فى ذكرى وفاته الـ 37
عبد الباسط عبد الصمد.. قيثارة دولة التلاوة
صبحى مجاهد
تمضى الأعوام وتبقى أصوات الكبار حاضرة لا يخبو بريقها، وفى مقدمتها صوت الشيخ عبد الباسط عبد الصمد، الذى تحل الذكرى الثانية والثلاثون لرحيله فى 30 نوفمبر، بينما لا يزال اسمه يتردد فى ذاكرة الأمة كواحد من أعظم من حملوا القرآن بصوتهم وروحهم وصدقهم.
وُلد الشيخ عبد الباسط فى الأول من يناير 1927 بمدينة أرمنت بمحافظة قنا القديمة، لأب يعمل فى هيئة السكة الحديد وأم ربة منزل. ومنذ سنواته الأولى بدا واضحًا أن الله اختصه بنعمة نادرة، فقد كان طفلًا ذا أذن موسيقية فطرية وصوت قوى صافٍ، جعله يتعلق بالقرآن ويحفظه فى سن العاشرة على يد الشيخ محمد الأمير، ثم أكمل القراءات على يد الشيخ سليم المنشاوى وهو فى الثانية عشرة.
تفتّحت موهبته مبكرًا، وصار اسمه معروفًا فى مجالس القرى، يطلبه الناس لإحياء المناسبات رغم صغر سنه. كان يذهب ليلًا إلى سرايا عبود باشا ليستمع للمقرئين، ثم يعود يقلِّد ما سمعه بدقة حتى لُقِّب هناك بـ«الشيخ عبد الباسط»، بينما كان صوته يزداد قوة ورقّة فى الوقت نفسه، فى مزيج نادر يندر أن يجتمع فى قارئ واحد.
عُيّن قارئًا لمسجد الإمام الشافعى عام 1952، ثم قارئًا لمسجد الإمام الحسين عام 1958 خلفًا للشيخ محمود على البنا. ومن هنا بدأ انتشار صيته عالميًا حتى لُقّب بـ«صوت مكة» بعد أن قرأ فى المسجد الحرام والمسجد النبوي. كما لُقّب بـ«الحنجرة الذهبية» لقوة صوته، وتمكنه العجيب من المقامات والانتقال بينها بسلاسة وبدون أى افتعال، وهى ميزة جعلته من أكثر القراء تأثيرًا فى المستمعين حول العالم. وقد حصل على أكثر من عشرة أوسمة من دول عربية وإسلامية بينها سوريا ولبنان وماليزيا وباكستان، وارتبطت الكثير من قصص إسلام غير المسلمين لأول مرة بفضل صوت الشيخ عبد الباسط- وأشهرها رحلته إلى جنوب أفريقيا عام 1966.
قيادة القراء.. وأول نقيب لهم
اجتمع كبار القراء فى السبعينيات للتوافق على إنشاء نقابة تحمى المهنة من الدخلاء وتضمن حقوق القراء. وعندما تأسست النقابة رسميًا عام 1984، كان الاختيار طبيعيًا وواضحًا: الشيخ عبدالباسط أول نقيب لقراء مصر، بما له من احترام واحترام متبادل بين أبناء المهنة.
حبه للقرآن وأمنيته الأخيرة
كان الشيخ عبد الباسط متعلقًا بالقرآن حبًا وشغفًا، وكانت أمنيته الكبرى تسجيل القرآن كاملًا بالقراءات العشر مجودة ومرتلة، لكنه رحل قبل تحقيقها. ومع ذلك ترك أعمالًا خالدة: المصحف المرتل والمجود برواية حفص عن عاصم، والمصحف المرتل كاملًا برواية ورش فى المغرب، إلى جانب آلاف الساعات من التلاوات النادرة التى ترافق المسلمين فى صلواتهم وخلواتهم حتى اليوم.
صوت لا يغيب
رحل الشيخ عبد الباسط فى 30 نوفمبر 1988، لكن صوته لا يزال حاضرًا فى العالم الإسلامى، يوقظ الشجن والسكينة، ويعيد للقلوب حالة الصفاء التى يندر أن يحققها صوت آخر. فعبد الباسط لم يكن قارئًا فحسب، بل كان مدرسة كاملة، وروحًا قرآنية تملأ الدنيا نورًا كلما انطلقت من إذاعة أو مسجد أو تسجيل. ولو كان الصوت يُخلّد صاحبه لبقى عبدالباسط بيننا آلاف السنين.







