بعد 5 سنوات من التوقف
«تراثنا يجمعنا» يعود بحكايات الصمود الفلسطينى فى قلب القاهرة
ياسمين علاء
على أنغام الدبكة الفلسطينية ورائحة الزعتر والخبز البلدى التى ملأت المكان، افتتحت «رابطة المرأة الفلسطينية» فى مصر بازارها السنوى «تراثنا يجمعنا»، لتعيد إحياء الذاكرة الفلسطينية عبر المطرزات والمنتجات اليدوية التى تحكى قصص الصمود والهوية فى وجه الغياب. أُقيم البازار، الذى يُعد أحد أبرز الفعاليات الفلسطينية فى القاهرة، يوم السبت الموافق الثامن من نوفمبر فى قاعة الماسة بنادى الزراعيين بالدقى، وسط حضور رسمى وشعبى واسع.
وتُنظم جمعية «رابطة المرأة الفلسطينية»، المشهرة رسميًا لدى وزارة التضامن الاجتماعى فى مصر، هذا البازار الفلسطينى سنويًا منذ عام 2005، بهدف ترسيخ الهوية الفلسطينية وتعريف الأجيال الجديدة بتراث بلادهم، لا سيما أولئك الذين وُلدوا بعد نكبة 1948 ونكسة 1967 ولم يروا فلسطين من قبل. وقد تأسست الجمعية فى ستينيات القرن الماضى، وتواصل جهودها فى الحفاظ على الذاكرة الوطنية من خلال تعليم الأجيال الشابة كل ما يتعلق بالفنون والحرف الفلسطينية الأصيلة.

حدث سنوى فلسطينى فى قلب القاهرة
فى كلمتها الافتتاحية، عبّرت آمال الأغا عن فخرها باستمرار هذا الحدث السنوى الذى بات تقليدًا فلسطينيًا راسخًا فى القاهرة، مؤكدة أن تنظيم بازار «تراثنا يجمعنا» يأتى فى إطار حرص الجمعية على دعم المرأة المنتجة وتمكينها اقتصاديًا، من خلال إتاحة منصة تتيح لهن عرض منتجاتهن أمام الجمهور وتعريفه بإبداعاتهن. وأضافت الأغا أن البازار يشّكل مساحة للتلاقى بين الثقافات العربية فى أجواء يسودها التآلف والمحبة، ويُعبّر عن روح التضامن العربى التى تجمع الشعوب على أرض مصر.
العودة بعد توقف دام 5 سنوات
ومن جانبها، قالت نجوى أقطيفان، مسئولة الإعلام فى جمعية رابطة المرأة الفلسطينية والاتحاد العام للمرأة الفلسطينية، إنّ نسخة هذا العام من بازار «تراثنا يجمعنا» جاءت مختلفة ومميزة بمشاركة نحو خمسين عارضًا وعارضة من فلسطين ومصر والسودان، قدّموا منتجات تراثية يدوية وأزياء مطرزة وأعمالًا فنية ومأكولات شعبية تعبّر عن غنى الهوية الثقافية العربية وتنوّعها. وأوضحت أن هذه المشاركة المتعددة الجنسيات أعادت الأجواء المميزة للفعاليات السابقة التى توقفت منذ عام 2019 بسبب جائحة كورونا والحرب، مؤكدة أن البازار هذا العام مثّل عودة قوية تعكس روح التعاون والتكامل بين الشعوب العربية.
وأضافت أقطيفان أن فعالية «تراثنا يجمعنا» ليست حدثًا فلسطينيًا خالصًا، بل مساحة تفاعلية تجمع بين ثقافات متعددة، وتهدف إلى دعم المرأة وتمكينها اقتصاديًا من خلال عرض منتجات متنوعة تعكس الهوية الفلسطينية والعربية فى آنٍ واحد، مشيرة إلى أن الحدث أصبح منصة سنوية للقاء الحرفيين العرب وتبادل الخبرات وإبراز الإبداع النسائى فى مختلف المجالات.

ويتميز المعرض هذا العام بتنوع المعروضات بين الإكسسوارات والمطرزات الفلسطينية والمأكولات التقليدية والزيوت والتوابل التراثية، إلى جانب منتجات الجالية السودانية التى أضفت طابعًا عربيًا ثريًا من خلال البخور والحناء ومستحضرات التجميل والمشغولات اليدوية ذات اللمسة السودانية الأصيلة. وقد شملت المعروضات مطرزات متنوعة من أثواب وشيلان وحقائب وقطع خشبية مزخرفة، استلهمت تصاميمها من رموز فلسطينية مثل «شجرة الحياة» و«نقشة الكرم».
الحفاظ على التراث الوطنى
فيما قالت نادية الأغا، مسئولة لجنة التراث فى رابطة المرأة الفلسطينية، إن مشاركة اللجنة فى بازار «تراثنا يجمعنا» تهدف إلى إبراز دور المرأة الفلسطينية فى صون التراث الوطنى عبر الفنون اليدوية الأصيلة. وأكدت أن كل غرزة تحكى حكاية صمود وانتماء، مشيرة إلى أن التطريز بالنسبة للمرأة الفلسطينية هو ذاكرة وطنية نابضة وليست مجرد حرفة، إذ شاركت ثمانى نساء من لجنة التراث بأعمال تجسد أصالة الهوية الفلسطينية وجمالها.
مشاركة مصرية
وفى زاوية أخرى من المعرض، لفتت المشاركة المصرية ناريمان رشدى، مصممة الحلى، الأنظار بمجوهراتها اليدوية التى جمعت بين الروح الفرعونية واللمسة الفلسطينية. وقالت إنها تشارك للمرة الأولى فى هذا الحدث الفلسطينى، مؤكدة أن البازار يُعد فرصة لتبادل ثقافات الحرف اليدوية والتعرف على الذوق العام للزوار وتعزيز فرص التسويق.
مشاركة سودانية
ولم تقتصر المشاركة على فلسطين ومصر فحسب، بل امتدت لتشمل الجالية السودانية التى حضرت بقوة من خلال مشروع «مسار إيجابى» التابع للجمعية المصرية للتنمية الشاملة والممول من هيئة إنقاذ الطفولة الدولية – مكتب مصر. وقالت شيماء إمام، مديرة المشروع، إن هذه المشاركة تمثل خطوة جديدة ومميزة جمعت للمرة الأولى بين اللاجئات الفلسطينيات والسودانيات فى فعالية واحدة، ما يعكس روح التعاون والدعم المتبادل بين الفئتين فى مصر.
واختُتمت فعالية «تراثنا يجمعنا» وسط أجواء احتفالية وتفاعل واسع من الزوار الذين أبدوا إعجابهم بالمشغولات اليدوية الفلسطينية وما تحمله من رموز تعبّر عن الأصالة والتمسك بالهوية الوطنية. وبين ألوان المطرزات وأصوات الأغانى الشعبية الفلسطينية، شعر الزوار أنهم يسيرون بين أروقة وطنٍ مصغّرٍ فى قلب القاهرة، حيث التقت الحكاية الفلسطينية بالمحبة المصرية والسودانية فى لوحة إنسانية واحدة تعيد إلى الأذهان أن التراث لا يموت، بل يتجدد فى كل جيل يصرّ على حمل ذاكرته معه أينما حلّ.











