
محمد نوار
كتب ممنوعة (3) .. نقد كتاب.. الإسلام وأصول الحكم!
فى كتاب «الإسلام وأصول الحكم»، يرى مؤلفه الشيخ على عبدالرازق بأنه: «ليس فى كتاب الله دليل واحد على فرض إقامة الإمام أو الخليفة، فالقرآن لا يذكر الخلافة ولا يتعرض لها. أما الآية (أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِى الْأَمْرِ مِنْكُمْ) النساء 59، فلا تعنى فرض أولى الأمر، فالقرآن يوصى بإكرام الفقراء ولا يعنى هذا فرض الفقر أو شرعيته».
الشيخ على عبدالرازق ينكر فرض إقامة الإمام أو الخليفة، فى المقابل فإن الفكر الدينى يلزم الناس بطاعة أولى الأمر باعتبار طاعتهم من طاعة الله والرسول.
ويرى البعض أن طاعة ولى الأمر واجبة وإن كان مستبدًا فى استدلال غير صحيح لقوله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِى الْأَمْرِ مِنْكُمْ فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِى شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ) النساء 59، لأن الله لا يأمر بطاعة الظالمين: (وَلَا تَرْكَنُوا إِلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا فَتَمَسَّكُمُ النَّارُ) هود 113، فطاعة أولى الأمر تكون فيما لا يتعارض مع أوامره تعالى ونواهيه.
ونتيجة لذلك تم فهم الحرية بأنها ضد العبودية وليس أن الناس أحرارًا فى العقيدة والفكر، وفهم العدل أنه يعنى عدل القضاء وليس عدل الحاكم، ولذلك صارت الحرية والعدل قيمتان لا وجود لهما عمليًا فى واقع ووعى الناس وفى الثقافة العربية الإسلامية.
وفى الآية تكرار كلمة (أَطِيعُوا)، ولم تأت بطاعة واحدة «وأطيعوا الله والرسول»، ولكن جاءت بطاعة لله، وطاعة للرسول، مما يعنى أنه إذا حدث تنازع بين المؤمنين وبين أولى الأمر فى حياة النبى عليه الصلاة والسلام فهو الحاكم بينهم بكتاب الله، ومن بعده يكون الحكم لله تعالى باتباع القرآن الكريم.
كما أن عبارة (وَأُولِى الْأَمْرِ مِنْكُمْ)، تعنى أن أولى الأمر مثلكم فى طاعة الله ورسوله، ولم يقل تعالى: «وأولى الأمر عليكم»، ولكنه تعالى قال: (مِنْكُمْ)، أى من الذين تختارونهم منكم لتولى أمور الحياة من حكم وقضاء.
ولم يذكر تعالى مصطلح ولى الأمر بصيغة المفرد حتى لا يعنى الحاكم وحده، وبالتالى فإن أولى الأمر هم أصحاب التخصص فى أمور الحياة المختلفة ومنهم من سيقومون بإدارة حكم البلاد، ولأن الله تعالى لم يأمر بطاعة أولى الأمر طاعة مطلقة فقد أمر بالشورى: (وَشَاوِرْهُمْ فِى الْأَمْر) آل عمران 159، مما يتطلب التشاور وإظهار الآراء المختلفة والأخذ برأى الأغلبية.
وفى قوله تعالى: (وَإِذَا جَاءَهُمْ أَمْرٌ مِنَ الْأَمْنِ أَوِ الْخَوْفِ أَذَاعُوا بِهِ وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَى أُولِى الْأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ) النساء 83، وقد تكررت كلمة (مِنْهُمْ) للتأكيد على أن أولى الأمر هم من الناس، ومنهم أصحاب العلم القادرين على التفكير والبحث فى أمور الحياة بما ينفع الناس.
ولذلك فالخطاب السياسى والتشريعى فى القرآن لا يتوجه إلى حاكم، وإنما يتوجه إلى الأمة التي تحكم حسب ما يسمى الآن بالديمقراطية المباشرة.
ويأتى الخطاب القرآنى موجهًا للمجتمع فى الدولة الإسلامية عندما يكون التشريع عامًا: (وَأَعِدّواْ لَهُمْ مّا اسْتَطَعْتُمْ مّن قُوّةٍ) الأنفال 60، وقوله تعالى: (يَأَيّهَا الّذِينَ آمَنُواْ كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِصَاصُ) البقرة 178.
ولأنه ليس فى الدولة الإسلامية سيطرة للحاكم وحده، ولأن المسلمين كانوا يحكمون أنفسهم بأنفسهم بالشورى، فإن النبى عليه الصلاة والسلام لم يرشح بعده حاكمًا بل ترك الأمة تختار حاكمها بنفسها.
لقد تطور الجانب التنفيذى للشورى حتى وصل إلى مفهوم الدولة المدنية الديمقراطية، فالشورى قيمة إنسانية مهمة لإدارة شؤون الحكم، والديمقراطية هى طريقة من طرق تنفيذ الشورى. فالديمقراطية ترسى مبادئ حرية الرأى والرأى الآخر، المحاسبة والمساءلة، تداول السلطة، فصل السلطات وتحديد صلاحيات كل منها، واختيار الأشخاص فى مناصب الدولة حسب الكفاءة والأمانة، وهذه المبادئ لا تكون إلا فى الدولة المدنية التي تقوم على مبدأ المواطنة.
والدولة المدنية ليست ضد الدين، ولكنها دولة تمثل مواطنيها بكل ثقافاتهم، ولذلك فالخوف ليس من الديمقراطية بل من الاستبداد، فقد يكون النظام المستبد ملحدًا مثلما حدث فى الاتحاد السوفيتى سابقا،ً وقد يكون متدينًا مثلما حدث فى أفغانستان، ولكن ليس فى أى منهما ديمقراطية.
وقد تكون الدولة دينية كما فى أفغانستان وفى إيران، وهما تخالفان مفاهيم القرآن الكريم ومواثيق حقوق الإنسان فى الالتزام بالحرية والعدل والمساواة.
لقد خلط على عبدالرازق بين الدولة الملكية الوراثية التي ظهرت مع الدولة الأموية، وبين دولة الإسلام التي أسسها النبى عليه الصلاة والسلام، والتي تجمع بين مفاهيم القرآن والقيم الإنسانية والدولة الدستورية القائمة على وثيقة المدينة.
لذلك فإن القيم الإنسانية مثل الحرية والعدل والمساواة من المبادئ المهمة لبناء دولة مدنية، وقد أمر تعالى بمكارم الأخلاق الموجودة فى فطرة الناس، وتتحقق فى قيم الإسلام والأخلاق، والتي لا يمكن لمجتمع إنسانى أن يعيش بدونها.