالى خاصة مع تفرده عن باقى الفرق بما يحمله من ثقل «موسيقى» غير مألوف وغير معتاد فى الوسط المزدحم بالتجارب الموسيقية «المكررة» فى فحواها.
يضم «جاوى» بشكله النهائى بعد عدة تقلبات وتغييرات بمحتواه،  فى جعبته ستة موسيقيين، بداية من الفوكال تيفا، وعازفة القانون تقي، وباص جيتار بباوي، مع ليد جيتار ويصا، والموزع والكيبورديست جيسون، والدرامر نديم، وحنكش الإيقاعيست وعازف الطبلة والدف، مع مصممة الأزياء نور، التى أعطت لمحة من التأثر بفلكلور الجنوب وجمال النوبة فى ملابس جاوي، ويدخل الباند حاليًا فى «قوقعة» التحضير لألبومه الأول، الذى يسعى أن تكون تراكاته مسجلة «لايف»، لتحوى «صيحات وردود فعل الجمهور«بين كلماتها وموسيقاها يظهر للنور عما قريب» نفسنا نوصل مزيكتنا لكل الناس، ونقدم حالة مختلفة تستاهل تتسمع من الكل، وندى للكلمة قوتها وللمزيكا احترامها.
هكذا يلخص أعضاء «جاوى» فكرة الباند، تقديم محتوى غنائى معتمد على قوة الكلام ويحترم المستمع بمختلف الأعمار، ويبتعد عن متشابهات الأداء الموسيقى والغنائى بين الباندات،  وأبعد ما يكون عن المبتذل فى الأغانى الكوميرشيال فى «رومانسيتها المصطنعة»، «راميين نفسنا فى حتة تانية خالص، فى المزيكا واللبس والكلام، ونفسنا نلف بمزيكتنا العالم وحلمنا نقدم حفلة فى فلسطين».