الأحد 26 مايو 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري

«بلدوزرات الحكومة» تدهس مشروع المليون فدان

«بلدوزرات الحكومة» تدهس مشروع المليون فدان
«بلدوزرات الحكومة» تدهس مشروع المليون فدان


واقع مؤلم وتفاصيل أغرب من الخيال.. هذا هو المشهد فى قرية «الكولة» بمحافظة سوهاج، بعد إجبار الحكومة مئات الأهالى على ترك أراضيهم التى استصلحوها، وجرفت وطردت الفلاحين منها بحجة عدم امتلاكهم مستندات رسمية، فى حماية قوات الأمن المركزى والعمليات الخاصة، فى تحد واضح لبرنامج الرئيس عبدالفتاح السيسى، باستصلاح مليون ونصف المليون فدان.

«الأرض عرض ولن نتركها سوى جثث هامدة، والدولة بتحارب الإرهاب ولا تعرف أن تجريف أراضى مزروعة بدم الفلاحين وعرقهم بيولد إرهاب آخر».. هذه كلمات عدد من مزارعى قرية «كولة» بمركز أخميم بمحافظة سوهاج للتعبير عن معاناتهم وأزمتهم بعد قرار الحكومة بإزالة 500 فدان أراض مستصلحة، يعيش منها أكثر من 85 أسرة، و1000 عامل ومزارع بأسرهم، حيث بدأت الحكومة تجريف 150 فداناً.
«روزاليوسف» زارت قرية «الكولة» واستمعت لشكاوى المزارعين والأهالي، ونقلت مطالبهم إلى المسئولين، خاصة بعد كثير من الحوادث التى رأى البعض أنها تغضب أبناء الصعيد.
مازالت أجواء الأسى والحسرة تسيطر على ملامح عم «ناصر قاسم» ذلك الرجل الخمسينى الذى تم تجريف ما يمتلكه من فدادين مزروعة بالبصل والبطاطس والفول، يقول: «شعرت بأننى أموت مع كل طرقة للبلدوزر للأرض وخلع عشرات من الأشجار والنخيل الذى يثبت حقوقنا فى الأرض وأنها مستصلحة منذ أكثر من 30 سنة».
وأضاف: دفعت ثمن الغربة أكثر من 38 سنة وكل جنيه ادخرته كان يذهب لاستصلاح هذه الأراضى الصحراء منذ أوائل الثمانينيات، وذقت العذاب بأشكاله المختلفة فى العراق ثم الكويت ثم السعودية وتحملت ألم الغربة حتى أستطيع تأمين مستقبل أولادي، لكن تم تدمير كل ذلك فى غمضة عين، رغم أننا طلبنا تقنين وضعنا منذ سنوات لكن الدولة رفضت.
ووجه عم ناصر سؤاله للحكومة قائلا: ما الفائدة وراء التدمير للقمة عيشنا الوحيدة؟ لماذا تعاملون الفلاحين كمجرمين يتم تدمير أرضهم؟ فالظلم والقهر هو الذى يولد الإرهاب وليس فقط المتطرفين والإخوان، مضيفا: نحتاج إلى نظرة رحمة لحقوق الفلاحين وإعادتهم إلى أراضيهم، وتمليكهم لها مقابل مبلغ مادي، وتغيير إحداثيات مدينة أخميم الجديدة بعيدا عن الأراضى المستصلحة.
سليم السمان- أحد مزارعى «كولة» المتضررين- يحكى معاناته قائلا: لا أمتلك سوى 5 فدادين تمثل محور حياة أسرتي، أنفقت عليها كل ما أملك من «تحويشة العمر»، وساهمت فى تحويل الأراضى الصحراوية كما طلبت الحكومة منذ سنوات بغزو الصحراء.
وأضاف: الدولة لم تساعدنا فى شيء منذ زراعتنا للأراضي، بل لم نجد سوى كل ما يثبط عزيمتنا عن الزراعة، ولكن استكملنا وزرعنا الموالح والفاكهة والأشجار والنخيل، ولم نتخيل أن يأتى يوم وأرى تجريف البلدوزرات لـ150 نخلة وشجرة تكشف الدليل الحقيقى لعمر زراعة هذه الأرض واستصلاحها وتدمير شبكات الرى بمنتهى القسوة من مواسير وماكينات ضخ، كلفتنا حوالى 150 ألف جنيه فى بداية الزراعة وحاليا تصل تكلفتها إلى حوالى 500 ألف جنيه، فنحن زرعنا الأرض بدمنا وجهدنا منذ أكثر من 30 عاما وحاليا نشعر بضياع كل حقوقنا.
وتابع أنه يذهب يوميا إلى الأرض الذى أصبح ممنوعا النزول إليها بأوامر موظفى مدينة أخميم الجديدة، ويلقى نظرة عليها من بعيد فى حسرة، ويفكر فى حال أسرته وكيف يعيش أولاده ويستكملون حياتهم، معربا عن اندهاشه من برنامج رئيس الجمهورية الذى أعلن عن استصلاح 2 مليون فدان، فى  حين الحكومة تزيل المزروعات وتطرد الفلاحين وتدمر نصف مليون فدان من الأراضى المستصلحة، من أجل بناء أحجار وطوب ورمال.
وقال عمر حسين- أحد المزارعين المتضررين- إن الضرر لن يلحق بـ85 أسرة فقط، بل أكثر من 1000 عامل ومزارع من العمالة غير المنتظمة، تمثل أراضى «كولة» لهم لقمة عيش فى محافظة سوهاج التى تعتبر من أفقر محافظات الصعيد وندرة لفرص العمل وطاردة لسكانها، فبعد هذا التدمير أصبحت هذه الأسر مشردة.
وأضاف: إن مدينة أخميم الجديدة صدر بها قرار جمهورى 195 لسنة 2000 بمساحة 1200 فدان فقط وتم إشهارها بالشهر العقارى بذلك ثم جاءت هيئة المجتمعات العمرانية وخالفت القرار برسم مخطط المدينة على مساحة 3200 فدان، ما تسبب فى إدخال كتلة سكانية زراعية داخل المخطط المخالف.
وتابع :إن الأزمة بدأت قبل القرار الثانى الذى أصدرته هيئة المجتمعات العمرانية بأراضى «كولة»، منذ 2007 عندما قرر جهاز مدينة أخميم الجديدة ضم أراضى المزارعين لمشروع المدينة الجديدة، ومن هنا بدأت ملاحقات الفلاحين أمنياً من أجل تطفيشهم من الأرض، وأصبح الجهاز يقاضى الفلاحين بهدف إنهاكهم وجعلهم يتركون أراضيهم التى استصلحوها أبا عن جد، وقال: أصبحت أمنيتنا كمزارعين أن يتم ترسيم حدود مدينة أخميم الجديدة بالابتعاد عن أرضنا وربط الأراضى الزراعية على أصحابها الذين استصلحوها، لكن هذا لم يحدث رغم إقامتنا دعوى أمام القضاء الإدارى عام 2009 رقم 8274 لسنة 1 ق، ضد محافظ سوهاج ووزير الإسكان ورئيس هيئة المجتمعات العمرانية الجديدة، ووكيل وزارة الزراعة بسوهاج، ورئيس الوحدة المحلية لمركز ومدينة أخميم بصفاتهم وآخرين، من أجل إعادة ترسيم حدود مدينة أخميم الجديدة، ومع ذلك جاء الرد منذ أيام بتجريف 200 فدان من إجمالى 500 فدان لمزارعى كولة.
ويقاطعه محمود علام- أحد المزارعين- قائلا: رغم هذا التجريف نحن نطالب بسرعة التدخل للحفاظ على ما تبقى من أراض زراعية، ونطالب بتحديد مدينة أخميم الجديدة ووضع حدود ومعالم لها وفقا للمساحة الموضحة بقرار رئيس الجمهورية رقم 195 لسنة 2000- أى على مساحة 1200 فدان وليس 2200 فدان- كما قررت المجتمعات العمرانية لاحقا على بعد 20 كيلومترا جنوب شرق مدينة أخميم الحالية، مع إلزام هيئة المجتمعات العمرانية الجديدة وجهاز مدينة سوهاج ومدينة أخميم الجديدة بعدم الاستيلاء على أراضى زراعية فى حيازتنا، ووضع علامات فاصلة بين قرية كولة وحدود مدينة أخميم الجديدة.
أضاف علام: المزارعون المتضررون يستغيثون برئيس الجمهورية لإصدار تعليماته بوقف أعمال الإزالة للمساحة التى تم استصلاحها والتى يشعر الفلاحون بالتهديد يوما بعد آخر، وتمليكهم هذه الأراضى مثلما يمتلك الآخرون الأرض ويتم معاملة الباقين بالمثل، ووقف مطاردة الفلاحين أو أبنائهم وتقنين أوضاعهم بنفس القواعد التى تم بها التصالح مع المستثمرين المصريين والعرب، خاصة أن مزارعى كولة خدموا البلد على مدار 30 سنة ولم يطلبوا من الحكومة أى خدمة أو فرصة عمل، بل تحولوا إلى قوى إنتاجية.
وفى المقابل قال محافظ سوهاج الدكتور أيمن عبدالمنعم إن أراضى قرية «كولة» أصبحت تابعة لهيئة المجتمعات العمرانية ووزارة الإسكان، وأنه غير مسئول عن تجريف هذه الأراضى الزراعية، وأن قرارات الإزالة تمت دون علمه ودون التشاور معه من جانب وزير الإسكان.
وأضاف أن الـ500 فدان محل الأزمة أراض مملوكة للدولة، وحدث عليها تعديات من المزارعين خلال السنوات الماضية، ومن ثم قانونيا هذه الأراضى ليست لهم، لكن كان ينبغى اتباع أسلوب الحوار والحفاظ على كرامة المواطن والتفاوض معهم وتوفيق أوضاعهم، خاصة أنهم زرعوها.
وحول مطالب الرئيس باستصلاح مليون فدان وتجريف 500 فدان، مزروعة، قال إنه لا يوافق على هذا التجريف، لكن هذه الأراضى أصبحت ملكاً لهيئة المجتمعات العمرانية الجديدة، وهناك استثمارات وخطط وضعت لإنشاء مدينة أخميم الجديدة على حد قوله.
وتعهد بعدم تنفيذ أى قرارات تجريف لاحقة لحين الوصول إلى اتفاق واضح مع المزارعين فى القرية، وتوفيق أوضاعهم وإعطائهم أراضٍ فى أماكن كتعويض عن الاستثمارات التى ضخوها فى استصلاح أراضى «كولة» على مر السنين، وتمليكهم هذه الأراضى بالتقسيط.
وقال منسق الحملة الشعبية للتضامن مع مزارعى «كولة» التى تستهدف دعم الحقوق الاقتصادية والاجتماعية لأهالى سوهاج ومحاولة تغيير الواقع المحلى للمحافظة، يحيى الزعاق: نستمع لمجرد وعود من المحافظ والمسئولين وأعضاء مجلس النواب فى المحافظة، ولا يوجد تغيير حقيقى على أرض الواقع، والدليل على ذلك هذه التعديات التى قام بها موظفو جهاز مدينة أخميم الجديدة ضد فلاحى «كولة»، وتحرير محاضر ضدهم باتهام الفلاحين بالتعدى على الأرض، التى أنفقوا عليها كل جهدهم وأموالهم منذ 30 سنة ليحولوها من صحراء جرداء إلى زراعات على امتداد البصر.
واستنكر الزعاق تصريحات المحافظ بأن الأراضى مملوكة للدولة، قائلا: هى الدولة صحيت من النوم بعد 30 سنة واكتشفت ملكيتها لهذه الأرض، وأين كانت هذه الدولة عندما تركت أهالى المحافظة وقراها فى فقر مدقع فى ظل غياب تام للخدمات وفرص العمل، وتركت هؤلاء البسطاء يأخذون المغامرة ويحولون الصحراء إلى أرض زراعية على مدار ثلاثة عقود، وحاليا تريد سلبها منهم؟!
وأضاف..أن ما حدث فى قرية كولة وتجريف المئات من الأفدنة الزراعية يكشف التناقض بين ما يقال من تصريحات وما يمارس على أرض الواقع، فكيف يطالب الرئيس بزراعة مليون ونصف المليون فدان، وتقوم حكومته بتنفيذ حكم الإعدام حاليا بتدمير وتجريف 500 فدان من أجود الزراعات.
وحذر منسق الحملة من التهميش المستمر للصعيد وأوجاعه ومشاكله على مدار الحكومات المختلفة، مشيرا إلى أنه لا يصح بعد ثورتين استمرار الإهمال لمطالب أهل الجنوب، وأن استمرار الجهل والفقر يمثل بيئة خصبة للتطرف والإرهاب، وعلى الدولة ألا تنشغل بمعركتها الحالية مع الإرهاب الظاهر فى سيناء، فهناك عوامل كثيرة غير مباشرة تولد الإرهاب أيضا.
وتابع أن الحملة مستمرة فى دعم فلاحى كولة على عدة مستويات، من خلال تدشين حملة توقيعات للتضامن معهم، فضلا عن الدعم القانونى للفلاحين من خلال إقامة دعاوى قضائية للمطالبة بتقنين أوضاعهم وتمليكهم للأرض، ووقف التجريف وتحرير محاضر ضد رئيس مدينة أخميم الجديدة.
وقال باهر شوقى رئيس مركز الإصلاح المدنى والتشريعى إن ما حدث مع أراضى كولة مخالفة صريحة للدستور فى مادته 29 التى نصت على التزام الدولة بالحفاظ على الرقعة الزراعية وأن القرار الجمهورى بإنشاء مدينة أخميم الجديدة بما يتبعه من قرارات الهيئة جاء مخالفاً لقانون الهيئة نفسه.
وشدد على أن المركز يدعم مزارعى «كولة» قانونيا، ويبحث معهم جمع كل المستندات الخاصة بملكيات حيازة أخرى لأراض مجاورة لهم، لإقامة دعوى قضائية تطالب بتقنين أوضاع باقى الفلاحين بناء على السابقة القانونية ومن منطلق المعاملة بالمثل، خاصة أن هناك فلاحين لديهم عقود ملكية وحيازة زراعية سابقة.
واستنكر شوقى هذه المخالفة الدستورية والقانونية لتجريف أكثر من 150 فداناً مستصلحة حتى الآن، ومنع صغار الفلاحين من كسب رزقهم، فى حين تتصالح الحكومة مع مخالفات جسيمة لرجال أعمال نهبوا بشكل مباشر أراضى الدولة على طريق الإسكندرية القاهرة الصحراوي، وتم شراء الفدان الواحد بـ200 جنيه من أجل الاستصلاح، لكن حولها رجال الأعمال إلى منتجعات سكنية وسياحية تربحوا منها المليارات،.
وقال عبدالرحيم عوض الله- المحامى ومدير مركز الجنوب للدراسات الاقتصادية والاجتماعية- إن ما حدث فى مركز أخميم الجديد مخالفة جائرة وصريحة لقانون التعدى على الأراضى الزراعية، مشيرا إلى أنه حتى لو هذه الأراضى مملوكة للدولة، فهى وفقا لقانون وضع اليد أصبحت حيازة هادئة ومستقرة، وتم استغلالها للنفع العام بزراعة مئات الأفدنة بكامل الجهود الذاتية للفلاحين دون أى دعم من الدولة.
على مدار السنوات الـ30 الماضية لم يتوقفوا عن توفيق أوضاعهم، ومطالبهم للدولة بتمليكهم الأرض بمقابل مادي، لكن الدولة مارست التعنت.
وطالب عوض الله بسرعة تدخل رئيس الجمهورية ورئيس الوزراء ووزير الإسكان، من أجل إعادة النظر فى القرار الخاص بإنشاء مدينة أخميم الجديدة والتفكير فى حلول خارج الصندوق باستبدال هذه المساحة محل الخلاف حتى حدود البحر الأحمر بشكل يعطى الدولة حقها فى بناء مدينة أخميم الجديدة، ويضمن فى نفس الوقت حقوق المزارعين الذين أنفقوا دمهم وثروتهم على هذه الأراضي.
وقال محمد عبدالعاطى أمين شباب حزب التحالف الشعبى الاشتراكى بسوهاج: إن الحزب يتضامن مع مزارعى كولة فى استرداد حقوقهم ووقف تجريف أراضيهم وتمليكهم هذه الأراضي، وكيف لا يملك محافظ سوهاج الصلاحيات لوقف هذه التعديات على أراضى الفلاحين؟!
وأضاف أن الدولة لم تضع جنيها واحدا لدعم فلاحى «كولة» لتحويل هذه الأراضى الصحراوية إلى زراعات، بل لا نجد سوى دولة تهمل الفلاح لصالح رجال الأعمال، ولا تدعمه بأسمدة أو رى، وفى النهاية تجرف أرضه.