هل يعرفه الجيل الجديد
قراءة رقمية لـ«هيكل» فى زمن الترندات!
معتز نادى
كان الكاتب الصحفى الكبير محمد حسنين هيكل حاضرًا فى حوار جمع الكاتبين الكبيرين عادل حمودة وإبراهيم عيسى، عبر منصة «يوتيوب» حول إسهامه الصحفى وما إذا كان يعبر عن مدرسة صحفية؟.
رؤية الكاتبين الكبيرين حمودة وعيسى لم تأت عبر كتابات اشتهرا بها فى ذاكرتهما الصحفية بل عبر منصة رقمية في زمن لم يعد فيه الأرشيف ورقًا مصفوفًا في خزائن مغلقة فحسب، وإنما صار يحوي بيانات تتدفّق عبر محركات البحث، ليصبح «جوجل» العملاق الشهير مرآة موازية للذاكرة العامة.
ومن خلال هذه المرآة يمكن قراءة مصير أسماء كبرى أرادت أن تصنع وعي أجيال وتترك بصمتها مثل محمد حسنين هيكل في عالم مزج فيه بين الصحافة والسياسة، وبات اسمه مرتبطًا بالمانشيتات، وبالحوار التليفزيوني، وبكتب وتحليلات تحوّلت إلى مراجع لا غنى عنها في حال كانت هناك رغبة في قراءة ما مضى لاستشراف ما سيأتي.
لكن كيف يتعامل معه الآن جيل يعيش بين شاشة الهاتف ونتائج البحث المختصرة؟
هذا ما تجيب عنه بيانات ممتدة من 1/1/2004 إلى 21/11/2025 أي بعد مرور نحو 24 ساعة عن حديث حمودة وعيسى وهيكل، وفق البيانات التي تتيحها مؤشرات «جوجل» في عالم الترندات داخل مصر، عبر منهجية اعتمدت على 3 محاور تشمل شكل الاسم، وخريطة المحافظات، وطبيعة البحث.
أول ما تقوله الأرقام أن المصريين، في المتوسط، لا يلجأون إلى الاسم الكامل قدر لجوئهم إلى الكلمة المفردة «هيكل» عند البحث عنه.
على مستوى 27 محافظة، تشير الأرقام إلى أن حوالي ٪93.8 من عمليات البحث تذهب إلى «هيكل»، مقابل نحو ٪6.7 فقط للاسم الكامل «محمد حسنين هيكل»، بينما لا تتجاوز الكتابة عند إضافة حرف الألف إلى كملة حسنين لتصبح «محمد حسانين هيكل» نحو ٪0.5.
ليست هذه مجرد نسب جامدة؛ إنها إشارات إلى المسافة بين جيل يعرف الرجل كرمز مكتمل الاسم، وجيل آخر يتعامل مع «هيكل» كمفردة لغوية عابرة أو لقب عائلة أو بوابة إلى محتوى لا علاقة له بالتحليل السياسي أصلاً.
إذا انتقلنا إلى الخريطة الجغرافية، فكان الاسم الكامل «محمد حسنين هيكل» والذي سيكون محور المقارنة خلال تلك السطور وأنت تقرأ الآن، لا يزال يحتفظ بحضوره الأعلى في القاهرة، حيث يحقق ٪10 من عمليات البحث مقابل ٪90 لصالح «هيكل».
وتأتي الإسكندرية في المركز الثاني بنسبة ٪9 للاسم الكامل و٪91 للاسم المختصر، ثم تتساوى الجيزة مع بورسعيد وشمال سيناء والإسماعيلية عند 8 ٪ مقابل ٪92 لكلمة «هيكل».
بعدها يتوالى تتابع المحافظات بسباعيات وسداسيات وخماسيات.. وهنا تسألني ما المقصود؟
فستأتيك الإجابة بأن الدقهلية، والأقصر، ومطروح، والغربية، ودمياط، الشرقية، وأسوان، وأسيوط تسجل كلها ٪7 للاسم الكامل و٪93 للمختصر.
أما المنوفية، والفيوم، والسويس، وقنا، والمنيا، والبحر الأحمر فتقف عند 6 ٪ مقابل ٪94، بينما تكتفي القليوبية والبحيرة وسوهاج وكفر الشيخ وبني سويف بنسبة ٪5 للاسم الكامل و٪95 للاسم المختصر «هيكل».
الحالتان الأشد دلالة هما جنوب سيناء والوادي الجديد؛ حيث لا يظهر الاسم الكامل في البيانات تقريباً، بينما تستحوذ كلمة «هيكل» على ٪100 من البحث المسجل.

هكذا ترسم الأرقام خريطة «هيكل» في محافظات مصر، وكلما اقتربنا من المراكز الحضرية التقليدية للصحافة من حيث مركزية تواجد مؤسساتها على الأقل في القاهرة، والإسكندرية، والجيزة، ارتفعت نسبة استدعاء الاسم الكامل، وكلما ابتعدنا إلى الأطراف والهوامش أصبح «هيكل» كلمة بلا سياق واضح، تستعمل في عشرات المعاني، من «هيكل عظمي» إلى «هيكل تنظيمي» إلى «هيكل الأجور».
هيكل الكاتب والمورخ
غير أن السؤال الأعمق وقت البحث على «جوجل».. ماذا يريد من يكتب الاسم الكامل «محمد حسنين هيكل» بهذه الدقة؟
هنا تكشف بيانات الاستعلامات المرتبطة بالاسم عن قلب صلب من الاهتمام لا يزال يشد الرجل إلى موقعه ككاتب ومؤرخ.
في قائمة الـ «TOP» أو الأعلى والمرتبطة بالاسم الكامل وقت البحث عنه تتصدر عبارة «كتب هيكل» المؤشر بقيمة 100، ثم «كتاب محمد حسنين هيكل» بقيمة 80، ثم «محمد حسنين هيكل pdf» بقيمة 68.
ثمة 3 إشارات متتالية تقول إن نقطة الدخول الأولى إلى عالم هيكل، عندما يُكتَب البحث عنه باسمه الكامل، هي النصوص الممثلة في كتب، ومؤلفات، وصيغ رقمية قابلة للتحميل والقراءة، لا مجرد مقاطع مقتطعة من برنامج قديم.
بعد ذلك تظهر طبقة ثانية من الاستعلامات التي تربط الرجل بالمكان والعائلة والبرنامج مثل «شارع حسنين هيكل» الذي يسجل قيمة 59، كأن الشارع تحوّل إلى محطة بحثية في ذاته، ثم برنامجه الشهير «مع هيكل» بقيمة 57، في إشارة إلى الحلقات التليفزيونية التي شكّلت جسرًا بين النص المكتوب والصورة.
يلي ذلك «حسين هيكل» بقيمة 54 و«محمد حسين هيكل» بقيمة 53، و«أحمد هيكل» و«أحمد حسنين هيكل» بقيمتين متطابقتين 51، ثم «أحمد محمد حسنين هيكل» بقيمة 50، و«حسن هيكل» بقيمة 30، و«حسن محمد حسنين هيكل» بقيمة 29.
الأسماء هنا ترسم شجرة عائلة تمتد من المؤسس إلى الأبناء والأحفاد والامتدادات، وتكشف أن الاسم لم يعد ملتصقاً بشخص واحد، بل أصبح سلالة لها أدوار في الاقتصاد والإعلام والسياسة.
في طبقة الـ «RISING» المرتبطة بالاسم الكامل وتتيحها مؤشرات «جوجل»، تتكرر بعض هذه الاستعلامات ذاتها، لكن بتوصيف «Breakout»، أي أنها شهدت قفزات مفاجئة مثل «كتاب محمد حسنين هيكل»، و«محمد حسنين هيكل pdf»، و«مع هيكل»، و«حسين هيكل»، و«محمد حسين هيكل»، و«أحمد هيكل»، و«أحمد حسنين هيكل»، و«أحمد محمد حسنين هيكل»، و«حسن هيكل»، و«حسن محمد حسنين هيكل»، وصولاً إلى «محمد حسن» و«محمد حسن هيكل».

وإلى جانب هذه السلسلة العائلية والمهنية، تظهر استعلامات من نوع مختلف مثل «وفاة محمد حسنين هيكل»، «الكاتب محمد حسنين هيكل»، «تحميل كتب محمد حسنين هيكل»، «موقع محمد حسنين هيكل»، «صور محمد حسنين هيكل»، «محمد حسنين هيكل مع لميس الحديدى»، «محمد حسنين هيكل الجزيرة»، «محمد حسنين هيكل ويكيبيديا»، «حياة محمد حسنين هيكل»، «محمد حسنين هيكل الشروق»، و»مؤلفات محمد حسنين هيكل».
تلك الاستعلامات عند خانة البحث توثّق لحظة تحوّل كبرى أبرزها لحظة الوفاة التي فجّرت موجة بحث أعادت فتح الأرشيف، وتذكّر بأن الراحل، في الوعي الرقمي، يُستدعى بالصفة أولاً: «الكاتب محمد حسنين هيكل».
لكن المشهد يتبدّل كلياً حين ننتقل إلى الكلمة المفردة «هيكل». في قائمة «TOP» الخاصة بها، إذ يتصدر «حسنين هيكل» المؤشر بقيمة 100، يليه «محمد هيكل» بقيمة 97، ثم يقفز فجأة استعلام «توينز» بقيمة 64، و «هيكل توينز» بقيمة 62، و«محمد حسنين هيكل» بالقيمة نفسها 62.
بعد ذلك تظهر طبقة مفردات لا علاقة مباشرة لها بالشخص: «هيكل عظمي» بقيمة 46، «هيكل سليمان» بقيمة 36، ثم تتوالى العبارات مثل «أحمد هيكل» بقيمة 23، «صور هيكل» بقيمة 21، «حسين هيكل» بقيمة 20، «حسام هيكل» بقيمة 19، ثم «مع هيكل» بقيمة 17، و «عادل هيكل» بقيمة 16، و«حسن هيكل» بقيمة 15، و«محمد حسين هيكل» بقيمة 14، و«هيكل علي» بقيمة 13، و«هيكل تنظيمي» بقيمة 12، و«أسامة هيكل» و«هيكل عظمى» و«كتب هيكل» بقيمة 9 لكل منها، و«أبو هيكل» بقيمة 8، و«محمود هيكل» بقيمة 7، و«هيكل الأجور» بقيمة 6، و«صور هيكل عظمي» و«أحمد هيكل» بقيمة 5.
هذه السلسلة الطويلة تقول ببساطة إن كلمة «هيكل» خرجت من حدود صاحبها إلى فضاء أوسع بكثير.
فهي في الوقت نفسه لقب عائلة، وعنوان لمحتوى ترفيهي («توينز»، «هيكل توينز»)، ومفتاح لمفاهيم دينية («هيكل سليمان»)، ومصطلح اقتصادى وإدارى («هيكل تنظيمي»، «هيكل الأجور»)، وصورة جسدية («هيكل عظمي»، «صور هيكل عظمي»).
جمهور هيكل
حتى عندما يعود الاستعلام إلى «محمد حسنين هيكل» بقيمة 62، فإن هذه العودة تمر عبر بوابة اسم لم يعد حكرًا عليه.
ما تكشفه هذه الأرقام مجتمعة هو أن رمزية هيكل لم تختف، لكنها تشظّت إلى طبقات.
في الطبقة الأولى، حين يُكتَب الاسم كاملاً، يظل الرجل كاتباً ومؤرخاً يُبحث عن «كتبه»، «مؤلفاته»، «PDF» نصوصه، وعن «وفاته» و«سيرته» و«صوره» و«برامجه» و«موقعه» و«صفحته على ويكيبيديا».

في الطبقة الثانية، حين تُستَخدم كلمة «هيكل» وحدها، يتحوّل الاسم إلى حقل تتجاور فيه العائلة، واليوتيوب، والاقتصاد، والدين، والتشريح. في الطبقة الثالثة، على خريطة المحافظات، يتفاوت حضور الاسم الكامل بين ٪5 و٪10 في 25 محافظة، ويختفي تقريباً في محافظتين لصالح ٪100 من البحث على الكلمة المفردة.
بهذا المعنى، لا يعود السؤال.. «هل اختفى هيكل من وعي الأجيال الجديدة؟» بل يصبح «في أي طبقة من الوعي يُستَخدم اسمه اليوم؟».
الأرقام تقول إن هناك جمهوراً لا يزال يدخل إليه من بوابة الكتب والمؤلفات والسيرة، وجمهوراً آخر يدخل إلى الكلمة نفسها من بوابة «هيكل توينز» الموجود على «يوتيوب» بمحتواه أو من بوابة «هيكل الأجور».
وبين هذين العالمين تقف الصحافة الجادة أمام اختبار صعب: كيف تعيد تقديم رموزها الكلاسيكية في عالم تُقاس فيه الفعالية بقيمة مؤشر يصل إلى 100 أو 62 وفق ما يتيحه «جوجل» في زمن الترندات وبعدد المشاهدات والتعليقات، لا بعدد الصفحات المطبوعة.
الدرس الأعمق الذي تقدمه هذه البيانات، بتفاصيلها التي تبدأ من ٪0.5 للتهجئة الخاطئة وتصل إلى ٪100 لكلمة «هيكل» في جنوب سيناء والوادي الجديد، هو أن الإرث القادر على البقاء ليس مجرد الظهور على الشاشة، بل القدرة على ترك نصوص قابلة لإعادة القراءة والتأويل عبر الأجيال.
الشاشة تتبدّل، والمنصات تتكاثر، والترند ينتقل من «مع هيكل» إلى «هيكل توينز»، لكن الكتب التي يبحث عنها المستخدم تحت عنوان «كتب هيكل» بقيمة 100، و«كتاب محمد حسنين هيكل» بقيمة 80، و«محمد حسنين هيكل pdf» بقيمة 68، تظل قادرة على أن تخرج من قلب محرك البحث لتعيد تعريف صاحبها، مهما تزاحمت حوله الاستعلامات في خانات البحث والأسماء والرموز.
في النهاية، فإن قدرة الصحافة على تحويل هذه الأرقام إلى سردية واعية، لا إلى مجرد رسم بيانى، هى ما سيحدد ما إذا كان اسم هيكل سيبقى جزءًا حيًا من الحوار العام، أم مجرّد «هيكل» آخر يمرّ سريعاً فى سيل النتائج.
الإجابة عندك بعد القراءة.. والرأى متاح للجميع.. فماذا تتوقع؟









