بعد نجاح صناع الفيلم فى تحقيق المعادلة المعقدة والصعبة:
أحمد و أحمد حقيبة من المفاجآت!

عصام زكريا
يذهب المشاهد إلى دار العرض السينمائى غالبًا وهو يحمل حقيبة من التوقعات تجاه الفيلم المقبل على مشاهدته، ربما يتوقع خيرًا، أو قد يتوجس شرًا، وهو فى الحالتين غالبًا ما يقيس الفيلم ويقارنه بنوع وحجم هذه التوقعات.
لأسباب عدة، منها ما يتعلق بمستوى الأفلام المصرية الشعبية التى صدرت فى الآونة الأخيرة، ومنها ما يتعلق بالأخبار والدعاية التى سبقت فيلم (أحمد وأحمد)، ذهبت إلى دار العرض بحقيبة فارغة من التوقعات، أميل إلى انتظار خيبة أمل جديدة مثل التى حظيت بها خلال موسم العيد الماضي.
بمجرد بدء عرض الفيلم، ورغم تأخره عن موعده الأصلى بأكثر من ساعة، ورغم البرودة الشديدة فى قاعة العرض الكبيرة التى تخلو معظم مقاعدها، وشاشة العرض السيئة فى سينما وسط البلد العريقة، التى جار عليها الزمن، وبعد دقائق معدودة، فوجئت أننى رحت أندمج مع الفيلم، فى حالة من الاسترخاء والترقب، أضحك أحيانًا من غرابة المواقف الدرامية العبثية والشخصيات العالقة فى منطقة من اللامنطق، ومعجبًا أحيانًا بالمعارك والمطاردات المثيرة المنفذة بحرفية كبيرة (على قدر ظروف الإنتاج وإمكانيات الممثلين وفريق مدربيهم ودون المقارنة طبعًا بهوليوود أو بوليوود أو نيلوود).
صحيح أن الملاحظات النقدية سرعان ما بدأت فى التقافز، من مشهد منفذ بشكل رديء أو مفتعل، أو من «إيفيه» كوميدى مكرر وبليد، أو من فعل أو رد فعل غير مقنع لشخصية.. وهذا النوع من ملاحظات «الاستسهال» «والاستعجال» و«التشطيب الرديء» التي تتسم بها الصناعة المصرية، وتضيع غالبًا منتجات فى غاية الجودة.
ولكن بغض النظر عن الملاحظات المعتادة، يسير الفيلم بسلاسة، من خلال قصة مترابطة: رجل «غلبان» بسيط يتعرض لمطاردة وحادث سيارة دون مقدمات، فيفقد أجزاء من ذاكرته، ليكشف فجأة عن شخصية أخرى مختبئة، لرجل عصابات شديد البأس والقوة، قادر على ضرب عشرة رجال بقبضة يد واحدة، وعشرة آخرين بركلة قدم، وسط دهشة ابن أخته المهندس المتعلم، الذى عاش طوال عمره مع خاله دون أن يعلم عنه شيئًا!
تتوالى القصة دون تباطؤ ممل، أو مشاهد لا لزوم لها، وحيث يدفع كل موقف بهذه القصة إلى التقدم خطوة، مع عدد من المفاجآت المتلاحقة، سواء كانت حدثاً غير متوقع، أو ضيف شرف لامع يظهر فجأة. ومثل الكثير من الأعمال السينمائية فى الآونة الأخيرة، هناك الكثير من ضيوف الشرف فى الفيلم بحجم أسماء لامعة مثل طارق لطفى وغادة عبد الرازق والنجم السعودى إبراهيم الحجاج وغيرهم (ولحسن الحظ لا يوجد بيومى فؤاد هذه المرة!).ربما تعود ظاهرة ضيوف الشرف إلى تقلص عدد الشركات المنتجة، وبالتالى غالبًا ما يجامل الممثلون هذه الشركات التى يعملون معها فى أعمال أخرى. ولكن بشكل عام فإن (أحمد وأحمد) نموذج للتعاون المشترك المثمر، سواء من خلال التعاون بين شركتين مصرية وسعودية، أو من خلال التعاون بين النجمين «أحمد السقا وأحمد فهمي».
وكما هو معروف ولد الفيلم من الصداقة بين النجمين، اللذين ظهر كل منهما فى أعمال الثانى كضيف شرف سابقًا.
ورغم أن سيناريو (أحمد وأحمد) يعطى المساحة الأكبر فى الدراما والظهور على الشاشة لـ«أحمد السقا»، لكن ذلك لا يؤثر على الكيمياء الطيبة بين الاثنين. التأثير السلبى ربما جاء على حساب «جيهان الشماشرجي» التى تلعب دور خطيبة ابن الأخت، حيث كانت تحتاج شخصيتها إلى قليل من العمق والمساحة الدرامية. أيضًا شخصية الشرير الوضيع الظريف التى يؤديها «أحمد الرافعي»، البارع فى مثل هذه النوعية، ربما كانت تحتاج أيضًا إلى مساحة أكبر قليلًا حتى يتزن ثقل الصراع الدرامى أكثر.
نقطة بيع selling point الفيلم كانت الجمع بين نجم أكشن ونجم كوميديا لتقديم أكشن كوميدى مميز، وقد نجح صناع الفيلم بالفعل فى تحقيق هذه المعادلة المعقدة والصعبة، بحيث تسرى الكوميديا فى أوصال مشاهد الأكشن، وتسرى الحركة فى أوصال الكوميديا معظم الوقت (باستثناءات قليلة جدًا فى التنفيذ تعيدنا إلى عيب «تقفيل الصناعة» المعتاد). ويعود النجاح فى تقديم هذه المعادلة جزئيًا إلى حضور ولطف البطلين، خاصة «السقا» الذى يقدم أداءً مفاجئًا بالنسبة لى على الأقل، خاصة فى الكوميديا، كما يعود إلى الكتابة الجيدة، مقارنة بما نراه من كتابة رديئة فى السينما المصرية مؤخرًا، وبالأخص يعود إلى المخرج المخضرم «أحمد نادر جلال»، المتمكن حتى أكثر من عادته فى الأكشن، ولكن المدهش أكثر هنا، تمكنه من الكوميديا.
لقد ذهبت إلى الفيلم بحقيبة خاوية من التوقعات، وخرجت منه بحقيبة من المفاجآت الجيدة!