السبت 19 أكتوبر 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري

قبلة فى الظلام بين تل أبيب وطهران

قبلة فى الظلام  بين تل أبيب وطهران
قبلة فى الظلام بين تل أبيب وطهران


تطورات كبيرة تشهدها العلاقات الإيرانية - الإسرائيلية، فبعد مرور أكثر من ثلاثة عقود على قطع العلاقات رسمياً بين البلدين، ومع تكرار الأحاديث عن السرية بين الجانبين، بل ظهرت فى الأفق مؤشرات جديدة تمهد الطريق لعودة العلاقات بصورة معلنة. فمؤخراً تداول الإعلام الإيرانى الإسرائيلى صوراً لنشطاء إسرائيل أعربوا عن نيتهم لتدشين مقراً للسفارة الإيرانية بتل أبيب وأنهم يبحثون عن سفير رمزى، ليمثل فكرتهم ويكون صوتهم لدى المسئولين لتكون خطوة جادة فى طريق التقارب بين تل أبيب وطهران، على الصعيد الرسمى فإن الخارجية الإسرائيلية أعلنت عبر موقعها الرسمى عن تحديد موعد للاحتفال فى مقر الأمم المتحدة فى أغسطس المقبل، بأول طابع بريدى إسرائيلى يمجد مؤسس الإمبراطورية الفارسية «كورش الكبير» بصفته محرر اليهود، الذى أعادهم إلى القدس.
تصدرت إيران فى الفترة الأخيرة المشهد السياسى للعديد من الأحداث السياسية التى شهدتها المنطقة العربية والشواهد على ذلك عديدة بداية من دورها فى العراق وسوريا واليمن وغيرها من الدول العربية ، فى الوقت نفسه لم يتوقف الحديث عن التفاهمات بينها وبين مجموعة «5+1» التى تضم الدول الخمس الدائمة العضوية فى مجلس أمن الأمم المتحدة «أمريكا، فرنسا، بريطانيا، ألمانيا، روسيا، الصين».
وعلى الرغم من الحرب الكلامية للمسئولين الإيرانيين والإسرائيليين، وتشكيك بنيامين نتياهو، رئيس الوزراء الإسرائيلى فى نية إيران لتغيير سياستها وتوجيه تصريحات لاذعة للغرب واصفاً ما يحدث بأنه «خطأ تاريخى»، إلا أن هناك خطوات جادة فى إسرائيل تؤكد أن العلاقات بين تل أبيب وطهران لم تكن كما يروج لها فى العلن.
∎ تكريم إسرائيل لـ«كورش» الفارسى
 ورغم إدانة أمريكا للتحركات الإيرانية فى المنطقة العربية، إلا أن هذا لم يغير شيئاً من موقفها حيالها، فإذا كانت «واشنطن» منزعجة من توسيع إيران لرقعتها وتوغلها فى المنطقة فلماذا لم يكن هذا الأمر إحدى أوراق الضغط عليها خلال المباحثات التى أجرتها معها مؤخراً؟، فى المقابل فإن إيران لم تبال بتصريحات المسئولين الأمريكيين وتصر على استئناف نشاطها فى المنطقة، كما جاء على لسان على خامنئى، المرشد الأعلى للثورة الإيرانية خلال الخطبة التى ألقاها بمناسبة الاحتفال بعيد الفطر المبارك، والتى أكد خلالها بأن بلاده لن تتخلى عن دعمها لشعوب المنطقة العربية «سوريا، اليمن، العراق، البحرين، لبنان، فلسطين»، فى إشارة منه إلى دعمه للدول التى تشهد أكبر نشاط للحرس الثورى الداعم للشيعة فى المنطقة والذى يعمل على تأصيل الفتنة الطائفية والفرقة لصالح إيران.
وفى ظل هذه الظروف والحرب الكلامية المغايرة للواقع، قامت إسرائيل مؤخراً بإصدار طابع بريدى يحمل اسم «كورش الكبير» مؤسس الدولة الفارسية، بصفته محرراً لليهود، فى إشارة واضحة إلى تمجيدها للإمبراطورية الفارسية.
الطابع البريدى، الصادر فى إسرائيل يحمل صورة «مخطوطة اسطوانة كورش»، أو «ميثاق كورش»، وهو عبارة عن قطعة حجرية تعود إلى القرن السادس قبل الميلاد نقش عليها بالخط المسمارى، اكتشفت فى 1879 على يد عالم الآثار البريطانى هورموزد راسام، فى مدينة بابل، التى يصفها بعض الموثقين بأنها أقدم وثيقة لحقوق الإنسان والتسامح الدينى.
الأمر لم يقتصر على تكريم المسئولين  فى تل أبيب لمؤسس الدولة الفارسية بل تكريم دولى أيضاً، حيث أفاد الموقع الرسمى لوزارة الخارجية الإسرائيلية فى قسمه الموجه باللغة الفارسية إلا أنه من المقرر أن يتم الاحتفال بهذا الأمر فى مقر الأمم المتحدة بمدينة «نيويورك» الأمريكية فى العاشر من أغسطس المقبل، بحضور عدد من الشخصيات السياسية البارزة فى أمريكا وإسرائيل والعديد من دول العالم، مضيفة أنه من المقرر أن يشارك فى الاحتفال «اتحاد يهود إيران وأمريكا فى نيويورك»، الذى أسهم بشكل كبير فى توطيد العلاقات بين الجانبين.
وأشاد موقع الوزارة بتلك الوثيقة التى تحترم الأديان، وبالتحديد «حقوق اليهود»، مشيرة إلى الدور الذى لعبه «كورش الكبير» فى تحرير اليهود من الأسر عند غزوه لبلاد «بابل».
ويعود احتفال إسرائيل بـ«كورش» أو «قورش» وتمجيدهم له إلى الفكر الذى أرساه منذ اللحظات الأولى لتوسيعه للرقعة الفارسية وبنائه الإمبراطورية والذى ينص على «حرية العقيدة والسماح للاجئين بالعودة إلى أوطانهم»، وبموجب تلك الأفكار التى بلورها فى مخطوطته عاد أسرى اليهود إلى القدس مرة أخرى، وبالتالى فإن اختيار إسرائيل لهذا التوقيت تحديداً لم يكن صدفة.
ويذكر موقع «بى بى سى» أن اليهود الدين حررهم «كورش» عادوا للقدس لبناء «المعبد الثانى» بالقدس القديمة، بقرار من «كورش الكبير»، ومن ثم تأتى قيمته لدى اليهود وإسرائيل على وجه الخصوص، والتى خلدت اسمه.
لم يكن اختيار إسرائيل للعبارة التى تتصدر الطابع البريدى عشوائياً، بل رسالة أطلقتها للعالم أجمع، حيث كتب عليه: «أن الله سمح لأى شخص من عباده أن يذهب إلى القدس»، ترجمت لثلاث لغات «العبرية، الفارسية، الإنجليزية»، ويذكر موقع «راديو فردا» الأمريكى الموجه بالفارسية فى تعليقه على الخبر أن: إسرائيل تعتبر «كورش» رمزاً للتسامح الدينى فلم يعط أحداً من بعده لليهود حقهم مثلما أعطاه، مشيرة إلى أن اسمه أطلق على أحد الشوارع فى إسرائيل تمجيداً له ولدعمه لليهود.
∎ سفارة «طهران» فى «تل أبيب»
لم يتوقف الأمر عند الموقف الرسمى لإسرائيل التى تمجد فيها مؤسس الإمبراطورية الفارسية، بل هناك ضغوط شعبية فى «تل أبيب» للمطالبة بعودة العلاقات بين البلدين بشكل رسمى، «سفارة تبحث عن سفير» عنوان تصدر العديد من وسائل الإعلام الإيرانية خلال الفترة الأخيرة، بعد قيام مجموعة من النشطاء فى إسرائيل بالإعلان عن قيامهم بافتتاح سفارة لإيران داخل «تل أبيب».
وتقول وكالة الأنباء الإيرانية «مهر» أن النشطاء أعلنوا عن قيامهم بتدشين أول سفارة إيرانية فى إسرائيل خلال الشهر المقبل، حيث أكد النشطاء الإسرائيليون رغبتهم فى عودة العلاقات بين البلدين وتنحية أى خلافات معلنة فيما بينهما، مشيرين إلى أن فكرتهم لاقت قبولاً كبيراً لدى قطاع عريض من الشباب الإسرائيلى والإيرانى، لا سيما يهود إيران المقيمين فى إسرائيل.
وأعرب النشطاء الإسرائيليون عن رغبتهم فى رفع علم إيران فى جميع شوارع إسرائيل، مشيرين إلى أنهم مازالوا يبحثون عن سفير رمزى، ليكون همزة الوصل بينهم وبين المسئولين وممهداً لبدء علاقات رسمية بين البلدين، معربين أن الأمر يتعدى مجرد فكرة رمزية لنشطاء، بل نواة لخطوات جادة فى سبيل خروج العلاقات بين تل أبيب وطهران بشكل رسمى.
وما أشبه تلك الخطوة بالخطوة التى قام بها «اتحاد يهود إيران» لإصدار الطابع البريدى لـ«كورش الكبير»، فكل تلك الأشياء بدأت بمجرد فكرة تبناها المسئولون فيما بعد، لتخرج العلاقات بين إسرائيل وإيران من إطار السرية كما حدث فى فضيحة «إيران كونترا» وصفقة الأسلحة الإسرائيلية لـ«الخومينى» لدعمه خلال حربه ضد العراق، والتى أطلق عليها حرب الثمانى سنوات، والعلاقات التجارية الخفية بين البلدين، كما جاء فى التقارير الإسرائيلية التى نشرت فى 2011 والتى تفيد بوجود نحو 200 شركة إسرائيلية تقيم علاقات تجارية مع إيران، لتبدأ مرحلة جديدة معلنة بين البلدين فى ظل ما يحدث من فوضى فى المنطقة العربية والتى تصب لصالحهما فى نهاية المطاف.
يبدو أن أغسطس سيكون شهر تكريم إيران من قبل إسرائيل، فلم يقتصر الأمر على حفل الأمم المتحدة بالطابع البريدى الإسرائيلى لمؤسس الإمبراطورية الفارسية، وتدشين السفارة الرمزية، بل لتمجيد الثقافة الفارسية أيضاً، حيث سيقام معرض للكتاب الإيرانى فى «تل أبيب»، لنشر الثقافة الإيرانية.
وأعلنت منظمة «إيران ــ إسرائيل» عبر صفحتها على موقع التواصل الاجتماعى «فيس بوك»، أن معرض الكتاب الإيرانى فى إسرائيل سيبدأ فى الرابع من أغسطس المقبل، مشيرة إلى أنها لم تكن المرة الأولى التى تنطلق خلالها فاعلياته، وأنها الدورة الرابعة للمعرض الذى حقق إقبالاً كبيراً خلال السنوات الماضية، كما أشارت المنظمة إلى اهتمام المسئولين فى إسرائيل بالأدب الفارسى ووجود ترجمات عديدة للمؤلفات الإيرانية للغة العبرية.
وأشادت المنظمة باهتمام المسئولين الإسرائيليين بالأدباء الإيرانيين المقيمين فى إسرائيل وأنها تقوم بترجمة مؤلفاتهم للعبرية.∎