الأحد 28 سبتمبر 2025
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد إمبابي
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد إمبابي
يأكلون مما نأكل ويشربون مما نشرب

يأكلون مما نأكل ويشربون مما نشرب

تلك هى العبارة المكتوبة (أو الجملة) التى انتهى بها مقطع فيديو للأسير الإسرائيلى (أبيتار دافيد)، بثته كتائب القسام -الجناح العسكرى لحركة المقاومة الإسلامية حماس- المحتجز لديها، بداية الفيديو تضمنت أحد مقاطع القسام التى بثت من قبل خلال دفعات التبادل السابقة للأسرى السابقين، إذ ظهر الأسير (أبيتار) وكان حينها فى حالة صحية جيدة، وهو يراقب مشهد إطلاق سراح زملائه، ضمن صفقة التبادل الأخيرة، ولكن فى الفيديو الأخير المخصص له شخصيًا، بدت عليه علامات الهزال الشديد، مقابل لقطات لأطفال غزة وقد ظهرت عليهم آثار المجاعة بشكل واضح نتيجة الحصار الإسرائيلى وعدم إدخال المساعدات الإنسانية، فى محاولة لإظهار المعاناة المشتركة لدى المدنيين والأسرى فى قطاع غزة، الذى ترتكب ضد شعبه أبشع وأحط جرائم التجويع التى حددها بدقة القانون الدولى الإنسانى، من قبل حكومة تعتنق سياسة الهولوكوست التى سبق وأن استخدمها النازى هتلر ضد اليهود. 



المؤسف فى الأمر فيما يخص هذه الجريمة بالتحديد والتى يشاهدها العالم بأجمعه،  وتوضحها الفيديوهات والصور والبث الحى من جميع المحطات الإعلامية المحايدة وغير المحايدة،  أن يخرج علينا السفير الأمريكى فى تل أبيب (مايك هاكابى) بتصريحات تحمل مواقف حاسمة تجاه قضية التجويع، متهمًا وسائل إعلام مثل (نيويورك تايمز وسى إن إن) بنشر “صور مفبركة لأطفال جائعين”، مدعيًا أن بعضها يعود لأطفال يعانون من أمراض خلقية، أو يعيشون فى بيوت (لا تنقصها التغذية) ثم يعود ويسخر من صور الأطفال الجوعى فى غزة قائلا (نيويورك تايمز وبعض المصادر الإخبارية عرضت صورة لطفل صغير وقالوا إنه جائع، وتبيّن أن هذا الطفل لم يكن جائعًا، بل كان لديه عيب خلقى، وقد قامت إسرائيل فعليًا بنقله جوًا إلى الأردن ليتلقى العلاج فى المستشفى)، ثم عاد وتابع السفير الأمريكى (كما كانت هناك صور أخرى لأطفال يُفترض أنهم جائعون مع أمهاتهم، ولكن كانت هناك مشكلة واضحة، الأمهات كنّ يتمتعن بصحة جيدة. 

وإذا كان الطفل يتضور جوعًا، فهناك بالتأكيد من كان يأكل فى ذلك المنزل، وكان ذلك أمرًا واضحًا لأى شخص، ليس عليك أن تكون صحفيًا حاصلاً على جائزة بوليتزر لترى ذلك). تصريحات مستفزة وغير إنسانية بالمرة، من رجل يفترض فيه بحكم وظيفته أن يعرف ما الذى يقوله أو يصرح به. لكنها فى نفس الوقت توضح موقف إدارته المسبق والداعم لسياسة التجويع المتبعة فى غزة ضد الشعب الفلسطيني، وهذا ما جعل وزير الأمن القومى الإسرائيلى (إيتمار بن غفير) يقول إن ما يجب إرساله إلى غزة هو القنابل وليس المساعدات، رغم رفض جميع الأديان والقوانين والعالم والشعوب الحرة لتلك السياسة.

ومثلما قلت فى مقال سابق أن سجن غزة، أو بالمعنى الأصح حصارها سينال من الجميع فلسطينيين وإسرائيليين، فإن سياسة التجويع الممنهجة والتى لا تراها الإدارة الأمريكية الحالية، ستنال من الإسرائيليين أيضا وليس الفلسطينيين فقط، ولهذا جاء مقطع فيديو القسام الأخير ليؤكد ويثبت هذا المعنى، والدليل على هذا إحدى لقطات الفيديو التى يظهر فيها (أبيتار) وهو يشرب الماء، بينما ظهرت فى المقابل صورة لطفل فلسطينى يعانى مجاعة طاحنة بسبب منع إدخال لبن الأطفال للقطاع، وكذلك عرض الفيديو صورًا  للأسير وقد بدت عليه علامات الهزال الشديد، مقابل لقطات لأطفال غزة وقد ظهرت عليهم آثار المجاعة بشكل واضح، نتيجة الحصار الإسرائيلى وعدم إدخال المساعدات الإنسانية، فى محاولة لإظهار المعاناة المشتركة لدى المدنيين الفلسطينيين أو الأسرى الإسرائيليين، كما أظهر المقطع الأسير وهو ينظر إلى جدول يحمل عدد الأيام التى قضاها فى الأسر، فى مشهد يوحى بطول المعاناة والانقطاع عن العالم الخارجى، دون أن ينطق بكلمة واحدة.

مقطع فيديو (أيتمار دافيد) ساعد وبشكل كبير فى إثارة الجدل داخل إسرائيل بشأن مصير الجنود الأسرى، وجعل الخلاف يحتدم بين عائلاتهم والحكومة التى تتعرض لضغوط متزايدة من أجل إتمام صفقة تبادل جديدة تعيد الأسرى لأسرهم.

وهو نفس الفيديو الذى أتمنى أن يكون فيه العبرة والعظة لجميع شعوب العالم المتحضر، لرفض جريمة التجويع التى ترتكبها عصابة نتنياهو وتدعمها دولة أمريكا ضد شعبنا الفلسطينى الشقيق المحاصر، ولهذا تحديدا أنتهى الفيديو بعبارة (يأكلون مما نأكل ويشربون مما نشرب) لتعد بمثابة رسالة تشير إلى أن التعامل مع الأسرى يتم ضمن الحدود الدنيا للبقاء، بما يوازى معيشة سكان غزة المحاصَرين.