السبت 12 يوليو 2025
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد إمبابي
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد إمبابي

من الفن والموضة إلى السياسة والألعاب

حمى «سكويد جيم» تغزو العالم

بينما كان العالم يتعافى من عزلة جائحة «كورونا»، جاء مسلسل «سكويد جيم» أو Squid Game فى سبتمبر 2021 ليضع العالم أمام مرآة سوداء تعكس قسوة الرأسمالية وبؤس الفقراء وشراسة الرغبة فى البقاء لدى البشر فى كل مكان. لم يكن أحد يتوقع أن يتحول مسلسل «كورى» إلى ظاهرة تغزو العالم بهذا الشكل الصاعق. فمن زى الحراس الأحمر إلى النظرات الباردة للدمية الضخمة، اجتاحت حمى «سكويد جيم» شاشات الهواتف وأحاديث المراهقين والشباب بل الأطفال أيضًا لتصبح جزءا من الذاكرة الثقافية لهذه الأجيال وتتحول من مجرد مسلسل ناجح على إحدى المنصات إلى حالة ثقافية واجتماعية واقتصادية تثير القلق والإعجاب فى الوقت ذاته. 



تدور قصة المسلسل حول 456 شخصًا يمر كل منهم بظروف اقتصادية صعبة أو ضائقة مالية تدفعه للمشاركة فى مجموعة من الألعاب التى تبدو فى البداية ألعاب أطفال عادية لكنها فى الواقع ألعاب مميتة. والألعاب التى تابعها عشاق «سكويد جيم» حول العالم هى ألعاب أطفال كورية شعبية بالفعل لكن، فى المسلسل، الخسارة فى اللعبة يعنى موت المتسابق لأن الفائز بالجائزة المالية يجب أن يكون متسابقا واحدا فقط وهو المتسابق الوحيد الذى يستطيع أن يبقى على قيد الحياة خلال سلسلة الألعاب.

لم يكن نجاح المسلسل الـ«الكورى» مجرد صدفة عابرة بل كان بداية موجة عالمية من الألعاب والأعمال الفنية والأزياء والمعارض وحتى برامج الواقع المستوحاة من المسلسل.

فتأثيرات المسلسل إيجابًا وسلبًا امتدت من «كوريا الجنوبية» إلى العالم ومن الأطفال إلى المراهقين والشباب وأصابت الآباء بالقلق والخوف على أبنائهم من العنف الذى يقدمه المسلسل فى قالب من الألعاب والإثارة الممزوجة بمشاعر الرغبة فى البقاء.

 انفتاح العالم على الفن الكورى

كسر النجاح الساحق الذى حققه الموسم الأول الحواجز الجغرافية واللغوية وفتح المجال أمام دراما غير ناطقة بالإنجليزية لتتصدر المشهد الترفيهى العالمى عبر واحدة من أشهر المنصات الرقمية وأوسعها انتشارًا. ومن هنا جاءت أولى الآثار الإيجابية للمسلسل الذى يعتبر البوابة التى انطلق منها الفن الكورى بكل أشكاله ليقدم فكره وابداعه للعالم. فبدأ الشباب الذى ارتبط بـ«سكويد جيم» يبحث عن الجديد وبدأت المنصات الرقمية تنتج مسلسلات بفنانين كوريين لاستغلال نجاح المسلسل وعرض مسلسلات كورية. وكانت النتيجة نجاح أعمال جديدة مثل «hellbound» و«The Glory» و«All of Us Are Dead» التى تصدرت قوائم المشاهدة عالميًا.

أدى النجاح المدوى للمسلسل إلى لفت الأنظار إلى عدد من الأعمال الدرامية التى سبقت «سكويد جيم»، لكنها لم تر النجاح إلا بعد نجاحه حيث تتضمن نفس الفكرة ولذلك قرر المشاهدون إعطاءها فرصة للمشاهدة بعد تعلقهم بفكرة المسلسل الكورى. من بين هذه الأعمال المسلسلان اليابانيان «اليس فى بوردرلاند» أو «Alice in Borderland» الذى يروى قصة أشخاص يُجبرون على دخول ألعاب قاتلة من أجل البقاء و«باتل رويال» أو «Battle Royale» ويحكى عن مجموعة طلاب ثانوى يضطرون إلى قتل بعضهم البعض فى لعبة أيضًا. ولا يمكن أن ننسى هنا المسلسل البرازيلى «3 %» أو «3» الذى يرى النقاد أنه يشبه «سكويد جيم» فى تناول أفكار مثل الطبقية والألعاب النفسية.

 السينما الكورية

وفى مجال السينما، يمكن القول وأنه إذا كان فيلم «باراسايت» أو «parasite» الذى صدر عام 2019 قد مهد الطريق للسينما الكورية بعد نجاحه الكبير وفوز مخرجه بجائزة «أوسكار» وبـ«السعفة الذهبية» فى مهرجان «كان»، فإن «سكويد جيم» قد فتح الباب على مصراعيه لتقبل السينما الكورية حيث أصبح الجمهور حول العالم أكثر انفتاحًا على الفن الكورى بوجه عام حتى إن المخرجين الكوريين باتوا مطلوبين فى «هوليوود».

الموسيقى الكورية

مع انتشار المسلسل زاد البحث عن كل ما يخص الثقافة الكورية ما أدى إلى انتشار الموسيقى الكورية عالميًا وازدياد شعبية عدد من الفرق الغنائية الكورية بين الشباب فى العالم مثل فرقة «بى.تى.إس» أو BTS والفريقين النسائيين «بلاكبينك» أو «BLACKPINK» و«توايس» أو «TWICE».

ولم تكن الحكومة الكورية بعيدة عن هذا النجاح بل استثمرته فى الترويج لـ«كوريا الجنوبية» كوجهة سياحية وثقافية وأنها ليست دولة تهتم فقط بصناعة الإلكترونيات بل يمكنها أيضًا أن تصنع تأثيرًا ثقافيا عالميًا وهو ما أكده الرئيس الكورى عام 2022 عندما اعتبر «سكويد جيم» رمزًا للقوة الكورية الناعمة الحديثة.

 الأزياء والموضة

أصبح كل ما تعلق بالمسلسل من رموز وألوان هو الموضة السائدة بين الشباب حول العالم. من الزى الوردى إلى البذلات الرياضية الخضراء التى يرتديها اللاعبون فى المسلسل وحتى الأقنعة والدوائر والمثلثات أصبحت مصدر إلهام لصناع الموضة حول العالم. كما أصبح هناك جيل كامل يستخدم «الميمز» أى الصور والعبارات الخاصة بالمسلسل فى تعليقاته على مواقع التواصل الاجتماعى وهى تلميحات لن يفهمها إلا من شاهد «سكويد جيم».

الغريب أن نجاح الدراما الكورية امتد إلى منتجات العناية بالبشرة كورية الصنع التى طالتها الحمى فغزت العالم واشتهرت وحققت مبيعات خيالية غير متوقعة خلال السنوات الأخيرة.

 ألعاب تحاكى المسلسل

ظهرت العديد من الألعاب المستوحاة من المسلسل الكورى منها لعبة «الضوء الأحمر والضوء الأخضر» التى يحاول فيها المتسابق أن يتحرك عندما يسمع كلمة «الضوء الأخضر» ويتوقف عن الحركة عند سماع «الضوء الأحمر» وهو ما كانت تقوم به «يونج هى»الدمية الضخمة فى المسلسل. إلى جانب عدد من ألعاب الفيديو والتطبيقات الموجودة على هواتف الأطفال والشباب اليوم والتى تحاكى اللعبة أو تستخدم شخصياتها وعلى رأسها لعبة «روبلوكس» أو «Roblox» الشهيرة. وظهرت ألعاب بها تحديات مشابهة للتحديات الموجودة باللعبة مثل «فورتنايت» أو «Fortnite».

وفى «نيويورك» تم افتتاح مكان جديد باسم «تجربة سكويد جيم»، حيث يستطيع أى شخص دفع تذكرة وتجربة اللعبة فى الواقع مع متسابقين آخرين، ولكن دون أن يضطر إلى القتل أو أن يفقد حياته مثلما حدث فى المسلسل.

 التأثير السياسى

رغم أن «سكويد جيم» عمل خيالى فإنه سلط الضوء على عدد كبير من القضايا الاجتماعية والسياسية وعلى رأسها النقد غير المباشر الذى يوجهه المسلسل للرأسمالية وغياب العدالة الاقتصادية. وقد أثار المسلسل نقاشات حادة داخل «كوريا الجنوبية» حيث استشهد بعض النواب فى البرلمان الكورى بالمسلسل للتأكيد على الواقع الاقتصادى القاسى الذى يعيشه المواطن. 

بينما استخدمت «كوريا الشمالية» المسلسل فى انتقاد الأوضاع الإقتصادية السيئة لدى جارتها الجنوبية واتهامها بتبنى الرأسمالية الوحشية التى تستغل الفقراء دون رحمة. وعلى صعيد آخر، عقد النقاد مقارنات بين مضمون الرسالة التى يقدمها المسلسل وديون الطلاب فى «الولايات المتحدة الأمريكية» أو أوضاع الفقراء فى أوروبا. 

«سكويد جيم» لم يكن مجرد مسلسل ناجح بل حمى أصابت الألعاب والفن والموضة ووصلت إلى السياسة.. وهذه هى القوة الحقيقية التى يمثلها الفن. فالمسلسل الذى خرج من «كوريا الجنوبية» بلغة غريبة على معظم سكان العالم تحدث باسم الإنسان فى كل مكان على الأرض.. فنجح وانتشر وفتح المجال لنجاحات أخرى وتجارب جديدة يحلم أصحابها بنجاح مماثل.>