الأحد 23 نوفمبر 2025
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد إمبابي
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد إمبابي

خطة ما بعد الحرب

غزة فى حماية الأمم المتحدة

فى خطوة أممية قد تعيد رسم المشهد السياسى والأمنى لقطاع غزة، منح مجلس الأمن الدولى ضوءًا أخضر لخطة الولايات المتحدة لإدارة «ما بعد الحرب»، ممررًا قرارًا يدعو لنشر «قوة استقرار دولية» وتشكيل «مجلس سلام» انتقالى. 



القرار الذى حظى بتأييد 13 دولة وامتناع لافت من روسيا والصين، يضع القطاع أمام مرحلة مفصلية تتأرجح بين وعود «الدولة الفلسطينية» ومخاوف «الوصاية الدولية»، وسط انقسام فلسطينى حاد بين ترحيب السلطة فى رام الله ورفض قاطع من حماس، مما يفتح الباب واسعًا أمام تساؤلات حول إمكانية تطبيق «المرحلة الثانية» على أرضٍ لا تزال تحكمها لغة البارود.

تصويت أممى

صوَّت مجلس الأمن الدولى، الإثنين الماضى، على القرار الأمريكى الذى يدعم خطة الرئيس دونالد ترمب لإعادة هيكلة الحكم فى قطاع غزة. القرار، الذى حظى بتأييد 13 صوتًا مع امتناع روسيا والصين عن التصويت، يُفصل ملامح ما يعرف بـ«المرحلة الثانية» لخارطة الطريق لما بعد وقف إطلاق النار، وينص على تشكيل إدارة مؤقتة وإرسال قوة استقرار دولية. إلا أن ما وراء ذلك التصويت يظل محاطًا بأسئلة سياسية وأمنية وإنسانية: هل تفضى هذه الخطوة إلى بناء مؤسسات فلسطينية مستقرة ؟ أم أنها بداية لوصاية دولية طويلة؟ وكيف ستتعامل الفصائل الفلسطينية، لا سيما حماس، مع هذا التوجه؟

مضمون الخطة

قبل الدخول فى استعراض المواقف ووضع التحليلات، من المهم أن ندرك ما ترمى إليه الخطة الأمريكية فى غزة. ينص القرار على إنشاء قوة استقرار دولية تنشر فى غزة تضم قوات من بعض الدول الإقليمية، بجانب الشرطة الفلسطينية، وهذه القوة مؤهلة لاستخدام «جميع التدابير الضرورية» لتنفيذ مهامها ضمن الأُطر القانونية. 

من المقرر أن تنخرط القوة فى عدد من المهام أهمها: تأمين الحدود، حماية المدنيين، إنشاء ممرات إنسانية، ونزع الأسلحة من المجموعات المسلحة غير الرسمية. 

ينص القرار أيضًا على إنشاء «مجلس سلام»، يعمل كهيئة انتقالية لإدارة شئون غزة، والذى يرجح استمرار ولايته حتى نهاية 2027.

ومن الناحية السياسية، هناك إشارة جاءت لأول مرة بوضوح فى النص المعتمد، عن إمكانية قيام دولة فلسطينية فى غزة، إذا ما قامت السلطة الفلسطينية بإصلاحات وتم إعادة إعمار القطاع بنجاح: «قد تكون الظروف مهيأة أخيرًا لمسار موثوق نحو تقرير المصير والدولة الفلسطينية». 

وتضمنت الخطة نزع سلاح الفصائل المسلحة فى غزة، وهو مطلب إسرائيلى أساسى، يشترط تفكيك البنية العسكرية لحماس، والذى سيتم عبر خطوات تدريجية: «دمج الأسلحة وإعادة إدماج المقاتلين وهو مشروع قد يستغرق سنوات»، بحسب تحليل لمركز تشاتهام هاوس. 

انقسام فلسطينى

بدا الجانب الفلسطينى منقسما تجاه الخطة، بين ترحيب رسمى من رام الله ورفضٍ قاطع من فصائل المقاومة فى غزة. 

وصف بيان للسلطة الفلسطينية القرار الأممى بأنه «إطار دولى يضمن وقف النار ويضع خارطة طريق نحو دولة فلسطينية»، مطالبًا بتنفيذه فورًا لحماية المدنيين وبدء إعادة الإعمار وعودة مؤسسات الحكم المدنى فى غزة. من جانبها رفضت حركة حماس القرار واعتبرته «تكريسًا لوصاية دولية» تهمش حقوق الشعب الفلسطينى، مؤكدةً أنها لن تسلم سلاحها ولن تُفرط فى ثوابتها السياسية.

وترى الحركة أن نزع سلاحها ليس مجرد إجراء أمنى، بل انتهاك لحق المقاومة، إذ إن أى محاولة لإعادة بناء غزة يجب أن تراعى حق المقاومة كجزء أساسى من التمثيل الفلسطينى. هذا التباين يعيد إلى الواجهة سؤالًا مركزيًا: هل يمكن تنفيذ جزء من الخطة دون موافقة حماس؟ وهل ستكون المرحلة الانتقالية فعلًا شاملة وتحترم التوازن الداخلى الفلسطينى؟، فلا شك أن غياب الثقة بين الفصائل يضعف احتمالات التنفيذ الكامل دون مواجهة أو تصادم.

لهذا فإن الانقسام الفلسطينى، يعتبر حجر عثرة أمام أى محاولة لتطبيق المرحلة الثانية من الخطة الأمريكية، لأن أى انتقال حقيقى للسلطة يتطلب تنازلات وتحالفات داخلية.

خطوة تكتيكية 

من وجهة نظر واشنطن، فإن قرار مجلس الأمن ليس مجرد نص دبلوماسى، بل أداة استراتيجية تعزز بها الإدارة الأمريكية موقفها بأنها كانت ولا تزال القوة الفاعلة فى ملف غزة، حتى بعد الحرب.

وتقول واشنطن إن الخطة تمثل «جهدًا صادقًا» لتوفير استقرار طويل الأجل وسبل سياسية للفلسطينيين، مع فتح «مسار نحو تقرير المصير».

ووفقًا لمحللين من معهد كارنيجى، فإن الخطة تقدم فرصًا اقتصادية للفلسطينيين عبر إعادة الإعمار (تعليم، صحة، فرص عمل)، وترفض التهجير الجماعى، بل تشير إلى حق العودة إلى غزة لمن غادر أو قد يغادر. 

فى نفس الوقت حذر خبراء من مركز تشاتهام هاوس، من أن الخطة طموحة جدًا فى صياغتها، لكنها صعبة التنفيذ: «إنه من الصعب جدًا لأى بعثة أن تفرض سيطرة أمنية فى نفس الوقت الذى تحاول فيه بناء سلطة محلية موثوقة».

بينما يرى خبراء آخرون، أن الولايات المتحدة يجب أن تركز أولًا على هدنة ثابتة وإيصال المساعدات وإعادة الإعمار قبل الانشغال برؤى سياسية أكبر: «يجب ألا يشتت الأمريكيون انتباههم برؤى كبيرة، السلام فى غزة يجب أن يأتى أولًا»، كما أشار د. نيل كويليام من تشاتهام هاوس. 

وقف متوازن

تبنَّت الدول العربية التى أبدت تأييدًا أو لم تعارض الخطة الأمريكية لغزة دورًا مزدوجًا: من جهة، سعت إلى إظهار التزامها أمام الرأى العام العربى بوقف المعاناة الإنسانية وتسهيل إعادة الإعمار، ومن جهة أخرى، سعت إلى ضمان عدم تهميش الدور الفلسطينى من جانب أى إدارة دولية أو مؤسساتية، بحيث لا يتم شرعنة احتلال القطاع.

ورأت الدول الإقليمية التى أعلنت استعدادها للمساهمة المالية والتقنية أنها فرصة لإعادة رصف علاقاتها الدولية ووقف تمزق المنطقة اقتصاديًا وسياسيًا، وفى الوقت نفسه أبدت حرصها على ألا تفتقر الخطة إلى ضمانات سياسية حقيقية تفضى إلى إقامة دولة فلسطينية قابلة للحياة. 

وأكد مركزتشاتهام هاوس، أن الدول العربية تنظر إلى هذه الخطة على أنها فرصة لتخفيف العبء الإنسانى وإعادة دمج قطاع غزة اقتصاديًا مع المنطقة، لكنها تخشى أن تكون الإدارة مؤقتة فقط وبلا أفق سياسى حقيقى.

توتر متصاعد

رغم الترحيب الرسمى الذى أبدته إسرائيل بقرار مجلس الأمن الأخير المتعلق بغزة، فإن المشهد الداخلى يعكس انقسامًا عميقًا وتوترًا متصاعدًا. فقد أكد رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو رفضه التام لفكرة إقامة دولة فلسطينية قائلًا : «معارضتنا لدولة فلسطينية على أى أرض لم تتغير»، ما يعكس مدى التوتر الداخلى حول بنود الخطة التى تشير إلى دولة فلسطينية مستقبلية.

ويرى محللون أن نتنياهو يتعامل مع الخطة الأممية كورقة تكتيكية مزدوجة: فمن جهة يمنحه دعم الخطة يمنحه مكاسب دبلوماسية وشرعية دولية طال انتظارها، ومن جهة أخرى يعرضه لمخاطر داخلية من جانب حلفائه فى اليمين المتشدد.

فرص ومخاطر

بحسب تحليلات مراكز الفكر مثل تشاتهام هاوس ومراكز دولية أخرى، هناك مجموعة من الفرص والتهديدات للخطة:

 إعادة إعمار غزة: إن تأسيس مجلس سلام دولى وقوة استقرار يمكن أن يوفر بيئة آمنة لإعادة البناء، مع مراقبة دولية، ما قد يمكن من مد البنية التحتية التى دمرت بالكامل.

 آفاق سياسية: الإشارة إلى دولة فلسطينية مستقبلية، حتى وإن مشروطة، تفتح أفقًا سياسيًا يمكن البناء عليه لاحقًا، إذا نجح الإصلاح داخل السلطة.

 دور دولى: مشاركة دول متعددة فى القوة الدولية تمنح شرعية أكبر للخطة وتخفف من انحصار النفوذ بيد الولايات المتحدة فقط.

 أمل للفلسطينيين: كما يقول ستيفن فاريل من تشاتهام هاوس: «من أجل نجاح خطة ترمب، يجب أن يشعر الفلسطينيون بأن لديهم مستقبلًا سياسيًا وحياة أفضل».

عوائق وتحذيرات

 أما بالنسبة للعراقيل والعوائق والتحذيرات فتبرز عدة نقاط أهمها:

 شرعية محلية ضعيفة: خبراء تشاتهام هاوس يحذرون من أن الكثير من مسئولى غزة المحليين مرتبطون بحماس، و«ليس من الممكن ببساطة إقصاؤهم دون عواقب». 

 إدارة القوة الدولية: التحدى سيكون كيف يتم مراقبة القوة وتوجيهها، وما إذا كانت ستستخدم لفرض الأمن بالقوة أو لدعم مؤسسات مدنية بطريقة متوازنة.

 تبعات سياسية: إذا فشلت المرحلة الانتقالية أو شعرت فصائل فلسطينية بأنها مستبعدة من المشهد، قد يعود العنف أو يتم استنئاف المقاومة، مما يهدد استقرار الخطة.

 غياب التزام طويل الأمد: بعض المحللين يرون أن الخطة تعتمد على دعم دولى قد لا يكون دائمًا، خصوصًا إذا تغيرت أولويات الدول المساهمة بمرور الوقت.

فى هذا السياق، فإن دور القوى الدولية والإقليمية حاسم جدًا فى تحديد نجاح أو فشل الخطة:

 الدول المساهمة فى القوة الدولية: لم تتضح بعد كل الدول التى سترسل قوات، لكن من المتوقع أن يكون هناك مشاركة من دول إسلامية وإقليمية معروفة. هذا التوزيع مهم جدًا ليكون التواجد مقبولًا محليًا.

 التمويل الدولى: إعادة الإعمار تتطلب موارد مالية ضخمة؛ مصر تحديدًا بالتعاون مع دول الخليج سيكونون مفتاحًا فى تعبئة الدعم، إلى جانب مؤسسات مثل الأمم المتحدة والبنك الدولى.

 الرقابة الدولية: يجب أن يكون هناك آليات واضحة لمراقبة أعمال القوة الدولية ومجلس السلام، لمنع أى استغلال أو تحوير لصلاحياتهم لصالح جهة واحدة.

 الدور الروسى والصينى: برغم الامتناع، استمرار موسكو وبكين فى متابعة الوضع بدقة يمنحهما موقفًا رقابيًا؛ إذا تم التنفيذ بنجاح جزئى أو كلى، يمكن أن يطالبا بدور أكبر أو صيغة شراكة، وإذا فشل فسيبرزان كمنتقدين شرعيين.

سيناريوهات مستقبلية

بمقتضى ما سبق، يمكن تصور عدة سيناريوهات محتملة:

سيناريو النجاح المؤقت: تنشر القوة الدولية، وتعمل على نزع السلاح تدريجيًا، وتبدأ إعادة الإعمار، لكن السلطة الفلسطينية تبقى ضعيفة، لكن يحدث تقدم محدود فى الإصلاح.

 سيناريو الوصاية الطويلة: القوة الدولية تظل لفترة أطول من المتوقع، ومجلس السلام يمارس سلطة ذات سيطرة كبيرة، لكن السيادة الفلسطينية الحقيقية تبقى مقيدة، مما يثير انتقادات دولية وفلسطينية. وفى النهاية فإن تصويت مجلس الأمن لتأييد الخطة الأمريكية ليس فقط لحظة رمزية، بل بداية مرحلة مهمة لمستقبل غزة. من جهة، فهناك أمل بأن تؤدى المرحلة الثانية من الخطة إلى تعزيز المؤسسات المدنية الفلسطينية، وبناء دولة فلسطينية تدريجيا. 

 وفى الجانب الآخر، هناك مخاطر حقيقية أن تكون الخطة بابًا لوصاية دولية أو مشروع إدارة مؤقتة طويل الأمد دون إعادة سيادة حقيقية.