الأحد 19 مايو 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري

نبوءة عبدالناصر.. الإخوان سبب كل الكوارث

نبوءة عبدالناصر.. الإخوان سبب كل الكوارث
نبوءة عبدالناصر.. الإخوان سبب كل الكوارث


المجلة قد نشرت المقال الأول فى عدد يناير 1955, حيث بدأ المقال بالإشارة إلى أنه لمدة قرن ونصف القرن كان العالم العربى يتبع سياسة سلبية. لقد عرف ما الذى يريد التخلص منه لكنه لم يعرف أبدا ما يريد بناءه.
كان الغزو الغربى للشرق الأوسط ذهنيا بقدر لا يقل عن كونه ماديا، وفقدت العقول الشرقية المسحوقة، وغير المستقرة كل القيم العقلانية تقريبا لكنها لم تستوعب القيم الغربية، وأحدث سوء التطبيق لأنماط الحكم الغربية خليطا مشوشا من الأنظمة والفلسفات السياسية فى المنطقة العربية وكانت الديمقراطية مجرد غطاء للديكتاتورية وأصبحت الدساتير التى صيغت لمصلحة الشعب فى الشرق الأوسط أدوات لاستغلالها والسيطرة عليها.
وقال عبدالناصر فى المقال الذى جاء فى نحو 5 آلاف كلمة: إن قصة مصر فى تلك السنوات كانت مع السعى لتحرير البلاد من النير الأجنبى وإيجاد سياسة قادرة على القضاء على الشرور التى تراكمت بفعل الإقطاع، وتضاعفت بفعل سوء استخدام السلطة الحكومية.
وأضاف: إن بحث مصر عن مخرج لها من أزماتها كان طويلا ومؤلما.. كان المصريون يأملون أن يكون لهم قادة يؤيدون قضيتهم ويدافعون عن مصالحهم، لكن الساسة والفرقاء أنفسهم كانوا فى الغالب خاضعين لقوى تخرب البلاد - الحكام البريطانيين والملوك الفاسدين والسادة الإقطاعيين والطبقة الحاكمة غير المصرية وأتباعها من المصريين.
ومنذ البداية استنزف البريطانيون قوة مصر وطاقاتها. وحلوا الجيش المصرى وخلقوا قوة رمزية بقيادة ضباط بريطانيين وانتشر المستشارون البريطانيون فى كل مصلحة من المصالح الحكومية، وأصبحت وظيفة الآلة التعليمية إنتاج موظفين حكوميين وأفقرت السياسة المالية للبلاد.
وأشار المقال إلى أن نظام الحكم الأجنبى بنى على الملكية الفاسدة والنظام الإقطاعى وضع فى عهد محمد على الذى احتكر لنفسه الأراضى والموارد وعامل الفلاحين على أنهم عبيد، وخلق طبقة إقطاعية تتكون من أسرته وشلته الأجنبية فى معظمها وامتد هذا النظام الاحتكارى إلى التجارة والصناعة وأنفقت الأموال الناتجة عن ذلك ببذخ لخدمة أسرة محمد على وطموحها، وبذلك كان الانفصال بين الأسرة الحاكمة والجماهير المستعبدة، ورغم إنهاء احتكار الدولة المطلق للأراضى والتجارة فيما بعد مع السماح بالملكية الخاصة والمشروعات الحرة، فإن الضرائب الباهظة حرمت الفلاح المصرى من ثمار عمله.
وأوضح عبدالناصر فى مقاله أن المشكلات التى تواجه الأمة المصرية انقسمت إلى قسمين: الصراع بين الأمة وحكامها من ناحية، والصراع بين الأمة والتدخل الأجنبى من ناحية أخرى، وخاضت الأمة المصرية معركة من أجل الاستقرار الدستورى إلى جانب معركة أخرى من أجل السيادة والحكم الذاتى، وشمل ذلك رفع المستويات الثقافية والاجتماعية وكانت المشكلة هى استعادة الكرامة الإنسانية فى مصر.
وفيما يتعلق بالقضية الفلسطينية أشار ناصر إلى أنه فى الوقت الذى شعرت فيه البلدان العربية بالحماس لإنقاذ فلسطين لم تكن الحكومة المصرية مستعدة الاستعداد الكافى لهذه المهمة، وجعل سوء الإدارة والفساد من جانب شلة الملك بما فيها تجارة الأسلحة الفاسدة - التضحيات المريرة التى قدمها الجيش المصرى بلا طائل وكشفت الحرب عن مدى الشرور التى سادت القصر والحكومة ودفعت الأمة إلى الاحتجاج، وعندما تكونت جماعات الفدائيين التى قامت بعملياتها فى منطقة القناة وقع حريق القاهرة المدبر فى 26 يناير 1952 وشلت حركة الفدائيين واتسعت الفجوة بين الحكومة والمحكومين.
كانت الثورة هى الطريقة الوحيدة للخروج من ذلك، وقد وقعت فى عام 1952 بقيادة الجيش وبتأييد من الأمة. فقد فهم الجيش وضعه وانضم إلى صفوف الشعب ليقود الحركة من أجل التحرر الوطنى، ووعيا باتجاه الأحداث التالية أدركت الثورة أهدافها  خلال فترة أقصر مما هو متوقع فخلعت الملك وألغت الملكية وأقامت الجمهورية المصرية.
وبما أن الثروة القومية كانت موزعة بشكل غير عادل، وضعت الثورة قانون الإصلاح الزراعى الذى حدد سقفًا للملكية الزراعية وإيجارات الأراضى ونظم العلاقة بين المالك والمستأجر، وكان هم الثورة الرئيسى هو تحقيق سيادة الدولة فكان لابد من جلاء البريطانيين.
وعن سياسة النظام الجديد فى مصر الخاصة بإعادة بناء البلاد قال الزعيم أنها قامت على أسس جديدة وهى التنمية المتكاملة «ثلاثية الشُعَب»، فكان مشروع السد العالى لزيادة الإنتاج الزراعى، كما أن توربينات السد ستولد 10 مليارات كيلو وات كهرباء كل عام.
بالإضافة إلى توليد الطاقة من السد العالى أشار عبدالناصر إلى توسيع موارد مصر النفطية إلى أقصى حد، وأولى الخطوات هى مراجعة قانون التعدين الذى قيد عمل الشركات الأجنبية فى مصر فى الوقت الذى كانت فيه القدرات المحلية شديدة المحدودية فأزيلت القيود وسُمح بتحويل الشركات أرباحها إلى الخارج.
وذكر المقال مصنع الحديد والصلب الذى شيدته فى حلوان شركة «ديماج» الألمانية بتكلفة قدرها 45 مليون مارك ويمثل دخول مصر مجال الصناعات الثقيلة وينتج 240 ألف طن من الصلب كل عام وهو يعتمد على خام الحديد فى أسوان الذى يقدر أن يمد صناعة الصلب المصرية بالخام لمدة 500 سنة وذكر  المقال صناعات أخرى كالورق والسماد والسكر وإطارات السيارات، ولتحسين الميزان التجارى كان لابد من الحد من الواردات غير الأساسية وتقييد الواردات من بلدان لم تعقد معها اتفاقية تجارية.
ولتعزيز رفاهية الجماهير نفذت الحكومة برنامجًا واسعًا للخدمات الاجتماعية، وقد خُصص مبلغ 200 مليون دولار فى الميزانية لمشروعات الإصلاح الاجتماعى لتقام وحدات الرعاية الاجتماعية فى المناطق الريفية حيث افتتح بالفعل 200 مركز فى عام 1954.
مرة أخرى يشير ناصر إلى أهداف الثورة وهى القضاء على استغلال الشعب، وتحقيق المطامح القومية وتنمية الوعى السياسى الناضج الذى يعد شرطًا أساسيًا للديمقراطية السليمة، كما تسعى الثورة إلى سد الفجوة بين الطبقات الاجتماعية وتعزيز روح الغيرية.
يقول ناصر: إن الهدف النهائى هو أن يوفر حكومة ديمقراطية ونيابية بحق وليس نوعًا من الديكتاتورية البرلمانية التى فرضتها طبقة «الباشوات» الفاسدة على الشعب، ولتحقيق تلك الأهداف كان لابد من رفع مستوى الجماهير وتوسيع التعليم والوعى الاجتماعى فى أنحاء البلاد كى يفهم الشعب واجبات المواطنة وميزاتها ولابد من توفير دستور يحمى مصالح كل الجماعات، ففى خلال العام السابق لكتابته كانت لجنة تتكون من قادة ميادين الحياة المختلفة فى مصر وممثلين للديانات المختلفة «المسيحية واليهودية والإسلام» تضع مسودة الدستور الجديد.
وأشار المقال إلى أن أكبر أعداء الشعب الداخليين هم الشيوعيون الذين يخدمون الحكام الأجانب، والإخوان المسلمون الذى لا يزالون يسعون إلى الحكم بالاغتيال، وأضاف أن الجماعات الدينية الرجعية كالإخوان المسلمين ليسوا سياسيين بحق ولا متدينين بحق وهدفهم النهائى هو السلطة، ولكى يحققوا ذلك يتبنون أساليب منافية لروح الإسلام وروح العصر.
وتفاخر عبدالناصر بكون الثورة بيضاء لم ترق فيها دماء، قائلاً: إنهم اضطروا لفرض القيود لمنع أعداء الشعب من استغلال الناس وتسميم عقولهم، وكان لابد من ممارستهم سلطتهم لتمهيد الطريق لحياة أفضل موضحًا أنهم يريدون رفع تلك القيود بمجرد أن يشعروا بأن الشعب لم يعد معرضًا لخطر تلك الجماعات.
وأنهى عبدالناصر المقال بالحديث عن علاقات مصر الخارجية،  مشيرًا إلى وجود اختلافات اجتماعية واقتصادية بين الدول العربية، غير أن الأمور المشتركة بينها أكثر مما بين دول اتحاد غرب أوروبا، وتعتقد دول الجامعة العربية أنها يمكن أن توحد قوتها لتسهم فى قضية السلام العالمى، موضحًا أن مصر بذلت كل ما يمكنها لتعزيز اتفاقية الأمن الجماعى لجامعة الدول العربية زاعمًا أنها أفضل نظام ممكن للدفاع عن الجزء الخاص بنا من العالم ضد أى عدوان محتمل.