رحيل ملك الأناقة البسيطة
«أرمانى» مشروع طبيب تحول إلى أيقونة الموضة
آلاء شوقى
رمز الأناقة الإيطالية وأحد أعمدة صناعة الموضة العالمية.. إنه «جورجيو أرمانى» الذى أعاد تعريف مفهوم الأناقة العصرية عبر تصاميم خالدة جمعت بين البساطة الشديدة والترف الهادئ. كانت هذه هى المعادلة صاغ المصمم العالمى من خلالها فلسفته فى عالم الموضة فصار مصمم العامة ومصمم الملكات فى الوقت نفسه. وفى الرابع من سبتمبر الجارى، أُسدل الستار على فصل كامل من تاريخ الأناقة، حيث توفى «أرمانى» فى منزله الخاص فى «ميلانو»، بهدوء يشبه شخصيته، وعظمة تحاكى مسيرته.
رحل «أرمانى»، وترك فلسفة خالدة، وأسلوب حياة متكامل، مكون من: الجمال النقى، والهدوء المتقن، والتصميم الذى يتحدث بصمت.
الطب.. الحلم الأول الذى مهد للثانى
ولد «جورجيو أرمانى» فى يوليو 1934 فى مدينة «بياشنزا» بشمال «إيطاليا».. وعاصر الحرب العالمية الثانية حيث كانت نشأته مليئة بالحرمان، إلا أنها غذت فيه حسًا دقيقًا بالتفاصيل، وتعلم فيها أهمية فلسفته (القليل يعنى الكثير).
وقبل تحقيق أحلامه فى عالم الموضة والشهرة، بدأ «أرمانى» دراسته الجامعية فى كلية الطب بجامعة «ميلانو»، بدافع من حب والدته التى رأت فيه طبيبًا ناجحًا. ولكن فى نهاية عامه الثالث بالجامعة، أدرك أن الطب ليس مجاله أو شغفه؛ فترك الجامعة، وبدأ حياة مهنية مختلفة تمامًا، لم تكن فى مخططه، وهى عالم الموضة والأزياء.
فقال «أرمانى» فى أكثر من حوار، إن: «دراستى للطب علمتنى الدقة، علمتنى فهم الجسد، والتوازن بين الجمال والوظيفة.. فالأزياء ليست مجرد فن، إنها علم الحركة، والراحة، والانطباع».
ففى رحلة تحول استثنائية، خرج «أرمانى» من فصول الطب إلى قاعات العرض، ثم من واجهات المتاجر إلى قلب عاصمة الموضة؛ ليؤسس علامة ليست للأناقة فحسب، بل للحياة نفسها؛ حياة تعبر عن رؤيته الخاصة الكامنة فى (البساطة العظيمة).
التحول المهنى المبكر
حينما بدأ «أرمانى» يعمل فى متجر «لا ريناسينتى»، تعرف على خيوط الأقمشة، وأنماط البيع، والتفاعل مع العملاء، وما يرغب فيه الرجال والنساء على حد سواء.. وسرعان ما أصبح اسمه متداولًا فى أوساط التصميم.
وفى عام 1965، عُين كمصمم أزياء رجالى لدى دار (Nino Cerruti)، وهناك أثبت نفسه كمبتكر لا يخشى كسر القواعد. فكان يقلل من خطوط السترات، ويزيل البطانة، ويحول البذلة من زى رسمى صارم، إلى قطعة تعكس الشخصية والراحة. فكان يقول: «لا أريد أن يرتدى الناس أزيائى ليشعروا بالفخامة، بل ليشعروا بأنفسهم».
وكان عام 1975 نقطة تحول جوهرية فى حياة «أرمانى»، حيث أسس شركته الخاصة (Giorgio Armani S.p.A). وكان رأس مال الشركة هو عائد بيع سيارته، بتمويل تأسيسى قدره ١٠ آلاف دولار أمريكى، مع شريكه الراحل «سيرجيو جاليونى»، الذى يُعتبر أحد أكثر الشخصيات تأثيرًا فى مسيرته.
واعتبرت أول ضجة إعلامية حقيقية لأرمانى تلك التى حدثت فى عام 1980، عندما صمم أزياء الممثل «ريتشارد جير» فى فيلم (American Gigolo)، مما جعل أسلوبه المتكامل، من السترة الخفيفة دون بطانة إلى القماش الفاخر، ثورةً فى عالم الأناقة.
من امتلاك الإبرة إلى إمبراطورية الأزياء
لم يكن «أرمانى» مصمم أزياء فحسب، بل كان فلسفة (Less is more) أو (القليل يعنى الكثير)، التى كانت مضادة لتيارات الموضة السائدة فى السبعينيات والثمانينيات، والتى كانت تعتمد على التكديس البصرى والألوان الفاقعة. فى المقابل، قدم «أرمانى» الألوان الرمادية والبيج، والخطوط البسيطة.
أطلق «أرمانى» العديد من خطوط الأزياء ليخاطب من خلالها أذواق محتلفة بفلسفته البسيطة منها خطوط للأزياء الراقية وأخرى للشباب ولم ينس الطبقة المتوسطة الباحثة عن التميز فأطلق خط أزياء يخاطب إمكاناتهم وذوقهم.
هوليوود ترتدى تصميمات أرمانى
يفضل الكثير من النجوم ارتداء تصميمات «أرمانى» التى تظهر بانتظام على السجادة الحمراء، بدءًا من بدلة «جوليا روبرتس» فى حفل جوائز (جولدن جلوب) عام ١٩٩٠، وغيرها مثل «كيت بلانشيت، وليوناردو دى كابريو» وغيرهم؛ وصولًا إلى فستان «ليدى جاجا» الأسود الطويل فى حفل جوائز (جرامى) عام ٢٠١٨.. كما صمم «أرمانى» أزياء أكثر من ٢٠٠ فيلم.
وحتى وفاته، ظل «أرمانى» المدير الإبداعى، والرئيس التنفيذى، والمساهم الوحيد فى شركته، التى حققت إيرادات بلغت 2.3 مليار يورو، أى ما يقدر بنحو 2.7 مليار دولار العام الماضى، وفقًا لوكالة «رويترز».
العائلة.. الكواليس الخفية لـ«أرمانى»
رغم أن المصمم الراحل لم يتزوج أبدًا، فإن «أرمانى» لم يكن وحيدًا.. فكانت شقيقته «روزانا» هى العمود الفقرى لحياته العائلية والمهنية؛ ولاحقًا انضم أولادها «روبرتا، وسيلفانا، وأندريا» إلى الشركة، إضافة إلى مديره الموثوق «ليو ديلوركو» الذى رافقه منذ عام 1977.
ولم يكن لأرمانى أبناء، لذا فإن رحيله يثير التساؤلات حول من سيتولى زمام الأمور فى شركته. ومع ذلك، أفادت الصحف الغربية بأن تفاصيل خطة خلافته تكاد تكون معروفة للعامة؛ مرجحين أن يتولى «بانتاليو ديل أوركو»، مساعده الأيمن ورئيس قسم تصميم الأزياء الرجالية، دورًا رئيسيًا، إلى جانب أفراد من عائلة.
رحيل يليق بملك
ودع الآلاف «جورجيو أرمانى» فى جنازة أقيمت فى ميلانو، وحضرها رؤساء دور الأزياء الكبرى، وسياسيون، ونجوم هوليوود، ومحبوه من جميع أنحاء العالم.. حيث وُضع جثمانه فى قاعة العرض الخاصة بعروض «أرمانى»، بين التصاميم التى لطالما أحبها، وسط ورود بيضاء، وضوء خافت، وأناقة حقيقية فى الوداع.. حيث عنوان صحف العالم الجنازة بـ«وداعًا لرجل صنع الجمال بلا ضوضاء».







