فنون تروى حكايات الحروب
آلاء البدرى
فى خضم الحروب التى لا تزال تغلى شرقًا وغربًا، يجد الفن لنفسه دائمًا مساحة وسط الدماء والدمار.. فيحاول أن يحول الألم إلى شهادة وتوثيق للمعاناة وصدى لأصوات مقهورة تبحث عن الأمل والنجاة. وقد أقيمت مؤخرًا العديد من المعارض الفنية التى تعد بمثابة نافذةً للخلاص ومتنفسًا لتوثيق المعاناة والحياة بين ركام القصف. فبالرغم من ظروف الحياة فى خيام والإبادة والمجاعة والنزوح القسرى، أصر الفنانون على إقامة معارض مختلفة متنقلة وعلى المقاهى وعلى أرصفة الشوارع وتحويل الألم إلى لوحات وأعمال فنية مميزة تنبض بالأمل. ونحاول فى السطور القادمة رصد بعض المعارض التى وثقت معاناة كل من ذاق مرارة الحرب من الأطفال والنساء إلى ذوى الهمم.
«بوزة بند» طهران
أقيم معرض «بوزة بند» الفنى الجماعى للرسوم الكاريكاتيرية فى صالة مكتب الفنون بالعاصمة الإيرانية «طهران» وهو ما اعتبره الشعب الإيرانى بمثابة تحية فنية لصمود ومقاومة الأمة الإيرانية فى مواجهة التهديدات والاستفزازات الخارجية.
وقد اختار الشاعر «ناصر فايز» عنوان المعرض «بوزة بند» وتعنى الكمامة الخاصة بالكلاب لتسليط الضوء على أهمية الفكاهة والسخرية كأدوات لتحدى الروايات الكاذبة التى ينشرها الأعداء والسخرية منها.
ويضم الحدث 82 عملاً مؤثرًا لبعض أبرز الفنانين الساخرين فى «إيران» من بينهم «سيد مسعود شجاعى طباطبائى وحسين يوزباشى ومحمد حسين نيرومند وسيد محمد جواد طاهرى ورضا حميدى» وغيرهم. وقد تناولت أعمالهم موضوعات متنوعة تتعلق بمقاومة الضغوط الخارجية والتصدى للدعاية وإبراز روح الشعب الإيرانى الصلبة.
كما تعكس موضوعات الوطنية والمقاومة والتحدى وتعتبر العديد من هذه الأعمال الفنية هى ردود أفعال تجمع بين الفكاهة والنقد اللاذع مما يقوض الدعاية الكاذبة والمعلومات المضللة.
وقد استخدم الفنانون لغة السخرية لتفكيك الخطاب السياسى.
وأكد الفنانون المشاركون فى الحدث أن فن الرسوم الكاريكاتيرية هو أكثر وسيلة مباشرة ومؤثرة قادرة على إيصال رسائل عميقة بروح الدعابة والوضوح موضحين أن الكاريكاتير أصبح اليوم لغة عالمية سهلة الفهم وقادرة على تجاوز الحدود.
وقد نجح الحدث فى جذب الآلاف حيث حضر حفل الافتتاح عدد كبير من المسئولين الإيرانيين والفنانين والشخصيات العامة والمؤثرين على شبكات التواصل الاجتماعى. وأكد القائمون على الحدث أنه سيتم نشر كل أعمال المعرض من خلال الرسوم المتحركة والإعلانات الترويجية عبر وسائل الإعلام المختلفة بثلاث لغات هى الفارسية والإنجليزية والعربية.
وعقب انتهاء فترة العرض أعلن المنظمون عن خطط مستقبلية لعرضها على نطاق أوسع لضمان وصول هذه الرسائل إلى العالم أجمع.
«الأصدقاء» فنون ذوى الهمم
أما فى «أوكرانيا» فلا تزال الحرب تلحق الضرر بالفئات الأكثر ضعفًا بمن فيهم الأشخاص ذوى الهمم الذين أعلنوا مقاومتهم للغزو الروسى على طريقتهم الخاصة من خلال معرض حمل عنوان «الأصدقاء». وضم المعرض لوحات تجسد مأساة الحرب من خلال عيون ذوى الهمم بعد أن أجبرت الحرب العديد منهم على الفرار من منازلهم وتعرضوا للخطر وواجهوا تحديات كبيرة بعد أن أدت عقبات الإجلاء ونقص الملاجئ المتاحة وانقطاع الخدمات الأساسية إلى تعريض الكثيرين منهم لمواقف تهدد حياتهم.
ومن جانبها، ساهمت حركة الأصدقاء فى مدينة «إيفانو فرانكيفسك» فى المعرض بشكل أساسى حيث خصصت لهم منزلين بالمدينة وحولتهما إلى ورشة عمل فنية حضرها فنانون من ذوى الهمم بعضهم يقيم فى مؤسسات وآخرون مع عائلاتهم سواء كانوا من أبناء المدينة أو نازحون.
كما وفرت الحركة للفنانين الأوكرانيين من ذوى الهمم الأدوات حتى يتمكنوا من إنهاء أعمالهم الفنية أتاح معرض الأصدقاء تجربة مختلفة للكثير من الشباب الأوكرانيين لكسر الصورة النمطية عن ذوى الهمم والتأكيد على أنهم أشخاص فاعلون ومؤثرون ومساهمون فى المجتمع. وقام المعرض بجمع تبرعات للمدارس الصيفية للأطفال من ضحايا الحرب الذين حُرموا من الحقوق الأساسية وعانوا من ويلات النزوح.
معرض «نساء فى الحرب»
أقيم المعرض فى متحف «داكوتا الشمالية» فى الولايات المتحدة للفنون هو تجربة فنية متنقلة سلطت الضوء على قوة التعبير النسائى فى مواجهة الصراعات والحروب بل يعد واحدًا من أبرز المعارض التى وثقت الحرب الروسية على أوكرانيا من منظور نسائى فريد.ضم الحدث أعمال إحدى عشرة فنانة أوكرانية معظمهن عشن تجربة الحرب بشكل مباشر ووثقنها فى لوحاتهن.
من بين تلك الفنانات، الفنانة «أولينا هورباتش» التى عرضت سلسلة لوحات بعنوان «أمومة تحت القصف» تظهر لحظات الولادة الحرجة فى ملاجئ الحرب والفنانة «كاترينا زيمليانا» التى قدمت أعمالًا فوتوغرافية توثق النساء فى الخطوط الأمامية من طبيبات ومراسلات إلى الضابطات.،بينما استخدمت الفنانة «ليوبا كوفال» مواد من أنقاض منزلها المدمر لصنع منحوتة بعنوان «ذاكرة لا تدفن».
وتنوعت الأعمال الفنية فى المعرض بين الرسم والتصوير الفوتوغرافى والفن التركيبى، فضلًا عن أعمال فنية أخرى أكثر حميمية صنعت من ملاءات للأسرة عليها ملاحظات مكتوبة بخط اليد غالبًا اضطرته الحرب إلى مغادرة استوديوهاتهم وإنتاج أعمال فنية مما هو متاح بين أيديهم. هذه الأعمال تحديدًا جسدت أهوال الحرب بكل جوانبها بما فى ذلك النزوح وتشتيت العائلات والاعتداءات الجنسية من قبل الجنود الغزاة إلى جانب تدمير الهوية والتهجير وبالطبع الأمومة فى زمن الحرب وما تعنيه من فقدان الأبناء والأحبة.
لم يكتف المعرض بتوثيق الحرب بل أبرز كيف تتحول النساء من ضحايا إلى رواه ومن مهمشات إلى صانعات للذاكرة. ويهدف المعرض، الذى أفتُتح فى مارس الماضى وسيجوب عدة مدن أمريكية حتى نهاية العام الجارى، إلى تعزيز التضامن العالمى مع النساء الأوكرانيات.
معرض أطفال غزة المتنقل
معرض الأطفال المتنقل الذى خرج من رحم مخيم (دير البلح) فى وسط (غزة)، انطلق فى جولة أوروبية وعالمية. ولا يمكن اعتبارمعرض أطفال غزة مجرد مساحة فنية للأطفال بل هو رسالة موجهة إلى العالم بأن أطفال غزة لا يزالون يحلمون بالحياة رغم كل شيء.
بدأت الفكرة بتجميع الشاب الفلسطينى «محمد تمراز» لأعمال اطفال غزة الذين وثقوا معاناة الحرب والعدوان الإسرائيلى الغاشم فى لوحاتهم البسيطة وإرسالها إلى صديقته الأيرلندية «فيلى بتلر» التى تبنت إقامة معرض أطفال غزة المتنقل وأصرت على إيصال صرخات الأطفال إلى كل الدول حتى يتمكن العالم من رؤية تجربتهم فى العيش وسط الإبادة الجماعية بشكل مباشر. تتراوح أعمار الأطفال المشاركين فى الحدث من ثلاث سنوات إلى 17 عامًا. وقد تنوعت أعمالهم الفنية بين موضوعات الصدمة والنزوح والأمل والصداقة والمقاومة والتحدى وتعد لوحة الطفلة الشهيدة «ريما مصباح تمراز» البالغة من العمر تسع سنوات هى أشهر لقطات المعرض التى قتلت فى هجوم غاشم هى وشقيقها «محمد» البالغ من العمر 13عامًا بعد انتقالهم إلى المخيم وأسفر الهجوم عن مقتل 28 شخصًا بينهم والدتهم ووالدهم وشقيق آخر.
يعتبر المعرض المتنقل هو جزء من معرض «قلب غزة» المتاح أيضًا على منصة انستجرام والذى أسهم إلى إقامة 55 معرضًا إضافيًا فى العديد من دول العالم ومنها «فرنسا وألمانيا».
معرض فى المقهى
رغم أن هناك الكثير من المعارض الفنية التى وثقت الحرب والمعاناة الإنسانية فى غزة التى أقيمت فى الدول العربية والأوروبية وبعض الجامعات الأمريكية لا يزال معرض العنقاء الذى أقيم داخل قطاع غزة هو الحدث الأهم فهو ليس مجرد حدث فنى بل هو شهادة حية على قدرة الإبداع على النهوض من قلب الإبادة والدمار استلهم القائمون على المعرض اسم العنقاء من الطائر الأسطورى الذى يبعث من الرماد ليجسد رمزية الفنانين والفنانات الذين فقدوا منازلهم ومراسمهم ولوحاتهم وفنونهم خلال العدوان الإسرائيلى المستمر شارك فى المعرض 25 فنانًا وفنانة معظمهم من النساء من بينهم الفنانة هيفاء أبو جراد وبسمة الجراح ونصر الله البسوس وأنتجوا 55 لوحة باستخدام خامات بديلة مثل الفحم والخشب والباستيل والزجاج المحطم عبرت لوحاتهم عن جرائم الإبادة وأزمة التهجير ومعاناة نقص المساعدات الإنسانية واغتيال الطفولة أقيم المعرض غير التقليدى فى مقهى صغير بالقطاع بتنظيم من وزارة الثقافة الفلسطينية والصندوق الثقافى الفلسطينى الذين ساهموا فى توفير أدوات وخامات للفنانين ونظموا ورش عمل ولقاءات فنية مع فنانين من داخل غزة وخارجها.







