هل تتغير اختيارات أولياء الأمور لأبنائهم
المدارس اليابانيــة VS «اعتداءات» المدارس الدولية
مروة فتحى
برزت المدارس المصرية اليابانية، فى السنوات الأخيرة، كنموذج تعليمى متميز يركز على تنمية مهارات الطلاب وبناء شخصياتهم الاجتماعية والأكاديمية، مع دمج المناهج المصرية المطورة فى بيئة تعليمية جاذبة.
وتطبق تلك المدارس التى بلغ عددها 69 مدرسة فى 26 محافظة، أنشطة التوكاتسو اليومية التى تعزز التعاون والانضباط والعمل الجماعى بين الطلاب، مما ساهم فى تطوير سلوكهم وقدرتهم على التعبير واتخاذ القرارات.
500 مدرسة خلال 5 سنوات
مؤخرًا، وجه الرئيس عبد الفتاح السيسى، بالتوسع فى التجربة لتصل إلى 500 مدرسة خلال السنوات الخمسة المقبلة، كما استقبل وفدًا يابانيًا من الخبراء، فى خطوة تعكس ثقة الدولة فى النموذج اليابانى، وفيما حققه من نتائج إيجابية خلال السنوات الماضية، سواء فى تدريب المعلمين أو بناء شخصية الطالب.
التجربة اليابانية فى مصر تطرح سؤالًا جوهريًا: هل يمكن لنموذج قائم على الانضباط والمهارات الحياتية، أن يكون البديل الآمن والفعال للتعليم الدولي؟
يوضح د. عاصم حجازى، أستاذ علم النفس التربوى بجامعة القاهرة، أن الفارق الأساسى بين البيئة التربوية فى المدارس اليابانية ونظيراتها الدولية أو الخاصة، يبدأ من فلسفة بناء الشخصية، فالمدرسة اليابانية تمنح أولوية واضحة لقيم التعاون والانضباط والسلوك الإيجابى، بينما يتشتت تركيز المدارس الدولية نتيجة تعدد أهدافها، إلى جانب كونها مدارس هادفة للربح، الأمر الذى ينعكس على قدرتها فى فرض انضباط حقيقى ومستدام على الطلاب، خلافًا للنظام اليابانى غير الربحى الذى يمنح العملية التربوية طاقة تركيز كاملة.
التوكاتسو
يفسر د. حجازى التأثير الكبير الذى تتركه أنشطة التوكاتسو وممارسات الانضباط الذاتى على سلوك الطفل، مؤكدًا أن شخصية الطفل تتشكل بالأساس فى سنوات الطفولة، وأن تعويده المبكر على الالتزام، التعاون، المثابرة، وتحمل المسئولية يصنع سمات شخصية إيجابية راسخة تستمر معه طويلًا.
وعن قدرة النظام اليابانى على الحد من السلوكيات السلبية داخل المدارس، أوضح أن الطفل «ابن بيئته»، وأن البيئة التى تعزز السلوك الإيجابى وتحاصره بالتشجيع والوضوح لا تترك مساحة لظهور السلوكيات السلبية، وحين يكتسب الطفل فى سن صغيرة قيمًا مثل التسامح، التعاون، الاحترام والانضباط فإنها تتحول إلى مناعة نفسية وفكرية تحميه من الانجراف نحو أى سلوك منحرف.
ويرى د. حجازى أن غياب الرقابة ليس وحده المسئول عن التجاوزات التى تظهر أحيانًا فى بعض المدارس الدولية، بل يتضافر معه غياب الاهتمام والحزم، فالطالب يلتقط بسرعة تساهل المدرسة ورغبتها فى الحفاظ على معدلات الإقبال المرتفعة، فيشعر أنه الطرف الأقوى، وأن المدرسة تحاول إرضاءه، مما يدفعه إلى اختبار حدود هذا التساهل عبر تجاوزات صغيرة تتطور تدريجيًا حتى تحدث «الكارثة»، ويؤكد أن هذا الوضع لا ينطبق على كل المدارس الدولية، بل على بعضها فقط.
وأضاف أن الطفل الذى يتربى داخل نظام «توكاتسو» يخرج فى النهاية بشخصية مختلفة تمامًا عن الطفل الذى ينشأ فى مدرسة دولية أو خاصة، لأن المدارس اليابانية تهتم ببناء الشخصية بشكل متكامل؛ وتعمل على ترسيخ قيم العمل الجماعى وتحمل المسئولية والانضباط.

النموذج الأفضل
شدد حجازى على دور المعلم بوصفه قدوة تشكل شخصية الطالب بقدر ما يقدم من تعليم، فالمعلم بما يحمله من اتزان انفعالى وانضباط شخصى وأفكار وسلوكيات، يمكنه أن يؤثر فى الطالب تأثيرًا مباشرًا، بينما قد يسبب المعلم غير المتزن أو العدوانى أذى نفسيًا وبدنيًا للطلاب، لذلك يرى أن اختيار المعلم الكفء هو الركيزة الأولى لنجاح أى نظام تعليمي.
فيما يتعلق بعنصر الأمان النفسى، يؤكد أن المدارس اليابانية تتفوق بفضل تطبيق نظام واضح على الجميع، مع وجود رقابة ومسئولية وتعاون بين كل الأطراف، بينما تعانى بعض المدارس الدولية من ضعف كبير فى فرض النظام والحزم.
وقال د. عاصم حجازي: المدارس اليابانية ليست مجرد بديل محتمل للمدارس الدولية، بل «النموذج الأفضل»، لأنها تجمع بين جودة الجانب الأكاديمى، والاهتمام العميق ببناء شخصية الطفل وتكاملها على نحو إيجابي.
شروط قياسية
من جانبه أكد شادى زلطة، المتحدث الرسمى باسم وزارة التربية والتعليم و التعليم الفنى، على أن الوزارة تبذل كل جهودها للتوسع فى نموذج المدارس المصرية اليابانية، باعتباره استراتيجية ثابتة لوزير التربية والتعليم والتعليم الفنى محمد عبد اللطيف، وفقًا للتوجيهات الرئاسية.
وأشار إلى أن المدارس اليابانية بينها 14 مدرسة افتتحت العام الدراسى الحالى، بما فى ذلك فروع فى قلب القاهرة، نظرًا للإقبال غير المسبوق على هذا النموذج التعليمى المتميز والبيئة التعليمية التى تقدمها، لافتًا إلى أن هناك مخططا لافتتاح 100 مدرسة سنويًا، بحيث يصل إجمالى المدارس إلى 500 مدرسة خلال 5 سنوات.
أشار «زلطة» إلى أن المدارس اليابانية تمثل رمزًا للتعاون الاستراتيجى بين مصر واليابان فى قطاع التعليم، وهو تعاون انعكس على عدة مجالات، منها إدراج مادة البرمجة والذكاء الاصطناعى للصف الأول الثانوى، وتطوير مناهج الرياضيات للصف الأول الابتدائي.
أما عن اختيار المعلمين، فأوضح أن وحدة المدارس المصرية اليابانية تعلن رسميًا عن فتح باب التقديم للمعلمين فى مدارس محددة أو مجموعات مدارس، مع وضع شروط دقيقة للمتقدمين، ويخضع المتقدمون لعدة مراحل تشمل مقابلات شخصية، اختبارًا كتابيًا، بهدف اختيار الأكفأ، يلى ذلك تدريب مكثف على البيئة التعليمية اليابانية وأساليب التعامل مع الطلاب وأساليب التدريس داخل المدرسة.
وأوضح «زلطة» أن 580 معلمًا سافروا إلى اليابان للحصول على التدريب المباشر، مع تخطيط لإرسال 100 معلم إضافى فى 2026، كما يتواجد خبراء فى وحدة المدارس المصرية اليابانية بالوزارة مع المشرفين اليابانيين لمتابعة تنفيذ الأنشطة على مستوى المدارس ورفع تقارير منتظمة.
وأضاف : إن الخبراء اليابانيين يلعبون دورًا مهمًا فى الإشراف على المدارس وضمان تطبيق نموذج التعليم اليابانى بالكامل، مما يميز البيئة التعليمية التى تدمج المناهج الرسمية لوزارة التربية والتعليم مع أنشطة التوكاتسو، التى تركز على بناء مهارات الطلاب، تنمية شخصياتهم، وتعزيز قدرتهم على اتخاذ القرار.
وتشمل البيئة التعليمية أيضًا، بحسب قوله، أنشطة مثل لجنة الفصل، حيث يناقش الطلاب مع المعلم قضايا محددة ويُترك لهم اتخاذ القرار المناسب، وأنشطة التعلم عن طريق اللعب، اللعب بالرمال، والأنشطة الرياضية، والتى تهدف جميعها إلى تنمية مهارات الطلاب وبناء شخصياتهم بشكل متكامل، مع تعزيز التعاون والثقة بالنفس وقدرة اتخاذ القرار.

الرقابة والمتابعة
وعن المقارنة بالمدارس الدولية، شدد زلطة على أن كل نموذج تعليمى له ظروفه وخصوصياته؛ فالمدارس المصرية اليابانية تدرس المناهج الرسمية لمصر، بينما المدارس الدولية تعتمد مناهج أجنبية مثل IG أو American، ولها لوائح انضباط خاصة بها.
وكانت بعض المدارس الدولية قد شهدت خلال الفترة الأخيرة، وقائع فردية أثارت جدلًا واسعًا حول آليات الانضباط والمتابعة داخل هذا النوع من المدارس، ما دفع وزارة التربية والتعليم للتأكيد على خضوع أى مدرسة، بغض النظر عن نظامها التعليمى، للإشراف المالى والإدارى عند الضرورة، ورغم ذلك يؤكد أولياء أمور أن العديد من المدارس الدولية ما تزال تحافظ على مستوى عالٍ من الانضباط وجودة العملية التعليمية.
فيما يصف أولياء الأمور اليوم الدراسى فى المدارس المصرية اليابانية بأنه منظم وجميل، مع التأكيد على أن الانضباط والتربية فى هذه المدارس ممتازة جدًا، حيث يتعلم الأطفال قيم التعاون والمشاركة، وفى بعض الفروع الجديدة لاحظ بعض الأهالى أن المدرسين أصحاب خبرة ضعيفة، لكنهم يرون أن هذا لا يبرر أحيانًا ضعف الشرح، خاصة مع التركيز على الانضباط والنظام اليومي.
وتشير آية محمد- ولية أمر- إلى أن اليوم الدراسى يبدأ قبل الحصة بنصف ساعة بأنشطة تعلم هادئ، مثل قراءة القصص العربية والإنجليزية، لتنمية القيم عند الأطفال، ومساعدتهم على الانتقال من البيئة المنزلية إلى جو المدرسة، بما يهيئهم للتركيز والدراسة، وفى نهاية اليوم يعقد اجتماع للتأكد من تحقيق الأهداف التعليمية والسلوكية المقررة.
وتقول هناء على -ولية أمر- أن اليوم الدراسى بالمدارس المصرية اليابانية يستمر من الساعة 7:30 صباحًا حتى 3:30 مساءً، وقابل للزيادة حسب أعباء أنشطة التوكاتسو، وتضع المدرسة شرطًا للإقامة فى المنطقة المحيطة لضمان تطبيق المجموعة الكاملة من الأنشطة، كما تحافظ المدارس على مرونة تعديل جدول اليوم الدراسى وفق منظومة عملها، دون أن يحق لولى الأمر الاعتراض، نظرًا لطبيعة النظام التعليمى الياباني.
ومنذ إنشاء المدارس المصرية اليابانية عام 2018، تميزت هذه المدارس بتطبيق أنشطة التوكاتسو اليومية، التى تشمل التنظيف الذاتى للفصل من ترتيب المقاعد وتنظيم الأدوات وتنظيف الأرضيات، ويقسم الطلاب إلى مجموعات مسئولة عن مهام محددة، ويقومون بها بأنفسهم وسط موسيقى هادئة، مما يعزز الاعتماد على النفس وتحمل المسئولية.
ويتم تنظيم تناول الطعام وفق تقاليد محددة، بحيث يفتح كل طالب صندوق طعامه ويأخذ وقته دون مقاطعة الآخرين، وبعدها يغسل الطلاب أسنانهم وأيديهم فى أماكن مخصصة، مع توفير خزانات مياه كبيرة لاستخدام الطلاب طوال اليوم.
أنشطة رياضية
ولا يقتصر اليوم الدراسى على الأنشطة التعليمية فقط، بل يشمل 90 دقيقة من الأنشطة الرياضية تحت إشراف معلمين متخصصين، إضافة إلى حوض الرمال الطبى الذى يساعد الأطفال على تطوير المهارات الحركية الدقيقة، وتنمية الإبداع والعلاقات الاجتماعية وتقوية العضلات وتحسين المهارات المعرفية، ويؤكد أولياء الأمور أن هذه الأنشطة تجعل الأطفال سعداء ومستمتعين خلال اليوم الدراسى الطويل، مع الحفاظ على الانضباط والنظام داخل المدرسة.
أما عن تأثير المنظومة على الطلاب، فتظهر نتائج تطوير الشخصية والمهارات الاجتماعية من خلال مشاركتهم فى الأنشطة على مستوى الوزارة أو المحافظات، سواء فى الألعاب الرياضية أو الفعاليات الجماعية، ويبرز الطلاب من خلال قدرتهم على ترتيب أماكنهم، التعبير عن أنفسهم و التفاعل مع الآخرين واتخاذ القرارات الجماعية، مما يعكس نجاح نموذج التعليم اليابانى فى بناء شخصيات مستقلة ومتعاونة، وليس مجرد تحسين الأداء الأكاديمي.
فى النهاية نجد أن المدارس المصرية اليابانية النموذج الأقرب للمجتمع المصرى مدفوعة بإصرار حكومى على بناء نموذج تعليمى مختلف يقوم على الانضباط والمشاركة وتنمية الشخصية، ويستند فى الوقت نفسه إلى مناهج الوزارة المطورة؛ وفى المقابل تستمر المدارس الدولية فى تقديم نموذج تعليمى قائم على المناهج الأجنبية وطرق التقييم العالمية، يبقى التحدى الحقيقى أمام أولياء الأمور ليس البحث عن «الأفضل»، بل اختيار النموذج الأقرب لاحتياجات أبنائهم وقيم أسرهم.







