من وحيد القرن إلى مصاصى الدماء
الأحزاب الساخرة تتحدى جمود السياسة

آلاء البدرى
فى عالم السياسة الجاد والمعقد قد يبدو اسم الحزب السياسى أول مؤشر على توجهاته أو خلفياته الفكرية، لكن بعض الأحزاب فى دول مختلفة حول العالم خرجت عن هذ الإطار واختارت لنفسها أسماء هزلية وغريبة يثير بعضها الدهشة بينما يثير البعض الآخر الضحك أحيانًا.لكن اختيار الأسماء هنا يكون بهدف الاعتراض على النخب والشعارات الرسمية المتكررة، حيث ربطت هذه الأحزاب الفكاهة بالاحتجاج واستخدمت السخرية لتفكيك الخطاب السياسى وكشف تناقضاته وتسليط الضوء على الفساد والبيروقراطية والوعود الزائفة.
حزب الكلب ذى الذيلين.. يعد بغروب الشمس مرتين يوميًا
ظهر هذا الحزب فى «المجر» عام 2006، لكنه لم يسجل رسميًا كحزب سياسى إلا فى 2014 ليصبح رمزًا للسخرية السياسية والاحتجاج الشعبى بأسلوب فكاهى مبتكر. امتلأ برنامج الحزب بالوعود العبثية التى تسخر من الخطاب السياسى التقليدى كالحياة الأبدية لجميع المواطنين وأسبوع عمل من يوم واحد وغروب الشمس مرتين يوميًا. ويقدم الحزب الوعود بأسلوب ساخر فى محاولة لكشف زيف الوعود السياسية التقليدية وإبراز عبثية بعض الحملات الانتخابية للأحزاب السياسية الأخرى.
يعتمد الحزب بشكل أساسى على فن الجرافيتى والملصقات الساخرة ويرشح جميع أعضائه باسم «ستيفن بيج» وهو اسم شائع فى المجر كنوع من التهكم على التكرار السياسى ويطلق حملات مضادة لحملات الحكومة.
وفى استفتاء أُجرى عام 2016 حول الهجرة دعا الحزب الناس إلى التصويت بشكل غير صحيح ونجح فى جمع أكثر من 100,000 يورو من التبرعات لتنفيذ حملة إعلانية ساخرة. ورغم الحملات الساخرة التى تبدو غير جادة شارك الحزب فى الانتخابات البرلمانية عام 2018 وحصل على %1.73 من الأصوات، ثم ارتفعت النسبة إلى %3.27 فى انتخابات 2022 ليصبح رابع أكبر كتلة سياسية فى البلاد .
وفى انتخابات 2024 المحلية فاز زعيم الحزب «جيرجيلى كوفاتش» بمنصب عمدة منطقة فى «بودابست» مما يظهر أن السخرية قد تتحول إلى قوة سياسية حقيقية.
حزب وحيد القرن.. يعد بألا يفى بوعوده!
برز حزب «وحيد القرن» فى عالم السياسة الكندية مؤخرًا كأحد أكثر الأحزاب غرابة وسخرية، حيث يجمع بين الفكاهة والتمرد السياسى تأسس الحزب الأصلى عام 1963 على يد الطبيب والكاتب الساخر «جاك فيرون» بهدف السخرية من بهجة وفخامة الحملات الانتخابية خلال الانتخابات الفيدرالية فى عام 1984 ترشح 89 مرشحًا فى جميع أنحاء «كندا» تحت لواء حزب «راينو» وحصلوا على 99207 صوتًا وهو عدد مفاجئ يمثل نحو %0.8 من الأصوات.
ومن أبرز وعود الحزب الانتخابية أنه يعد بعدم تنفيذ أى من وعوده إذا فاز فى الانتخابات فى سخرية واضحة من الأحزاب التقليدية التى تفشل فى الوفاء ببرامجها. ومن بين وعوده المستحيلة سحب القطب الشمالى إلى القارة القطبية الجنوبية للسيطرة على الصقيع العالمى..! وإلغاء جميع القوانين كحل جذرى للجريمة، فضلًا عن وعده بمنح الحيوانات تمثيلًا سياسيًا متساويًا مع البشر وإرسال البطاريق لحماية الحدود فى حال اندلاع حرب باردة.
يقود الحزب حاليًا «سيباستيان كوريفو» ويشجع المرشحين على استخدام شعاراتهم الخاصة فقد اقترح مرشحو الحزب أفكارًا مثل إلغاء الجاذبية، لكن البرلمان لم يقرها واقترحوا أيضا القضاء على البيئة نظرًا لتكاليفها الباهظة وصعوبة إدارتها وإلزام المواليد الجدد بأسماء لا تقل عن 12 حرفًا بما فى ذلك الحروف والأرقام والرموز. ورغم طابعه الهزلى الساخر شارك الحزب فى الانتخابات الفيدرالية وحقق نتائج رمزية لكنه نجح فى إثارة الجدل وتسليط الضوء على قضايا سياسية بطريقة غير تقليدية.
الحزب الرسمى للوحش المجنون..عضويته تشمل شهادة جنون وشارة معتوه
هو أحد أكثر الأحزاب السياسية غرابة فى التاريخ البريطانى جمع بين السخرية والفن والجنون السياسى نظرًا لتأسيسه على يد المغنى البريطانى «ديفيد ساتش» المعروف بلقب «ساتش الصارخ» عام 1982. وقد نجح الحزب فى جذب الانتباه إلى قضايا سياسية بأسلوبه المختلف، بل إنه فاز فى عام 1987 بأول مقعد له فى مجلس مدينة «أشبورتون»، حيث انتخب «آلان هاولينج لود هوب» بالتزكية وأصبح لاحقًا نائبًا لرئيس البلدية ثم رئيسًا لبلدية أشبورتون عام 1990.
وفى انتخابات «بوتل» الفرعية فى مايو 1990، حصد مرشح الحزب أصواتًا أكثر من مرشح «الحزب الديمقراطى الاجتماعى» وتصدرت هذه القصة عناوين الصحف البريطانية.
ومن بين اقتراحات الحزب جعل جميع السياسيين يرتدون قبعات مهرجين فى البرلمان وتحويل البرلمان إلى مدينة ملاهٍ يوم الأحد وفرض ضريبة على التنهدات الثقيلة فى الاجتماعات الحكومية وإنشاء وزارة للقطط والكلاب لضمان حقوق الحيوانات الأليفة.
ورغم طابعها الساخر، فإن بعضا مما ورد فى بيانات الحزب أصبح قانونًا فيما بعد مثل جوازات سفر الحيوانات الأليفة وإلغاء تراخيص الكلاب وفتح الحانات طوال اليوم.
كما يعتمد الحزب على الملابس الغريبة الشعر الملون واللافتات الساخرة فى حملاته، ورغم ذلك يشارك فى الانتخابات البريطانية بشكل رسمى ويعتبر رمزًا للحرية السياسية والتعبير عن الرأى. وتبلغ تكلفة عضوية الحزب حاليًا 15 جنيهًا إسترلينيًا سنويًا وتشمل وسام الحزب وشهادة الجنون وشارة معتوه!
حزب البومة.. هدفه تغييير قانون إغلاق الحانات وقت الانتخابات!
حزب سياسى أمريكى صغير تأسس عام 1976 فى حانة ونادى جاز فى «واشنطن» على يد الفنان «ريد كيلى» مالك النادى بهدف إضفاء لمسة من الفكاهة والغرابة على المشهد السياسى بالإضافة إلى دفع عجلة تغيير قوانين الولاية والاحتجاج على قوانين الخمور فى «واشنطن» والتى كانت تجبر آنذاك الحانات على الإغلاق خلال الانتخابات التمهيدية والغريب أن الحزب ضمن مكانًا له فى قوائم الاقتراع فى انتخابات فى نفس عام تأسيسه.
أحزاب تم حلها
يعتبر حزب «عشاق البيرة» فى «بيلاروسيا» من أغرب الأحزاب السياسية التى تم إنشاؤها فيما بعد حل «الاتحاد السوفيتى» وتحديدًا فى عام 1993. وكان الهدف الرئيسى للحزب هو النضال من أجل نظافة وجودة البيرة الوطنية واستقلال الدولة وحياد «بيلاروسيا» وشعار الحزب هو «القنفذ المخمور». وفى عام 1998 قررت المحكمة العليا فى «بيلاروسيا» حل الحزب. وهناك حزب «محبى البيرة» فى «بولنداط» والولايات المتحدة الأمريكية.
أما «حزب الحمير» الإيرانى الذى تأسس عام 1963 فيعد من أغرب الأحزاب فى العالم ويهدف الحزب إلى انتقاد الفساد والقمع وعبثية بعض الخطابات السياسية.الحزب لم يكن معترفًا به، بل كان محاولة احتجاجية ساخرة. بيانات الحزب كانت تذيل بعبارة «رفاقنا فى الإسطبل».
بينما اعتبر حزب «مصاصى الدماء والسحرة والوثنيين» الأمريكى الذى تأسس عام 2005 على يد المصارع المحترف «جوناثان شاركلى» الأغرب على الإطلاق، حيث جمع بين عناصر الأسطورة والسخرية والاحتجاج السياسى ودمج بين رموز مصاصى الدماء المشعوذين والوثنيين فى محاولة لتحدى الخطاب السياسى التقليدى، وقد دعم الحزب الحريات الدينية غير التقليدية بما فى ذلك الطقوس الوثنية وممارسات السحر.
هذه الأحزاب بأسمائها الطريفة وأهدافها الساخرة هى واقع وليست فكاهة ووجودها يطرح سؤالًا مهمًا: هل تغيرت مهمة السياسة؟ أم هو نوع من الاحتجاج والتمرد على السائد؟.