بعد إدراجه على قائمة التراث الثقافى اللا مادى لليونسكو
هدية المصريين فى «طبق كشرى»
آية محمود على
لكل أكلة تاريخ، ولكل وصفة سر، وسر صنعة طبق الكشرى يكمن فى احتفاظه بنكهة المطبخ المصرى عبر عقود ممتدة، فقد خرج من شوارع القاهرة وانتقل من الأزقة والأحياء إلى العواصم والمدن ومع حصوله على الاعتراف الدولى، وإعلان منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلوم والثقافة (اليونسكو) إدراجه على القائمة التمثيلية للتراث الثقافى غير المادى للإنسانية لعام 2025، لم يعد مجرد وجبة شعبية بل تراثًا يوثق الحياة اليومية للمصريين، ويعكس ثقافتهم، ويعبر عن هويتهم.
ومن المؤكد أن الاعتراف الدولى بالكشرى يعكس نجاح مصر ويبرز جهودها المبذولة فى تسجيل ثقافتها الغذائية، وانطلاقًا من ذلك تواصلت «روزاليوسف» مع القائمين بإعداد ملف ترشيح الكشرى لمنظمة اليونسكو، وذلك لمعرفة كواليس إدراجه، ومدى تأثير الاعتراف الدولى على أسعاره وأهم المعايير التى أهلته للإدراج ضمن قائمة التراث الثقافى اللا مادى.
طبلية مصر
جاءت فكرة ترشيحه استجابة لمبادرة (طبلية مصر) التى تبناها المتحف القومى للحضارة، واستهدفت توثيق الإرث الغذائى المصرى، وتلبية لمطلبها الشعبى قامت اللجنة المختصة بالتراث الثقافى اللا مادى بوزارة الثقافة بإعداد ملف يوثق تاريخ الكشرى، وشارك فى صياغته المختصون بالشأن الثقافى، وأقدم وأشهر صناع الكشرى فى مصر.
تعزيز الهوية المصرية
وبشأن أهم المعايير التى جعلت الكشرى مؤهلًا للإدراج ضمن قائمة التراث الثقافى اللا مادى باليونسكو توضح الدكتورة «نهلة إمام» ممثل مصر فى اتفاقية صون التراث الثقافى اللا مادى باليونسكو: «من أهم المعايير أنه العنصر الثقافى الذى يمارس حتى الآن وطقوسه قائمة، وتشكل جزءًا من حياة المصريين، فضلًا عن كونه يعزز الهوية المصرية، وهذا يتضح من احتفاء المصريين بإدراجه فى اليونسكو».
وعن العناصر المرشحة للتسجيل مستقبلًا تؤكد د. نهلة: «نلتزم بتوخى التنوع، وليس من الضرورة أن نرشح فى المرة القادمة عناصر غذائية، فمن الممكن أن يكون من الفنون أو الممارسات الاجتماعية».
وتذكر أنه تم إدراج 11 عنصرًا مؤخرًا ضمن قائمة التراث اللا مادى باليونسكو وهى: الكشرى كأول وجبة مصرية، والسيرة الهلالية، ولعبة التحطيب، والنسيج اليدوى، والنقش على المعادن، والاحتفالات المرتبطة بالعائلة المقدسة، والنخلة، فضلًا عن الأراجوز، والسمسمية، والحناء.
كواليس الإدراج
5 دقائق و50 ثانية هى مدة الفيلم التسجيلى الذى حظى بقبول اللجنة الحكومية للتراث غير المادى بالعاصمة الهندية نيودلهى، وهو من إعداد وإخراج «عماد يسرى»، ومونتاج «تامر إبراهيم»، وتعليق صوتى «إبراهيم أحمد»، ويوثق تاريخ الكشرى المصرى، وتطوره عبر العصور، وسر صنعته، ومكانته الشعبية، وطرق تداوله، وجاء الوثائقى مصاحبًا لملف الترشيح.

وبشأن كواليس إدراجه يقول «عماد يسرى» إنه تم تصويره داخل الفرع الرئيسى لكشرى أبو طارق بوسط البلد، وبمشاركة من العملاء المصريين والأجانب المترددين على الفرع، ويوضح: «منذ 5 سنوات وضعنا خطة استراتيجية مع الدكتور «طارق يوسف ذكى» تستهدف نشر ثقافة الكشرى بمختلف الدول، وبدأنا بدعوة السفراء والوفود الأجنبية لتناول الكشرى المصرى، وبدأ الانتشار العالمى عبر مكاتب التسويق فى الدول الأوروبية، وحرصنا على المشاركة فى الأحداث التراثية الثقافية، وعبرنا عن الهوية المصرية».
ويذكر أن صياغة ملف ترشيح الكشرى بمنظمة اليونسكو استغرق إعداده عامين.
عناصر مرشحة مستقبلًا
ولكونه صحنًا شعبيًا بالأساس توضح الدكتورة «فاتن صلاح» أستاذ تاريخ العمارة والتراث بكلية الهندسة، وعضو هيئة خبراء التراث العرب أن أهم ما يميزه أنه يناسب كافة الطبقات الاجتماعية، ويقدم فى المولات التجارية، ويتاح مع الباعة الجائلين بالشوارع، ويناسب مختلف الديانات، ويقدم للوفود الأجنبية بالسفارات المصرية بالخارج، ويتوافر فى قرى الصعيد، والدلتا، ومدن الوجه البحرى، ويطلب فى الأحياء الشعبية، ولا تخلو منه الكومباوندات.
وعن العناصر الغذائية المرشحة مستقبلًا تؤكد أن مصر لها الحق فى تقديم عنصر ثقافى لا مادى كل عامين أو عناصر مشتركة مع بعض الدول العربية، وترى أن من العناصر الغذائية المرشحة مستقبلًا الخبز الشمسى، والفول المدمس، والفلافل.
الاعتراف الدولى وأسعار الكشرى
وبشأن دوافع اختيار براند (أبو طارق) كشريك فى صياغة ملف إدراج الكشرى فى اليونسكو يقول «محمد صابر» مسئول التسويق بفروع أبو طارق: «نعتبر مشاركتنا فى صياغة هذا الملف مسؤولية وطنية قبل أن تكون إنجازًا لعلامتنا التجارية، ونفخر بأن يكون طبق مصرى بسيط مثل الكشرى قادرًا على تمثيل هوية مصر أمام العالم، وساهمنا كجزء داعم لملف إدراجه كتراث ثقافى غير مادى، ودورنا كان توثيقيًا وثقافيًا من خلال تقديم خبرات عملية، ومعلومات تاريخية مرتبطة بتطور الطبق وانتشاره، إضافة إلى نماذج حية لكيفية الحفاظ على هوية الكشرى وأصالته عبر الأجيال، وجاء دورنا بالتنسيق الكامل مع الجهات المعنية، وفى إطار مؤسسى يحترم طبيعة هذا الحدث الوطنى المهم، ولعل هذا التوازن بين التراث والاستمرارية هو ما جعل وجودنا مناسبًا فى هذا الملف».
وبسؤاله عن مدى تأثير الاعتراف الدولى بالكشرى على أسعاره يؤكد: «على العكس تمامًا، تسجيل الكشرى فى اليونسكو هو اعتراف بقيمته الثقافية وليس التجارية، وأسعاره ستظل ثابتة، لأن الكشرى كان وسيبقى طبق الشعب المصرى، وهو متاح لكل فئات المجتمع، وهذا جزء أصيل من فلسفة الكشرى، فضلًا عن نجاحنا فى تقديمه كـتجربة ثقافية مصرية متكاملة، وليس مجرد وجبة، من خلال الحفاظ على الطابع المصرى الأصيل لعقود طويلة، واحترام وصفة الكشرى التقليدية، والتعامل مع الزائر الأجنبى باعتباره ضيفًا على الثقافة المصرية، وأصبح الكشرى وسيلة ناعمة للترويج لمصر وتاريخها الشعبى وحياتها اليومية، ونقلنا التجربة المصرية الأصيلة إلى الزائرين من مختلف دول العالم، دون المساس بروح الطبق أو أصالته، أو أسعاره».

إن توثيق الكشرى المصرى ضمن قائمة التراث الثقافى اللا مادى لليونسكو ليس مجرد احتفاء بطبق شعبى يعشقه المصريون بل هو اعتراف بتاريخ طويل من التنوع والإبداع الشعبى فى بلد يحمل حضارة 7000 سنة وشعب تعايش مع مختلف الثقافات فأثر فيها وتأثر بها. الكشرى، إذنْ، يتخطى كونه مجرد وجبة مصرية، فقد خرج من قلب الشوارع والأزقة ليصل إلى العالمية ويصبح رمزًا للهوية المصرية.












