الخميس 11 ديسمبر 2025
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد إمبابي
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد إمبابي

جندى الكتيبة 26 الذى عبر من الجبهة إلى قلوب المصريين..

وداعًا لطفى لبيب

  لم يكن نجمًا يتصدر الأفيشات ولا أحد أبطال الصف الأول، لكنه كان الحضور الذى يضيف للمشهد مصداقية وبساطة جعلت اسمه مرتبطًا بالتلقائية والأداء الهادئ، إنه الفنان «لطفى لبيب» الذى رحل عن عالمنا صباح الأربعاء الماضى وترك خلفه أرشيفًا غنيًا من الأدوار المتنوعة والمواقف الإنسانية التى لا تنسى لتسود حالة من الحزن فى الوسط الفنى بعد رحيل «لطفى لبيب» الذى اعتبره الكثيرون رمزًا للالتزام الفنى والإنسانى وودعوه بكلمات صادقة تعكس مكانته فى قلوب زملائه ومحبيه.



مسيرة لطفى لبيب تحمل العديد من النقلات، فقد تخرج فى المعهد العالى للفنون المسرحية عام 1970 وكان يتوقع أن يبدأ مسيرته الفنية، إلا أن التحاقة بالخدمة العسكرية ليس كواجب وطنى فحسب بل كرسالة التزام وفخر تحدث عنها مرارًا وتكرارًا بكل حب؛ خدم لمدة ست سنوات ونصف فى كتيبة 26 مشاة ضمن اللواء الثامن بالفرقة السابعة، وكان من الأوائل الذين عبروا قناة السويس بعدما بدأت حرب أكتوبر المجيدة فى 6 أكتوبر 1973.

ذكر خلال العديد من اللقاءات أنه خلال 130 يومًا عاش كأبطال أكتوبر جميعًا فى الصحراء بالقليل من الماء والطعام فى معسكر محاصر، حيث اضطر الجنود إلى تقطير الماء من تانك السيارات المدمرة ووجبة الطعام اليومية لم تكن تتجاوز ربع حجمها العادى فى وسط هذا الحصار رغم القسوة ظهرت إنسانية القوات حين قرر زملاؤه أن يحتفلوا معه بعيد الميلاد المجيد فأهدوه قارورة ماء.. وهى اللحظة التى ظلت محفورة فى ذاكرته لا ينساها لتظل عالقة بقلبه ووجدانه.

ما حمله من ذكريات جعل تلك المرحلة أهم محطة فى حياته تجاوزت كونه مجرّد جندى إلى أن كان مؤرخًا يحمل روحه وذاكرته ليكتب سيناريو وفيلمًا عن تجربته بعنوان «الكتيبة 26» صدر فى كتاب وشهد ثلاث طبعات رغم أن الإنتاج السينمائى لهذه التجربة لم يتحقق لارتفاع الميزانية المطلوبة.

وبعد انتهاء خدمته عاش فترة سفر امتدت ما يقارب الثمانى سنوات، ثم عاد إلى مصر وبدأ مشواره الفنى فى أوائل الثمانينيات لم يقتحم البطولة فأدواره كانت غالبًا داعمة، لكنها كانت حاضرة وبقوة فجسد شخصيات عديدة منها  الطبيب والأب والدبلوماسى والموظف ومع كل شخصية قدمها منحها بعدها الإنسانى بخفة ظل وحضور طاغٍ وضعنا أمام ممثل من العيار الثقيل.

كان دوره فى فيلم «السفارة فى العمارة» بشخصية «ديفيد كوهين» السفير الإسرائيلى حاضرًا بقوة؛ قدم الشخصية بالذكاء والفكاهة وجعل الجمهور يضحك، بينما تبقى الرسالة الوطنية.

تعاون مع الفنان الكبير «عادل إمام» فى أكثر من عمل مثل (عفاريت عدلى علام) و(صاحب السعادة) وتميز دائمًا بحضوره الطبيعى وقدرته على تقديم الشخصيات بواقعية وخفة ظل دون افتعال.

وبين أكثر من 100 فيلم وعشرات المسلسلات والمسرحيات والأعمال الإذاعية ظل طوال أكثر من أربعين عامًا مثالًا لتمثيل الحضور المتميز.

ورغم معاناته مع المرض وتكرار الأزمات الصحية التى أثّرت على مشاركته الفنية ظل «لطفى لبيب» متمسكًا بشغفه بالتمثيل وأمله فى العودة أمام الكاميرا من جديد وعلى الرغم من إعلانه الاعتزال لأسباب صحية، بقى حاضرًا فى قلوب جمهوره الذى تابع حالته بترقب، منتظرًا عودته للمشاركة فى أعمال جديدة، لكن تلك العودة لم تتحقق ورحل «لطفى لبيب» تاركًا إرثًا فنيًا يؤكد أنه كان جزءًا أصيلًا من نسيج فنى صنع من التمثيل مهنة وموهبة لا طريقًا إلى الشهرة فقط.