الإثنين 13 مايو 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري

الخطة السرية لتصفية المجلس الأعلى للثقافة

الخطة السرية لتصفية المجلس الأعلى للثقافة
الخطة السرية لتصفية المجلس الأعلى للثقافة


فى حديثه الشهرى الذى وجهه الرئيس عبدالفتاح السيسى للشعب المصرى تناول قضيتين فى منتهى الخطورة، أولاهما الفساد الإدارى فى أجهزة ومؤسسات الدولة، وكأنه وحش كاسر غير قابل للمقاومة أو الرحيل.. والقضية الثانية التى أشار إليها صراحة: «أن مواجهة الإرهاب ليست مواجهة أمنية فقط، وإنما هى مواجهة شاملة تتضمن مواجهة الفقر والجهل وخطاب دينى متجدد، قادر على أن يتعامل مع الأفكار المشوشة والمغلوطة، وأن الجهود التى تبذل لتجديد الخطاب الدينى غير كافية حتى الآن، وأن جهود مؤسسة الأزهر لتجفيف منابع الإرهاب غير كافية أيضًا».

 ونحتاج لأن نتحرك فى هذا الملف أكثر من ذلك وأسرع، ويجب أن يشارك فى هذا الملف المثقفون والمفكرون.. وكان الرئيس السيسى قد نبّه قبل عشرة أشهر فى احتفال ليلة القدر إلى ذلك.. وقال لهم إنكم ستسألون يوم القيامة عن تقصيركم فى تجديد الخطاب الدينى.. ولكن للأسف نحن بعد عشرة أشهر نعود إلى الوراء لتستسلم كل مؤسسات الدولة لابتزاز السلفيين وتسلم قيادة مؤسساتها الثقافية لمن هم يناصبون العداء للاستنارة.. فتلك المؤسسات المنوط بها أن تقدم رؤية مستنيرة للعمل الثقافى.. ستتم تصفيتها من الداخل وبيد قيادات رفيعة المستوى جاءت من خارج الجماعة الثقافية لتصفية العقل المفكر لوزارة الثقافة المصرية.. وهو المجلس الأعلى للثقافة.. فبينما رئيس الدولة يناشد الأزهر أن يتحرك بشكل أسرع فى ملف تجديد الخطاب الدينى.. نجد أن السلفيين يضغطون على الحكومة لإقالة وزير الثقافة الذى كان يتبنى خطابًا ثقافيًا مستنيرًا.. ويستبدل به وزيرا من خارج الجماعة الثقافية.. وفى لقاء رفيع المستوى طالبت إحدى القيادات الدينية بضرورة التخلص من العلمانيين والليبراليين الذين يملأون لجان المجلس الأعلى للثقافة فى إشارة واضحة لتصفية هذه المؤسسة الثقافية العريقة المنوط بها وضع الرؤى الاستراتيجية للثقافة المصرية.. ورسم السياسات الثقافية لوزارة الثقافة.. وكأننا عدنا من جديد لمحاكم التفتيش.. وبدلا من تضافر جهود المؤسسات الثقافية الرسمية للدولة مع المؤسسات الدينية من أجل تجديد الخطاب الدينى نجد أن المؤسسة الدينية تطالب بتجديد الخطاب الثقافى(!!).. وتطالب بنشر مشايخ السلفيين فى قصور الثقافة الجماهيرية كبديل (لفرق الفنون المسرحية والفنون التشكيلية والشعبية والسينما والغناء).. وتطالب بإعادة هيكلة المجلس الأعلى للثقافة.. وهناك أصوات تطالب بتخفيض أعداد لجان المجلس الأعلى للثقافة إلى ست لجان فقط.. فبعد أن أضيفت لجنتان إلى المجلس بعد ثورتى 25 يناير و30 يونيو ( الشباب ــ والإعلام ) يطالب الأصوليون بسحق المثقفين وتقليص دورهم فى عقر دارهم.. وهكذا يتم إيقاظ الخلايا النائمة من جديد.. لنعيد إنتاج أجيال جديدة من المتطرفين الأصوليين.
فبينما الظروف التاريخية الدقيقة التى تمر بها البلاد تحتم علينا جميعا قيادة وشعبا ثواراً ونخباً.. أن نستنفر جميعا لصياغة مشروع قومي للثقافة المصرية لحماية الوطن من الفكر المتطرف الذى يقودنا للإرهاب.. وفيما نحن بحاجة إلى ثورة حقيقية  بطول البلاد وعرضها لتفكيك بنية الفكر الإرهابى.. نجد أن الفساد المستشرى فى مؤسسات الدولة المصرية يتضافر مع الكهنوت الدينى والسلفية الأصولية.. لتقويض مشروع الدولة المصرية المدنية الديمقراطية الحديثة.. فالتغيير بقدر ما يحتاج إلى إرادة سياسية ــ متوافرة بالتأكيد على الأقل من منظور الرئيس السيسى ــ يحتاج أيضا إلى استعداد ورغبة من جهاز الدولة الإدارى لإحداث هذا التغيير.. ولكن هناك مقاومة شرسة ضد التغيير.. تتمثل فى: (الجهل ــ وانعدام الكفاءة ــ والفساد ــ وغياب الشفافية والثواب والعقاب)، وهؤلاء الأعداء الأربعة يعقدون العمل الثقافى.. ويحولون دون تحقيق العدالة الثقافية.. لذلك لابد من فكر جديد يقود العمل الثقافى.. فكما استطاعت ثورة 25 يناير أن تسقط نظام مبارك المستبد.. وتلتها ثورة 30 يونيو التى أسقطت حكم جماعة الإخوان الفاشى.. فلابد لنا من ثورة ثقافية قادرة على إسقاط النمط التقليدى للتعامل مع ملف الثقافة المصرية.. ثورة يجب أن يمثل فيها كل جماعة المثقفين المصريين على امتداد أرض مصر.. ويسهم فى وضع رؤاه وصياغته مجموعات متنوعة مستنيرة من جميع المثقفين والمفكرين المتخصصين فى شتى مجالات المعرفة من ذوى الكفاءات من مختلف الأجيال.
وتتجلى أهمية حاجتنا إلى مشروع قومى للثقافة والتعليم معا.. لتسترد قطاعات كبيرة من شعبنا العظيم استحقاقاتها من المنتج الثقافى.. توازيه رؤية جذرية جديدة لتطوير العملية التعليمية.. رؤية ورسالة.. منهجاً وأهدافاً.. حتى نرد لهذا الشعب وعيه الذى غيب على مدى أربعين عامًا من التجريف الثقافى المادى والمعنوى.. بدأ بإغلاق العديد من المجلات الثقافية فى منتصف السبعينيات.. وبيع خلالها تراثنا السينمائى.. وتقلصت مسارح الدولة بشكل ملحوظ.. إما بالهدم أو الإغلاق أو الاحتراق.. ونهبت خلالها آثار مصرية لا تقدر بمال.. أربعون عامًا تآكلت خلالها ثلاثة أجيال من خيرة النخب والكوادر الثقافية.. بعد أن اقتصر تداول السلطة الثقافية على نفر قليل من القيادات الثقافية الرسمية.. وتم إقصاء المثقفين المصريين من المشهد الثقافى لسنوات إلا من سمح له بالعمل تحت مظلة الأجهزة الرسمية بشروط النظام ورؤيته.. أربعون عامًا غاب فيها التنسيق وتنظيم التعاون بين وزارات الدولة ومؤسساتها المعـنية برعاية وصياغة وعى ووجدان هذا الشعب.. لقد حان الوقت لوضع مشروع ثقافى وطنى للدولة المدنية الحديثة.. مشروع قادر على حماية وعى الأمة المصرية.. وثقافتها السمحة.. وحضارتها العريقة وتراثها الغنى.. مشروع ثقافى يقود فيه المثقفون والنخب والكوادر الثقافية.. معركة المواجهة مع الإرهاب والتطرف والعنف وخفافيش الظلام.. بدلا من أرباع وأنصاف الموهوبين.. بعد أن أسند هذا الملف على مدى ثلاثة عقود إلى أجهزة أمنية لم يكن بمقدورها أن تقضى على كهوف الظلام وساكنيها بمفردها.. فخرجوا علينا متعـطشين للانتقام والاستبداد والدماء.. لقد تخلت الأنظمة السابقة عن مسئوليتها تجاه شعبنا العظيم طوال السنوات الماضية فجاء كل من هب ودب ليملأ عقول البسطاء من شعبنا العظيم بما يخدم أغراضه من خزعبلات وثقافات هابطة.. فتراجعت كل القيم.. وتوارت الثقافة المصرية الأصيلة خلف ظلمات الجهل والتخلف.. فى محاولات منهجية منظمة لطمس الهوية المصرية.
فلم يعـد من المقبول أن يصل ــ فى وقت من الأوقات ــ نصيب المواطن المصرى من الإنفاق الثقافى داخل الموازنة العامة 26 قرشا سنويًا.. وأن ميزانية الهيئة العامة لقصور الثقافة مازالت 273 مليون جنيه فى السنة.. تحصد الأجور والمرتبات الهزيلة 90٪ منها.. وما ينفق فعليًا على الأنشطة الثقافية 27 مليون جنيه فقط! .. فإجمالى عدد العاملين فى وزارة الثقافة كلها 34 ألف موظف.. منهم فى هيئة قصور الثقافة وحدها فقط 16 ألف موظف أى ما يقل عن النصف بقليل.. فهذا الوضع لابد أن ينتهى بعد أن أظهر الشعب المصرى العظيم هذه الطاقة الخلاقة فى ثورتيه 25 يناير و30 يونيو.. فما تنفقه الدولة من شراء معدات وقنابل مسيلة للدموع وعربات مدرعة ودروع واقية من الرصاص وأسلحة.. و.. إلخ.. يفوق ميزانيات وزارات التربية والتعليم والشباب والرياضة والثقافة والإعلام مجتمعة.. ذلك لأن الحكومات المصرية المتعاقبة مازالت مصرة على إسناد ملف مواجهة الإرهاب والتطرف إلى الأجهزة الأمنية ــ فقط ــ ظنًا منها أن جنودنا البواسل من رجال الجيش والشرطة من المفترض أن يظلوا طوال العمر يرابطون فى الشوارع من أجل حماية الوطن والمواطنين من بطش التنظيمات الإرهابية.. وهذا هو الخطأ الأكبر الذى تقع فيه كل حكومات ما قبل 25 يناير التى كانت تعـتقد دائمًا أن المواطن الواعى والمثقف الحر المستنير أكثر خطرًا عليها من المواطن (الإرهابى / الضحية) الذى يقود سيارة مفخخة ليتحول إلى أشلاء متنائرة فيُـقتلْ ويَقتِل معه (باسم الدين!) عشرات الضحايا من الأبرياء.. فيما تقوم الحكومة فى إقصاء المثقف المستنير واستبعاده من المشهد الثقافى والسياسى.. عادت الحكومة للسماح للسلفية الأصولية لتعتلى المنابر بتصريح رسمى من وزارة الأوقاف لتبث الفكر الإرهابى.. وعادت الجماعات الإسلامية التى تم حلها للظهور من جديد.. وعادت الحكومة لتكريس فكرة المحاصصة مع السلفية الأصولية فى حجز مقاعدها الملاكى فى البرلمان القادم.. إلى هذا الحد نحن نعيش المأساة بكل تفاصيلها المحزنة.

 انتظرونا الأسبوع القادم :
ـــ حملات التفتيش والتنكيل بالموظفين الغلابة.. بدلاً من مواجهة الفساد وتبنى سياسة الإصلاح الشامل.. ومواجهة المشكلات الحقيقية برؤية جديدة للعمل الثقافى
ـــ إعادة إنتاج القوافل الثقافية فى عصر فاروق حسنى.. ومصر الجميلة فى عهد صابر عرب.. لتصبح (صيف ولادنا) فى عهد النبوى!
ـــ عودة كوادر الإخوان لتولى مناصب قيادية.. والقيادات الثقافية تطلب (البينة).∎