العملية «صقر» لتدمير قطاع الإنتاج
أحمد عطا
اعتاد المشاهد المصرى والعربى مع ظهور هلال شهر رمضان لسنوات طويلة على الجلوس أمام التليفزيون فى حالة شوق ولهفة لمشاهدة عبارة «قطاع الإنتاج يقدم» على خلفية موسيقى أشبه بالنشيد الرسمى للدراما، هذه العبارة كانت تحمل للمشاهد تراثا إبداعيا من الدراما التليفزيونية مازال يذاع حتى الآن على القنوات العربية والمصرية.
قدم قطاع الإنتاج خلال سنوات طويلة روائع الدراما التليفزيونية، منها على سبيل المثال «ليالى الحلمية، الشهد والدموع، رأفت الهجان، الحاوى، حديث الصباح والمساء ولن أعيش فى جلباب أبى، وبوابة الحلوانى، من الذى لا يحب فاطمة» وبينها سلسلة فوازير رمضان لنيللى وشريهان وشيرين حتى ياسمين عبدالعزيز ونيللى كريم وهذه الأعمال ظلمت ومازالت عالقة فى وجدان المشاهد المصرى والعربى بما تحمله من رسائل تربوية وتغرس مجموعة من القيم والمبادئ فى الشارع المصرى، ولكن بعد ثورة 25 يناير تراجع قطاع الإنتاج ولم يعد هو القطاع المسئول عن روائع الدراما المصرية وانسحب لصالح شركات القطاع الخاص التى حققت الملايين من قطاع الإنتاج بالمشاركة معه فى سنوات سابقة.
هذا التراث الدرامى الرائع أهدره قيادات قطاع الإنتاج الذين تولوا رئاسة القطاع بعد ثورة 25 يناير وهم مسئولون مسئولية مباشرة عما وصل إليه قطاع الإنتاج من انهيار، وفوضى وخسائر بالملايين.
ولم تفلح القيادات فى مواصلة الريادة المصرية بسوق الدراما التليفزيونية لأسباب متنوعة ومختلفة وكلها تصب فى اتجاه الفشل بعد أن تحول القطاع إلى حفنة من الموظفين ينتظرون رواتبهم مع طلعة كل شهر دون التفكير فى استمرار الرسالة.
على عكس قبل ثورة 25 يناير فقد كان متوسط إنتاج القطاع أثناء تولى راوية بياض رئيسة قطاع الإنتاج الأسبق 200 ساعة درامية ضمت كبار المؤلفين والمنتجين والنجوم منهم شوقى الماجرى فى مسلسل «هدوء نسبى» والراحل نادر جلال فى «حرب الجواسيس» وكل هذه الأعمال كانت تتسابق عليها المحطات الفضائية، ولهذا سيطر الشلل على قطاع الإنتاج تماما ولم يعد له وجود حتى وصلت خسائر القطاع خلال أربع سنوات الثورة 800 مليون جنيه هى حصيلة فشل متواصل بدأت مع محمد عبدالله بعد ثورة يناير والذى لم تؤهله قدراته سوى إنتاج مسلسل «أشجار النار» الذى حقق خسائر تقدر بـ17 مليون جنيه وكانت المكافأة له على إهدار المال العام هى توليه إدارة القطاع الاقتصادى العريق ليساهم فى سقوطه أيضا.
أما عن الولاية الحالية لا يختلف أحد على أن أحمد صقر مخرج متميز وقدم أعمالا نالت إعجاب المشاهد المصرى والعربى ومنها على سبيل المثال لا الحصر مسلسل «أميرة فى عابدين»، ولكن الأمر اختلف كثيرا عندما قرر أن يتوج رحلته كمخرج بالسعى لدى وزيرة الإعلام السابقة درية شرف الدين التى كانت تدعمه بشكل غير عادى حتى تولى رئاسة قطاع الإنتاج ولكنه فشل قبل أن يبدأ بدليل هذه المخالفات الإدارية الصارخة والتى أجهزت على ما بقى من القطاع ومنها وقام صقر بمشاركة المنتج محمد مختار ونادية الجندى فى مسلسلهما «أسرار» وهو يعلم أن المحطات لم تعد تتسابق على شراء النجمات اللاتى وصلن لمرحلة عمرية متقدمة والمسلسل إنتاج العام الماضى ويستكمل تصويره الآن ويحاول منتجه من العام الماضى تسويقه ولكن أسعار تسويقه لا تناسب تكلفة الإنتاج فلماذا يراهن صقر على هذه الأعمال والسوق له معايير اختلفت عن السنوات الماضية، ويواصل صقر اتخاذ القرارات الخاطئة عندما ضغط على رقابة قطاع الإنتاج بأن يعيدوا قراءة مسلسل لداليا البحيرى تم رفضه خمس سنوات وينفذ بنظام المنتج المشارك ولماذا تشارك على نصوص مستواها الفنى سيىء، فى نفس الوقت قام بتولى أحد الموظفين فى إدارة التخطيط ويدعى «جهاد» فى الرقابة خاصة أن الرقابة تحتاج شخصيات بمواصفات خاصة وهو أقل من هذا المنصب.
مسلسل «دنيا جديدة» للمخرج عصام شعبان صديق أحمد صقر، وهو نفس المخرج قد سبق أن أخرج مسلسل «أشجار النار» ولم يسوق، ولم ينجح فنيا، ولماذا لم يصرح صقر بعدد القنوات التى تعاقدت على أعمال قطاع الإنتاج؟ وكم تكلفة هذه الأعمال، خاصة أن خسائر القطاع بالملايين سنويا.
وفى إطار سحب قطاع الإنتاج من سوق الدراما سواء بقصد أو بدون قصد، قد حققت ست شركات إنتاج قطاع خاص الملايين من وراء المشاركة مع قطاع الإنتاج، حتى وصلت المديونيات على القطاع لصالح هذه الشركات 450 مليون جنيه حتى تم سحب قطاع الإنتاج من سوق الدراما لصالح هذه الشركات التى بدأت تضغط مطالبة بأموالها المستحقة على قطاع الإنتاج مما تسببت فى شلل تام وتوقف الإنتاج الدرامى دون أى محاولة من هذه الشركات فى تعويم القطاع وأن يعاود العمل مرة أخرى، والغريب أن محمد عبدالله رئيس قطاع الإنتاج الأسبق عندما تولى رئاسة القطاع الاقتصادى لم يفعل شيئا سوى تشريد بعض هذه الشركات بمهارة غير عادية وترك قطاع الإنتاج يهوى وينهار لصالح هذه الشركات وبالفعل تعهد بتسديد 300 مليون جنيه لصالح خمس شركات خلال سنوات الثورة مما أثر على الحركة الإنتاجية داخل القطاع الذى يعمل فيه 6500 موظف يتقاضون 13 مليون جنيه شهريا إلى جانب البدلات والحوافز ولا نعلم لماذا تصرف؟!
المؤسف أن المخرج أحمد صقر وهو صاحب مدرسة فى الإخراج والابن الشرعى لقطاع الإنتاج عندما قدمه رئيس قطاع الإنتاج فى عصره الذهبى ممدوح الليثى ليقوم بإخراج أشهر الأعمال فشل فى إدارة القطاع وانتشاله من بئر الخسائر التى هى فاتورة فشل الإدارات التى تولت رئاسته بعد الثورة وفى فترة حكم الإخوان وهى الفترة التى شهدت تدبير أكبر مؤامرة فى تاريخ الدراما المصرية لبيع التراث الدرامى المصرى وجاءت ثورة 30 يونيو كطوق نجاة وتجميدها للأبد وهى جزء من مؤامرة كبرى لبيع مصر وتراث مبدعيها وتاريخها العريق عندما خطط الشاطر لبيع تراث الدراما المصرية لدولة قطر بـ2 مليار دولار ولأهمية ما قام به قطاع الإنتاج بتقديم روائع الدراما التليفزيونية فى المنطقة العربية وقت حكم المعزول مرسى وكان خيرت الشاطر قد اتفق مع وزير الإعلام القطرى وقتها فى عام حكم الإخوان الأسود مع الشيخة موزة لشراء تراث الدراما المصرية الذى يمتد لأكثر من أربعين عاما وقد عرض وزير الإعلام القطرى وقتها 2 مليار دولار ورحب الشاطر لأنه كان يعتبر الدراما التليفزيونية مفسدة وشيطانا أكبر، وكان هذا الاتفاق فى فندق الفورسيزونز فى الدوحة قد اتفق على تفاصيله ووافق مرسى وبارك المرشد وقال وقتها المرشد «خلصنا يا شاطر من الشيطان الأكبر» إشارة من المرشد لتراث الدراما التليفزيونية، وكان الشاطر ينوى تأسيس جامعة البنا فى التجمع الخامس بعائد بيع الدراما التليفزيونية لدولة قطر، وللأسف تتسابق قنوات بير السلم المجهولة علي سرقة دراما قطاع الإنتاج وتذيعها بدون الرجوع لماسبيرو، ورغم ذلك لم يكلف أحمد صقر أن يضع استراتيجية للنهوض بقطاع الإنتاج الذى لحق بقاعات ماسبيرو الفاشلة.∎